عرب وعالم

الثلاثاء - 15 نوفمبر 2022 - الساعة 05:02 ص بتوقيت اليمن ،،،

علي الصراف


وضعن أم لم يضعن غطاءً على رؤوسهن، نساءُ إيرانَ جميلات.

إنهن ذواتُ كرامةٍ ورفعةٍ وأخلاق.

ينبتُ الصبر بين أصابعهن ليُزهر وجها آخر للحياة. تقلبتْ بين أجيالهن الكثيرُ من المظالم، ولكنهن أبقين الشجاعةَ تتصلبُ حتى غدتْ صخرةً لا يكسرها حجرٌ هشٌ ولا حتى رصاص.


عرفنَ الخوفَ، فلم يخفنه. عرفن التمييزَ، فلم يُميز على شممهن شيئا. وعرفنَ القهر، فلم يقهر فيهن عزيمة الحياة.

ورودُهن هشّة وقابلةٌ للسحقِ كما قد تعتقدُ الهراوةُ، إلا أن لكل وردةٍ منهنّ عطراً، إذا فاح، صارَ نسيمها يغمرُ النفوسَ أينما كان، ويمتدُ إلى أين ما يُمكن للريحِ أن تمضي، فتستنبتُ صرخةً حياةٍ، كصرخةِ طفلٍ يولدُ الآن.

هن كما هن، في البيت أو في الجامعة، أو في مضامير العمل. يضعنَ على رؤوسهن الشمم، ليس تعاليا، ولا تصنعا، ولكن افتخاراً بأن للإنسانيةِ الكريمةِ وجهين: أحدهما امرأة، والآخر يولد من رحمها.

ولئن تشرّد بعضهم في طرقات التجبر والقسوة على من أرضعته نسغ الحياة، الأول، فإنها لم تُخلق لتنسى أنها هي أمّ كل الرجال.

والمتجبرون أنواع. ولكنهم لم يتجبّروا عليها، إلا عندما تسقيهم مزاريب الظلم شراب القوةِ الصدئ، فتصدأ في نفوسهم الافتراضات.

نساءُ إيران، يتعلمن الغزْلَ على مغزلِ الوجود ليقدّمن برهاناً قاطعاً على أنهن جميلات، وعلى أن أصابعهن يمكنها أن تُعيد ترتيب كواكبَ التكوين والنشأة، لتستأنفَ ما فاتَ من خياراتِ العيشِ الكريِم بأمنٍ وسلام.

لا تجرّبْ أن تقف أمامَ امرأة حاولت مقاهرُ الفقر أو العوز أن تقهرها فلم تقهر في نفسها عزاً أو كرامةً.

لا تجرّبْ أن تضع على رأسها غطاء مزيفا للمظاهر المخادعة. غطاؤها هو ما تختار من شرف الاختيار. غطاءٌ يذهبُ إلى معناه، وليس إلى ما تفترضُ الهراوةُ أن تفرضه من معاني القهرِ والقسوة. حتى لو تشابه الغطاءُ بالغطاء، فبدا من ناحية الشكل، هو ذاته الغطاء. ولكن السؤالَ الفارقَ فيه: هل ثمة، من تحته، جبرٌ أم اختيار؟

أما الجبر، فإنه سرعان ما يُسقطُ بنفسه معناه. فلا يعود ذا مبررٍ إلا زيف المظاهر ومزاعم الادعاء.

وأما الاختيار، فإنه إيمان يشعُّ بما تحته من قناعةِ التحفظِ وقنوتِ الإيمان.

وأما المسافةُ بينهما فإنها أبعد مما هي بين الأرض والسماء. وهي مسافةٌ مفروشةٌ، على امتدادها كله، بالكثير مما قد يثير عواصف الجدل ورمال الافتراضات المتضاربة، ولو ظلّ خيطُ الحقِ الفضيّ ساطعا باستمرار، لمن يشاءُ أن يأخذ به أو أن يؤخذ إليه.

