كتبه أ. د. عبدالله بن عبدالله عمر
مطلع هذه القصيدة في بيتها الأول يُفصح عن أنّ القصيدة غزلية الغرض، غير إنّ المضي في قراءتها يكشف عن تعدد في مقاصد أبياتها، ففي مقاطعها تجوّل القمندان رحمه الله -، فتكلم عن صفات تختص بالمرأة، وذكر صفات تخص الرجل الشجاع البطل (سوف نتناولها لاحقًا إن يسر الله).
وفي أبيات القصيدة تعددت صور المشبه به، فالقصيدة مليئة بالصور البيانية والاستعارات التصريحية والمكنية، يری بعض المهتمين بشعر القمندان - رحمه الله - أنّ الشاعر يتغنّی بالسلطنة العبدلية، ويخلع عليها هذه الصفات، - وهو الذي يظهر من أبياتها - فقد ألبس الشاعر الدولة في ظل السلطنة العبدلية كل ما هو حسن وجميل ورائع و كل ما فيه قوة وشدة بأس وبطش.
وبتوفيق الله سنقف عند عدد من أبياتها التي نری أنّها أروع ما جاء فيها، يقول القمندان - رحمه الله - في مطلعها:
أسيل الخدود رخصه نبا نجنی من الكرم عنقود
أبتدأ الشاعر قصيدته بذكر الخدود، ويطلب رخصة كي يجني عنقودًا من العنب، ثم شرع يتنقل بنا في ثنايا أبياتها، و يورد سياقاتها مفعمة بالحيوية وتَشعُرُ بمعاني أبيات القصيدة، فترد عليك تباعًا، من ذلك تشبيه العيون بالسيف الحد، إذ يقول:
وعينان سود علی قلب
أهل الهوی سيف محدود
وفي هذا كناية عن أنّ العينين تتولی قتل أهل الهوی..
( ولنا بحث عن العيون في الشعر اللحجي بين نصيب والقمندان).
ومن أبيات القصيدة الرائعة قوله:
نسيم البـــرود نسنس على الروضه وقع يوم مشهود
فالقمندان يُخبر عن يوم كان مشهودًا، نسنس (تحرك) و أعلن عن وجوده، وجاءت (نسنس) علی وزن (فعلل)، فهذا اشتقاق بديع من الاسم النسيم، وذكر الروضة التي كانت مكان الأنس والاجتماع والفرح. وهذا الاشتقاق يشبه اشتقاق أحمد مهدي ناجي المشهور بالحراجي حين قال:
صباح الخير يا ثعلب
سقاكِ السيل ملی جرب
مسی النسوس فيك يلعب
صباح الخير يا ثعلب
وقوله: علام الصدود يا فل
يا عمبا جنی حيط لكرود
بعد أن ذكر القمندان - رحمه الله - صفات المحبوب، تسآل عن سبب الصدود (الهجر والجفا) ووظف الاستعارة التصريحية بأن استعار للمشبه (المحبوب) المشبه به (الفل)و (عمبا) فجمع في محبوبه صفات حسن الشكل في الفل والعمبا، وحسن اللون، والرائحة العطرة التي يتزين بها الفل، وأكمل تلك المحاسن بتوفر لذة الطعم في العمبا.
ولأنّه بدأ البيت بسؤال عن السبب في قوله:( علام الصدود) فختمه بنداء المحبوب بيا فل وعمبا، فلم يكرر حرف النداء مع العمبا ولم يستعمل العطف، لكن الأسلوب يلزم منه إعادة حرف النداء يا فل ويا عمبا.
ثم زاد في وصف الممدوح
ونجمك صعود وانته قصيدة ( وسيم الخدود).
مطلع هذه القصيدة في بيتها الأول لا يُفصح عن أنّ القصيدة غزلية الغرض، فقد تعددت مقاصد أبياتها، ففي مقاطعها تجول القمندان - رحمه الله - فتكلم عن صفات تختص بالمرأة، و ذكر صفات تخص الشجاع البطل، وفي أبيات يضل عنك المقصود بالخطاب، ومنهم من يری أنّ الرجل يتغنی بالسلطنة العبدلية، وهو الذي يظهر - من ظاهر أبياتها، فقد ألبس الدولة كل جميل قوةً وجمالًا وبطشًا.
