تعتزم الحكومة السعودية طرق أبواب أسواق السندات الدولية لسد عجز متوقع في ميزانية العام المالي الحالي والمقبل، على خلفية تراجع أسعار النفط وتخفيضات إنتاج الخام التي تم تمديدها.
وتعكس ميزانية البلد للسنوات حتى 2026 أنها ستتأثر بتراجع عائدات النفط نتيجة ضبابية آفاق الاقتصاد العالمي رغم الخطوات التي اتخذتها طيلة العام الماضي والحالي للاستفادة من طفرة أسعار الخام في طريق تعديل أوتار توازناتها المختلة.
وقالت وزارة المالية في بيان إن “الحكومة تعمل على الاستمرار في الاقتراض وفقا لخطة الاقتراض السنوية المعتمدة لتمويل العجز المتوقع في الميزانية ولسداد أصل الدين المستحق في العام 2024″، متابعة “بالإضافة إلى البحث عن الفرص المتاحة حسـب أوضـاع السـوق لتنفيـذ عمليـات تمويلية إضافية لسداد مستحقات أصل الدين للأعوام القادمة”.
ولا تزال البلاد تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، على الرغم من الإنفاق الضخم على مبادرات لتنويع اقتصادها.
وعدلت الوزارة التوقعات الخاصة بميزانيتها في الاتجاه السلبي، متوقعة تسجيل عجز للعام الجاري وحتى العام 2026، ما يعكس ارتفاع النفقات وانخفاض عائدات النفط.
وكان البلد الخليجي، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، قد خطط لتحقيق فائض قدره 16 مليار ريال (4.27 مليار دولار) في عام 2023، حسب بيان الوزارة السابق بشأن ميزانية 2023.
وباتت تتوقع الآن عجزا قدره 82 مليار ريال (21.86 مليار دولار) أو ما يعادل اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، حسب ما ذكرته وزارة المالية في بيان مساء السبت الماضي.
وذكر البيان أنّه من المتوقع حدوث عجز قدره 79 مليار ريال (21 مليار دولار) أو ما يعادل 1.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024.
وتوقعت الوزارة أن يستمر العجز في الميزانية حتى عام 2026، حيث من المنتظر أن تبلغ الإيرادات حوالي 1.25 تريليون ريال في مقابل نفقات تبلغ 1.36 تريلون ريال، بعجز يقدّر بحوالي 109 مليارات ريال (29 مليار دولار).
ومن المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموا بنسبة 4.4 في المئة مدعوما بنمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية، مع احتمال استمرار القطاع الخاص في قيادة النمو الاقتصادي. وقد يبلغ معدل النمو 5.7 في المئة عام 2025، و5.1 في المئة عام 2026.
ونما الاقتصاد السعودي بنسبة 8.7 في المئة خلال العام الماضي على خلفية ارتفاع أسعار النفط، وهو الأقوى في مجموعة العشرين، مما ساهم في تسجيل أول فائض في الميزانية خلال عشرة أعوام تقريبا.
وأعلنت السعودية في ديسمبر الماضي أنها سجلت أول فائض سنوي في ميزانياتها منذ نحو عقد، مستفيدة من ارتفاع قياسي لأسعار النفط إثر الغزو الروسي لأوكرانيا.
وانخفضت إيرادات النفط هذا العام بنسبة 17 في المئة مع انخفاض الأسعار وخفض الرياض الإنتاج في محاولة لتعزيز الأسعار.
ويبلغ الإنتاج اليومي للبلد، العضو البارز في منظمة أوبك وقائد تحالف أوبك مع روسيا، حاليا 9 ملايين برميل يوميًا، بانخفاض مليوني برميل عن الفترة نفسها من العام الماضي.
ومنذ تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولاية العهد في 2017، تتابع السعودية برنامج إصلاح طموحا ومكلفا لرؤية 2030 يهدف إلى وقف ارتهان الاقتصاد بالوقود الأحفوري.
وراهنا تستثمر السعودية مئات المليارات في قطاعات مختلفة بدءًا من نيوم، المدينة الجديدة المستقبلية على ساحل البحر الأحمر، وصولا إلى المنتجعات السياحية والترفيهية للجماهير، بما في ذلك كرة القدم حيث استقطبت عددا من نجوم هذه الرياضة بعقود باهظة.
ونقل البيان عن وزير المالية محمد الجدعان قوله إن الحكومة ستواصل “عملية الإصلاحات الهيكلية على الجانبين المالي والاقتصادي بهدف تنمية وتنويع اقتصادها ورفع معدلات النمو الاقتصادي المستدام مع الحفاظ على الاستدامة المالية”.
وأشادت وزارة المالية بالنمو في القطاعات غير النفطية التي قفزت إيراداتها بنسبة 11 في المئة في النصف الأول من العام الجاري.
وعلى مدار الربع الثاني من 2023 قفزت إيرادات السعودية غير النفطية بنسبة 13 في المئة على أساس سنوي، لتصل إلى 135 مليار ريال (36.1 مليار دولار)، مما خفف من حدّة العجز، في حين انخفضت إيرادات النفط للفترة نفسها بنسبة 28 في المئة إلى 48 مليار دولار.
وسيكون القطاع غير النفطي قاطرة النمو لاقتصاد أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم خلال هذا العام، ما يعكس إلى حد كبير نجاح السعودية في سياسة تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، وهو أحد أبرز مستهدفات أجندة “التحول الوطني”.
وتشير أحدث توقعات وزارة المالية إلى أن الأنشطة غير النفطية ستنمو بمعدل 5.9 في المئة خلال 2023، في وقت خفّضت فيه توقعاتها لنمو الأنشطة النفطية إلى 0.03 في المئة من 3.1 في المئة، وهو ما أرجعته بشكل رئيسي إلى الخفض الطوعي لإنتاج البلاد من النفط.
وقال مازن السديري، رئيس قسم الأبحاث في شركة الراجحي المالية، إن “أهداف الإنفاق الأعلى المعلنة في ميزانية الحكومة السعودية تشير إلى أن النمو المحلي سيظل قويا”.
وأضاف “من شأن زيادة الإنفاق أن تؤيد نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي أربعة في المئة العام المقبل”.
وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد نوه في مقابلة الشهر الماضي مع قناة “فوكس نيوز” الأميركية بتطور مساهمة القطاع غير النفطي، الذي ساعد على تحقيق الاقتصاد السعودي أعلى معدل نمو في 2022 بين دول مجموعة العشرين.
وسجل هذا القطاع ثاني أعلى معدل نمو في 2023 ضمن المجموعة أيضاً. وقال الأمير محمد بن سلمان إن ذلك “يشكّل تنافسًا بيننا وبين الهند، وهو تنافس جيد”.
ويتوقع بعض المحللين أن ينكمش الاقتصاد السعودي للمرة الأولى منذ عام 2020 في ذروة جائحة كورونا، على الرغم من أن توزيعات الأرباح الضخمة من عملاقة النفط أرامكو يمكن أن تعوض بعض العجز.
وكانت أسعار النفط، التي لا تزال دون المتوسط المسجل في العام الماضي عند مئة دولار للبرميل، قد ارتفعت فوق 90 دولارا بعد أن قالت الرياض الشهر الماضي إنها ستمدد خفضا طوعيا لإنتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميا حتى نهاية 2023.