بعد مرور أكثر من أسبوع على إعصار دانيال المدمر الذي ضرب مدينة درنة، بدأت صدمة السكان تتلاشى ليحل محلها الغضب على السلطات وخاصة البرلمان برئاسة عقيلة صالح. واندلعت الإثنين احتجاجات في المدينة لأول مرة بعد الإعصار عكست مطالبها انعدام الثقة في الأجسام السياسية الموجودة.
وشهدت مناطق وسط مدينة درنة (شرق ليبيا) تظاهرات، نظمها المئات من أهالي المدينة للمطالبة بإسقاط مجلس النواب وتوحيد البلاد.
ودعا المتظاهرون إلى عقد مؤتمر دولي حول إعمار المدينة تحت رقابة الأمم المتحدة، كما طالبوا بالإسراع في تعويض المتضررين وتكليف شركات دولية بعملية إعادة الإعمار.
ونظم المئات من أهالي درنة المنكوبة تظاهرة حاشدة أمام مسجد الصحابة وسط المدينة الذي اجتاحته الفيضانات العارمة قبل أسبوع، نددوا خلالها بمجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح، وطالبوا بتوحيد ليبيا، بحسب صور ولقطات فيديو تمّ تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وردّد المتظاهرون هتافات من بينها “دم الشهداء ما يمشي هباء (دم الشهداء لن يضيع هباءً)”، و”الشعب يريد إسقاط البرلمان” و”ليبيا، ليبيا، ليبيا، ليبيا..”.
وأدت الفوضى السائدة في ليبيا إلى عدم إيلاء البنى التحتية الحيويةِ ما تستحقه من أهمية، الأمر الذي ساهم في انهيار سدّيْ درنة في الشرق نتيجة الإعصار، ما تسبب في فيضانات مدمرة اجتاحت المدينة ومحيطها في بلد تتنافس فيه حكومتان على السلطة ويشهد انقسامات عميقة، وفق محللين وسياسيين.
وجرفت المياه أجزاء من المدينة الساحلية، التي يقطنها 120 ألف نسمة، بأبنيتها وبناها التحتية. وتدفقت المياه بارتفاع أمتار عدة، ما وصفه البعض بـ”تسونامي”، وحطّمت الجسور التي تربط شرق المدينة بغربها.
وتحكم ليبيا، التي دمرتها الانقسامات السياسية منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في عام 2011، حكومتان متنافستان، واحدة في طرابلس (غرب)، معترف بها من الأمم المتحدة ويقودها رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة، وأخرى في الشرق مكلفة من البرلمان بقيادة أسامة حمّاد، ومدعومة من الرجل القوي في الشرق المشير خليفة حفتر.
وأعلن أهالي درنة عن 16 مطلبًا لدعم المدينة المنكوبة في مرحلة ما بعد أكبر كارثة في تاريخ ليبيا وخلفت آلاف القتلى والجرحى والمفقودين والنازحين.
وتلا المشاركون في التظاهرة بيانًا جاء فيه أن مدينتهم “تعيش الظلم جهارًا نهارًا منذ أكثر من 60 عامًا، بل وأصبحت للظلم عنوانًا”، موجهين إلى كل من الأمم المتحدة ومنظمة العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية والقيادة العامة والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب والحكومتين شرقًا وغربًا “طلبات لا حياد عنها”.
وطالب المتظاهرون النائب العام في دولة ليبيا “بتسريع التحقيق في الكارثة التي حلت بمدينة درنة، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية والقضائية ضد كل من له يد في إهمال أو سرقات أدت إلى هذه الكارثة دون التستر على أي مجرم كائنًا من يكون”، فضلا عن “دعوة مكتب الدعم في ليبيا التابع لهيئة الأمم المتحدة إلى فتح مكتب له في مدينة درنة وبشكل عاجل”.
ودعا المشاركون وفق البيان إلى “تكليف مكتب استشاري دولي لإعداد جميع الدراسات الهندسية والمساحية والمالية المتعلقة بعملية الإعمار، ونظرًا للظروف التي تمر بها ليبيا والانقسام السياسي، ومع كامل احترامنا لجميع المكونات السياسية والعسكرية، إلا أننا نطالب الجميع باحترام إرادة المدينة ودعمها في خطواتها نحو البناء وإصلاح ما تم إفساده”. كما دعوا إلى “تكليف شركات عالمية يشهد لها في الإعمار والبناء وفق طبيعة المدينة الجغرافية والمناخية والثقافية والتاريخية وبتحديد واضح لأي صندوق مالي أو مخصصات مالية للإعمار باسم مدينة درنة دون دمج أو ربط لأي أعمال أخرى بهذا الأمر وتحت أي سبب أو ذريعة كانت”.
وطالب المحتجون بإصدار قرار يقضي “بتحديد الحدود الإدارية لبلدية درنة بحدودها السابقة من محلة الفتائح شرقًا حتى محلة كرسة غربًا، وتكليف مجلس بلدي مكون من ذوي الكفاءات والاختصاص من أبناء مدينة درنة ويشهد لهم بالنزاهة والكفاءة، إلى جانب دعوة منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإغاثية الدولية إلى إنشاء مركز للرعاية الطبية والتأهيل النفسي في المدينة”.
ودعوا وفق نصّ البيان إلى “محاسبة المجلس البلدي بدرنة ولجنة استقرار درنة والتحقيق في الميزانيات السابقة التي خصصت للمدينة، وحل مجلس وحكماء مدينة درنة وإعادة تشكيله من داخل المدينة”.
وتابع البيان “نحن من تبقى من سكان درنة لن نرضى بغير ما طالبنا به، ولن تفلح معنا أي أساليب تحذيرية أو مصطلحات مطاطية، ولن نتهاون في إعادة إعمار درنة حتى تعود زاهرة في ظاهرها وطاهرة في باطنها، ولن نتسامح مع كل من كان سببًا أو عونًا لإهمال أو فساد أدى بنا إلى هذا المآل”.
وفي وقت سابق قالت مفوضية شؤون اللاجئين “إن هناك أعدادا كبيرة من النازحين في ليبيا بحاجة إلى مساعدة عاجلة”.
وأوضحت أن كارثة فيضانات ليبيا أكبر من قدرات السلطات الليبية على التعامل معها، مشددة على أنه يجب أن يكون هناك التزام باستمرارية إرسال المساعدات إلى درنة.
وتعمل العشرات من الفرق الليبية والدولية على البحث عن مفقودين وعن الجثث التي جرفها البحر، أو طمرت بفعل الفيضانات التي ضربت المدينة.
وأطلقت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي نداء لجمع أكثر من 71 مليون دولار للاستجابة الطارئة في درنة وأجزاء أخرى من شرق ليبيا.