سنقف عند عدد من أبياتها الني نری أنّها أروع ما جاء فيها، يقول القمندان - رحمه الله - في مطلعها:
أسيل الخدود رخصه نبا نجنی من الكرم عنقود
أبتدأ الشاعر قصيدته بذكر طول الخدود، ثم شرع يتنقل بنا في ثنايا أبياتها، و يورد سياقاتها مفعمة بالحيوية وتشعر بمعانيها ترد عليك تباعًا، فمما قاله، وأبدع فيه:
نسيم البـــرود
نسنس على الروضه وقع يوم مشهود
فالقمندان - رحمه الله - يخبر عن يوم كان مشهودًا، نسنس علی وزن فعلل، فهذا اشتقاق بديع من الاسم النسيم، وذكر الروضة التي كان مكان الأنس والاجتماع والفرح، وفيه دلالة علی أنّ أيام السلطنة كانت أيام أنس ورغد عيش.
وقوله:
علام الصدود يا فل
عمبا جنا حيط لكرود
بعد أن ذكر صفات المحبوب، تسآل عن سبب الصدود (الهجر والجفا) ووظّف الاستعارة التصريحية بأن استعار للمشبه (المحبوب) المشبه به (الفل)و (عمبا) فجمع في محبوبه صفات حسن المنظر و طيب الرائحة و جمال اللون الأبيض والخضرة في الفل، فقال:
يا فل، وفي هذا النداء من العناية بالمحبوب والاهتمام به حتی إنّه ناداه بأجمل ما يتزين به المجتمع اللحجي (الفل)، ثم ذكر العمبا ليجمع بين لذة الطعم وجمال المنظر لونًا و طيب الرائحة.
وخص جنی الفل والعمبا بحيط الكرود لما لهم من مكانة عند الأمير أحمد فضل القمندان، وما كان يُمثله الكرود من ثقل ووزن وواجهة ثقافية وأدبية ولا زالوا علی تلك الصفات حتی يومنا هذا، فأكرم بال الكرود شجرةً مثمرةً يانعة. وأتی بالمصدر (جنی) للدلالة علی المجني وأنّه من حيط الكرود.
وللكرود تاريخ حافل بالإبداع ولهم إرث ثقافي وأدبي، و لا زال الكرود حتی اليوم يرفدون الساحة الأدبية والثقافية والعلمية بكوادر فع الله بها كثيرًا. منها علی سبيل المثال لا الحصر أخونا الفاضل أحمد صلاح كرد الذي تسعد بالجلوس معه وهو ينثر لك عن أدب لحج وثقافتها، و منهم عثمان صلاح كرد الذي جمعتني عصر أمس ( الأربعاء) به جلسة في مقهی العواضي في حوطة لحج وأفدنا منه ومن شخص آخر اسمه خليد علي عبيد عن مناسبات بعض القصائد منها قصيدة ( ساكت ولا كلمة) وقصيدة ( غلط يا ناس يصحوني ونا نايم) وقصيدة (والله ما تحلحل حتی يلتفت).
و نأمل من الأخ الفاضل هاني عبدالحميد كرد أن يُتحفنا بالكتابة عن تاريخ ال كرد ومشاركتهم في الحركة الأدبية والثقافية لا سيما أيام السلطنة العبدلية، فنعم من يؤرخ للكرود من انتسب إليهم ولادة وعلمًا.
ثم رفع القمندان ممدوحه فجعل نجمه في علو وصعود فقال:
ونجمك صعود وانته ملك تحكم على البيض والسود
وأكمل صفاته الخَلقية ( حسن النظر واللون وطيب الرائحة ولذة الطعم) التي تضمنتها الاستعارات التصريحية (الفل والعمبا) بالصفات الخُلُقة من السؤدد المتمثل في المملكة بقوله: (وأنت ملك)، ولم يقتصر علی وصفه بالملك الذي يتضمن المُلك، بل خصه بأنّه يحكم علی السود والبيض، وفي قوله: (البيض) دلالة علی أنّ حكمه يشمل البيض، كل حر كان من الأمراء أو من غير الأمراء، فلو اقتصر حكمه علی السود فقط لما كان له ميزة تُميزه عن غيره من الأمراء، فمعلوم أنّ كل الأمراء حتی من هم دون سن الرشد يحكمون علی السود، بخلاف ممدوح القمندان.
هذا ما شاء الله كتابته
وللحديث بقية
كتبه أ. د. عبدالله بن عبدالله عمر أستاذ النحو والصرف واللغة