نساءُ إيران لم يكسبن جمالهن تَزينا. وإنما كسبنه من صنع ما صنعتْ الجرأةُ فيهن من قدرةٍ على الوقوف في وجه القسوةِ والعنف. إنها من صنعِ ما صنعتْ البسالةُ، ليس من أمام المرآة، بل من أمام الرصاصات والهراوات.

وهنَّ لا يُقهرن بعد قهر. ولا يُظلمن بعد ظلم. وليس بينهن مَنْ تخشى أن تكشفَ عن جمالها الحق: وجهاً يُشرقُ بالحريةِ والكرامةِ والأخلاق.

من ها هنا يتدفقُ نبعُ الجمال. وهات مَنْ يقدر على أن يُغلقه بحجارةٍ أو قهرٍ أو رصاص.

ولقد آثرن أن ينزعن عن وجوههن ماكياج الزيف، وعن رؤوسهن غطاءَ الخداع، ليضعن من زينة الاختيار ما يُلزم الظلمَ أن يرد لهنّ ما اختطفه من بهجة الحياة.

هن كما هن. رأين الظلام يفترشُ إيران كلها ليُغلق على النفوس منافذ الضياء، ويردن أن يفترشن بساط النور، على إيمانٍ صادقٍ بأن الحياةَ خُلقت لتكون سباقا للخير والأمن والمحبة والتعاون والسلام، لا سباقا للعنف والقسوة، أو سباقا للقهر والمظالم فلا يفوز، في نهاية المطاف، إلا بما يرتدُّ منه على نفسه.

المعادلةُ هي ما تختار. فتختار منها ما تريد أن يرتدّ إليك، خيراً شئت أم شرا.

هن كما هن، يجرؤن على أن يكسرن قوالب الافتراضات والتصورات النمطية المسبقة. بعضهن ينزعن غطاء الرأس تحدياً، وبعضهن يضعنه اختيارا، ولكنهن، على الوجهين، هشّمنَ المرآة. ليقلن إنه: لا زينة إلا ما تتزينُ به الحياةُ من الحرية والكرامة.

تلك هي الزينة الأبقى. وهي الأكثرُ جمالاً وإشراقاً على الوجوه، بغطاءٍ على الرأس أو من دون غطاء.

نساء في العراق خضن غمار التحدي مثلهن، احتجاجا على سلطة وكلاء الولي الفقيه وغلمانه. فلم يقدر على جمالهن ظلم ولا ظلام. سحقن بأقدامهن الخوف من الرصاص، وبقين يتظاهرن مع الرجال، لأكثر من عام، وظلت جمرة الحرية تتقد بين الأصابع.

كم كان عقلُ الولي الفقيه صغيرا، وهو يطاردُ غطاء رأس يمكن أن يسقط “سهوا”، أو يُنزع ويُحرق على رؤوس الأشهاد. حاصر نفسه، بسوءِ التصورِ عن أن القصة كلها قصة حجاب لا قصة جريمة ظل يرتكبها على امتداد أربعين عاما، متواصلة، سفكَ خلالها من الدماء ما كان يكفي ليكون بحيرة لكل الشياطين الذين يأتمر بأوامرهم، ويمارس من خلالهم الخداع. فلم يخدع إلا نفسه. لم يخدع امرأةً تعرفُ من أين يُظلم أبوها أو أخوها أو زوجها، ومَنْ هو الشيطان، وبأي مؤامرةٍ يحكمُ على البلاد بالسجن المؤبد بين جدران الظلام.

هنا وهناك، خُلقن ليغزلن بأصابعهن بساط نور من خيوط الفضة، يسطعُ كما يستوجب أن تسطعَ النجومُ في عتمة الليل. وهن لهذا السبب، جميلاتٌ على أشدِّ ما يمكنِ للجمال أن يكون.

اذهب لتَراهنَّ في شوارع طهران وجامعاتها، بل وفي كل مكان. واجلس على ناصية شارع، لتكتب قصيدة غزلٍ في أيّ كوكبٍ تراه من كواكبِ الحياة.

إيران تكتشف الآن، أنهنّ الحياة.