تشهد محافظة صفاقس التي تلقب بـ”عاصمة الجنوب” في تونس احتقانا متزايدا جراء أزمة نفايات خانقة، فيما تتهم السلطات التونسية أطرافا سياسية بالوقوف خلف هذه الأزمة المتفاقمة منذ نحو عام.
وتأجج الوضع في المدينة بعد نشوب حريق واسع داخل أحد مكبات النفايات، نتجت عنه سحب كثيفة من الدخان، ما أدى إلى غلق العديد من المدارس والإدارات.
وتحولت الأزمة إلى مصدر تجاذبات بين السلطة المحلية والمنظمات الأهلية. واعتبر محافظ صفاقس فاخر الفخفاخ أن نشوب حريق بالمصب العشوائي بطريق الميناء بصفاقس بفعل فاعل، مهاجما الأصوات المنتقدة لتراخي السلطات في معالجة الأزمة.
في المقابل نُظّمت الخميس وقفة احتجاجية دعا إليها المكتـب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس. ورفع المحتجون شعارات مندّدة بخطورة الوضع البيئي الذي تعيشه المحافظة مطالبين برحيل المحافظ.
وحمّل المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل في بيان له في وقت سابق المسؤولية كاملة للسلطات المركزية والجهوية، معبّرا عن استنكاره الشديد لتعاطي محافظ الجهة مع هذه الأزمة وتراخيه في حلحلة المسألة واعتماده على الخطاب الشعبوي، زيادة عن تصريحاته الاستفزازية في حق المواطنين من خلال نعتهم بأوصاف لا تليق ودعوته إلى قطع شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وقال محمد عباس كاتب عام مساعد بالاتحاد الجهوي للشغل في صفاقس إن “ما وصلنا إليه اليوم هو انسحاب لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة البيئة من حلّ أزمة النفايات بالجهة، فضلا عن قرارات والي (محافظ) صفاقس الارتجالية وكيفية تعامله مع الشباب هناك”.
وأضاف عباس في تصريحات لـ”العرب” أن “هناك في صفاقس أكثر من 12 مصبا عشوائيا للنفايات، وتواجه المدينة كارثة صحية وبيئية حقيقية”.
وأشار عباس إلى ما أسماه بـ”بالتعاطي الشعبوي واللامسؤول في التعامل مع الملف، في الوقت الذي كان يمكن فيه إقناع المواطنين بإنشاء مصب وقتي إلى حين إيجاد حلّ جذري للأزمة عبر موقع للنفايات وتتم فيه عمليات الرسكلة (التدوير) والاستثمار”.
وتابع “اللجوء إلى مصب في كل مرة، جعل السكان لا يثقون في الحكومة والأطراف المسؤولة عن الملف”.
ويرى نشطاء في المجتمع المدني أن هناك العديد من الآليات لمعالجة قضية النفايات المتراكمة في صفاقس من بينها إعادة تدويرها، مع التوافق حول مكان معين وتخصيصه كمصب لكامل مناطق الجهة، عوض التعويل على المصبات العشوائية التي غذّت الأزمة.
وأفاد شفيق العيادي الناشط في المجتمع المدني وعضو اللجنة الاستشارية لمتابعة أزمة النفايات بصفاقس أن “الحلّ الجذري للأزمة يتم عبر تركيز معامل لتثمين النفايات”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “بإمكان الخبراء اختيار أماكن صالحة لذلك، ولا بدّ أن نتقبل فكرة وجود مراكز لتجميع النفايات وحسن التصرّف فيها، شريطة أن تكون (هذه المراكز) بعيدة عن السكان وغير ضارّة بالبيئة، وإذا توفّر هذا الحل فلا يمكن رفضه”.
وأردف العيادي قائلا “على السلطة المركزية أن تنزل بكامل ثقلها وأن يجري اختيار مكان يمسح 20 أو 30 هكتارا بتقسيم إداري جديد يتم فيه وضع النفايات، عوض المصبات العشوائية وبعيدا عن النعرات الجهوية والتجاذبات”، مؤكّدا أن “استخفاف السلطة المركزية بهذه المسألة سيعمق المشكلة”.
وأشار العيادي إلى أن “الأزمة أخذت بعدا سياسيا وأصبحت محلّ تجاذبات بين المعارضة والسلطة في تونس، فضلا عن كون بعض الأطراف يريدون تصفية حساباتهم السياسية على حساب الأزمة في صفاقس”.
بدوره قال منير اللومي رئيس بلدية صفاقس إن “الوضع البيئي في صفاقس اليوم كارثي خاصة بعد اندلاع حريق بالمصب القديم”.
ولفت اللومي إلى أن “الحلول غير متوفرة، وأن البلدية رفعت منذ ثلاثة أيام قرابة 3 آلاف طن من النفايات إلى أحد المصبات العشوائية دون الإفصاح عن مكانها خوفا من احتجاج أهالي تلك المنطقة”، قائلا “عندما نصرح بالمكان نجد صدى كبيرا من كل المتساكنين لذلك لن نعلن عن المكان”.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد أكد في لقائه بقصر قرطاج بوزيرة البيئة ليلى الشيخاوي على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لوضع حد لهذه الكارثة البيئية بالتنسيق مع كل الهياكل المعنية.
وأوضح سعيّد أن هذا الوضع غير طبيعي، بل الهدف منه تأجيج الأوضاع بكل الوسائل، وأكد على أن صفاقس التي تعاني أصلا من التلوث يتم اليوم التنكيل بسكانها بعدم رفع الفضلات وحرقها مما زاد الأوضاع تفاقما، مشيرا إلى أن “الحل لن يكون بتفضيل جهة على أخرى، ولكن بناء على معطيات علمية تأخذ في الاعتبار مصلحة الجميع على قدم المساواة”.
واعتبر الفرع الجهوي للمحامين بصفاقس الأربعاء أن عدم رفع النفايات بالجهة وتعمد حرقها بطريقة عشوائية يعدّ “جريمة إرهابية”، وفق توصيفه، مؤكدًا أنه “قرر رفع شكاية جزائية بكل من عسى أن يكشف عنه البحث بخصوص ملابسات تراكم النفايات وحرقها بطريقة متعمدة وعشوائية”.
وعبرت منظمة “أنا يقظ” في بيان لها عن استنكارها للمقاربة الأمنيّة التي تتناول بها السلطات الجهويّة مسألة النفايات في صفاقس وخطاب التّهديد المعتمد من قبل محافظ الجهة لأكثر من مرّة ومطالبته الرئيس بغلق فيسبوك ونعته للمعارضين لسياسة الدولة البيئية بـ”كلاب سوق”، معتبرة أنها “سابقة خطيرة تكشف مرة أخرى التوجهات المعادية لحرية التعبير لمساندي قيس سعيّد المسيّرين لأجهزة الدولة”.