حزم كثيرون من شباب غزة حقائب السفر وانطلقوا عبر البحر نحو أوروبا بحثا عن حياة أفضل وسط موجة من الغضب ضد حماس التي يعيش عدد من كبار قادتها في الخارج في ظروف مريحة فيما يغرق شبان غزة في البحر.
وتقول تقارير فلسطينية إن قادة رفيعي المستوى من حركة حماس اتجهوا في الأشهر الأخيرة إلى فنادق راقية في بيروت والدوحة وإسطنبول، مما أثار استياء السكان الذين باتوا يتساءلون: كيف لقادة “المقاومة” أن يعيشوا حياة فاخرة في الخارج بينما ينهار الاقتصاد في الداخل ويعيش 2.3 مليون من سكان القطاع وسط حصار خانق؟
وبالرغم من أن حكم حماس لقطاع غزة قد مضت عليه قرابة خمس عشرة سنة إلا أن الحركة تستمر في ترديد الشعارات السياسية دون أن تفكر في تحسين أوضاع الناس وإخراجهم من الظروف الصعبة التي يعيشون فيها.
وتقول إسرائيل ومصر إن القيود المشددة على الحركة ضرورية لمنعها من تخزين المزيد من الأسلحة، بينما يقول منتقدون إن الحصار يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي، حيث يعاني السكان من انقطاع التيار الكهربائي يوميّا ومن نقص المواد الغذائية الأساسية.
وقالت أم خالد من منزلها في بلدة خان يونس الجنوبية “ألوم الحكام هنا، ألوم حكومة غزة. إنهم يعيشون في رفاهية بينما يجوع أطفالنا ويهاجرون ويموتون في الخارج”. ولم تنجح محاولات العثور على جثة ابنها الذي غرق في بحر إيجه.
وتقول حماس إن القادة الذين غادروا يخططون للعودة. لكن عدد المغادرين يرتفع، ويقول الناس إن الحديث عن العودة لا يعدو كونه تضليلا.
وانتقل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية مع زوجته وأطفاله إلى قطر عام 2019. وانتقل القيادي فتحي حماد إلى إسطنبول قبل سنة، وغالبا ما يسافر إلى بيروت، حيث رصدته تقارير إعلامية في اجتماعات داخل فندق خمس نجوم. كما انتقل نائب رئيس حماس في قطاع غزة، خليل الحية، إلى تركيا في العام الماضي.
وانتقل المتحدث باسم الحكومة السابق طاهر النونو والقائد إبراهيم صلاح إلى الدوحة. وذكرت تقارير إعلامية وتصريحات رسمية أدلت بها حماس أن العضو البارز صلاح البردويل والمتحدث باسم الحركة سامي أبوزهري والعشرات من مساعديه استقروا في الدوحة أو إسطنبول أو بيروت. ولطالما كانت تركيا الوجهة المفضلة لقادة حماس وأنصارها بفضل سياسات التأشيرات المتساهلة من أنقرة.
ويدير الكثير من أبناء قادة حماس شركات عقارية مربحة لآبائهم في إسطنبول، وفقا لرجل أعمال فلسطيني مطلع على مشاريعهم، وقد تحدث لوكالة أسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام.
وقال محلل غزة في مجموعة الأزمات الدولية عزمي كيشاوي إن تنقل المسؤولين في الخارج ساعد حماس في بعض الحالات على تنسيق عملياتها مع رعاة رئيسيين خارج القطاع.
وأضاف “يرى الفلسطينيون أن حماس انتقلت من القيادة المتواضعة التي عاشت وكافحت بين الناس إلى العيش في المناطق المريحة، حيث لم يعد قادتها المغادرون يعانون، ويبدو أنهم بعيدون عن القضية”، ويؤكد أن الناس يتحدثون عن هذا الأمر ويقارنون بين ماضي الحركة وحاضرها وهم غاضبون.
وبالتزامن مع انتشار أخبار حماس على وسائل التواصل الاجتماعي تصوّر الحركة إقامات القادة في الخارج على أنها جولات خارجية مؤقتة تهدف إلى حشد الدعم. لكن بعض هذه الجولات تدوم سنوات.
واستعر الغضب العام في الشهر الماضي أثناء تشييع جنازة جماعية لشبان من غزة غرقوا في البحر حين كانوا في طريقهم إلى أوروبا. واتهمت العائلات حماس بالمساهمة في تدهور الأوضاع في غزة وبالمحاباة والفساد.
وهتف المشيعون ضد قادة، من بينهم إسماعيل هنية ويحيى السنوار، قائلين إن “أبناء الشعب هم الضحايا!”. ويبدو أن المزيد من سكان غزة يخاطرون بكل شيء لخلق فرص الرحيل.
وقد أفاد تقرير صادر في نوفمبر عن “مجلس العلاقات الدولية – فلسطين”، وهو مركز أبحاث تابع لحركة حماس، بأن 60 ألف شاب غادروا غزة في السنوات الأخيرة.
ولامت الحركةُ إسرائيلَ قائلة إن “سياسات الاحتلال والحصار حولت حياة سكان غزة إلى جحيم لا يطاق”. ومثّل التقرير أول بيان شبه رسمي عن الهجرة.
ويبحث بعض الذين يغادرون عن فرص عمل في دول الخليج. ويسافر كثيرون إلى تركيا ويحاولون خوض رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا على أمل الحصول على حق اللجوء.
ولم تقدم حماس أي اعتذار لأهالي من غرقوا في البحر أو أولئك الذين لا تعرف عنهم أسرهم شيئا. بل ندد النائب في المجلس التشريعي عن الحركة عاطف عدوان مؤخرا بالذين يحاولون الفرار إلى أوروبا معتبرا أنهم يتوجهون إلى أرض “التدهور والتراجع”.