اجتمع قادة العالم الاثنين في مؤتمر الأطراف حول المناخ “كوب27” في مصر، فيما يتعرضون لضغوط كبيرة لتعزيز تعهداتهم المناخية إزاء الاحترار الآخذ بالارتفاع، ولتوفير دعم مالي للدول الفقيرة أكثر المتضررين من التغير المناخي.
وروجت مصر لمؤتمر “كوب 27” باعتباره قمة عمل، وحذرت أصحاب المصلحة المعنيين بالمناخ من التراجع عن وعودهم السابقة.
وقدم نحو 110 من قادة الدول والحكومات مداخلات الاثنين والثلاثاء أمام المندوبين المجتمعين في شرم الشيخ في إطار كوب27.
تأتي هذه المداخلات على خلفية أزمات متعددة مترابطة تهز العالم، وهي الغزو الروسي لأوكرانيا والتضخم الجامح وخطر وقوع ركود اقتصادي كبير وأزمة الطاقة مع تجدد الدعم لمصادر الطاقة الأحفورية، وأزمة الغذاء، في حين سيتجاوز عدد سكان العالم ثمانية مليارات نسمة.
وهذه “الأزمات متعددة الجوانب” قد تدفع بأزمة التغير المناخي إلى المرتبة الثانية في سلم الأولويات، رغم أن تداعياتها المدمرة تجلت كثيرا العام الحالي، مع تكرر الفيضانات القاتلة وموجات قيظ وجفاف غير مسبوقة عاثت فسادا بالمحاصيل الزراعية.
وعلى هامش المفاوضات العالمية، تتناول أيام المناقشات قضايا مثل التمويل وإزالة الكربون وأزمة المياه والزراعة والطاقة ذات الصلة بتغير المناخ.
وقال سايمن ستيل، مسؤول المناخ في الأمم المتحدة لدى الافتتاح الرسمي لكوب27، الاثنين “كل الأزمات مهمة، لكن ما من أزمة لها تداعيات كبيرة” مثل الاحترار المناخي الذي ستواصل عواقبه المدمرة “التفاقم”، إلا أن الدول لا تزال متّهمة بالتقصير في ما ينبغي عليها فعله لمكافحة الاحترار.
وينبغي أن تنخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 45 في المئة بحلول العام 2030، لتكون هناك فرصة لتحقيق أكثر أهداف اتفاق باريس للمناخ المبرم العام 2015 طموحا، ويقضي بحصر الاحترار عند 1.5 درجة مئوية مقارنة بالحقبة ما قبل الصناعية.
ويحذّر العلماء من أن تجاوز حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة إلى نحو درجتين وأكثر يمثل مجازفة بإطلاق تداعيات أشد قسوة في التغير المناخي على البشر والحياة البرية والنظم البيئية. وتستلزم الحيلولة دون ذلك تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى النصف تقريبا بحلول 2030 عن مستواها في 2010، وخفضها إلى الصافي الصفري بحلول 2050، وهي مهمة طموحة يتناقش العلماء وأرباب قطاع التمويل والمفاوضون والناشطون في كيفية تحقيقها وتمويلها.
لكن التعهدات الحالية للدول حتى لو احترمت في نهاية المطاف، ستؤدي إلى ارتفاع الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة، ما يضع العالم على مسار تصاعدي قدره 2.4 درجة مئوية في أفضل الحالات بحلول نهاية القرن الحالي.
ومع السياسات المتّبعة راهنا، يُتوقّع أن يبلغ الاحترار 2.8 درجة مئوية وهو أمر كارثي، على ما تفيد الأمم المتحدة.
ويقول علماء إن ذلك سيؤدي إلى حر لا يطاق في بعض أوقات العام في مختلف أنحاء المناطق المدارية وشبه المدارية. وسيتعرض التنوع الحيوي لاستنزاف هائل وسيتراجع الأمن الغذائي، وستفوق ظواهر الطقس المتطرفة إمكانيات معظم البنية التحتية اللازمة لاستيعابها في المناطق الحضرية.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين على هامش المؤتمر في شرم الشيخ إنه يريد “ممارسة الضغوط” على “الدول الغنية غير الأوروبية”، ولاسيما الولايات المتحدة والصين، لتدفع “حصتها” في مساعدة الدول الفقيرة على مواجهة التغير المناخي.
وأوضح ماكرون خلال لقاء مع شباب من أفريقيا وفرنسا “يجب أن نحمل الولايات المتحدة والصين لتكونا على الموعد فعلا” في مجال خفض انبعاثات غازات الدفيئة والتضامن المالي.
وفيما يحتدم الجدل والنقاشات في كوب27 حول المساعدة المالية التي ينبغي أن تقدم إلى الدول الضعيفة إزاء التغير المناخي، أكد ماكرون أن “الأوروبيين يدفعون، لكنهم الطرف الوحيد الذي يدفع”.
ورأى أن فرنسا وأوروبا على الطريق الصحيح على صعيد خفض الانبعاثات، لكن على الدول النامية الكبرى أن “تتخلى سريعا عن الفحم”.
وفي مؤشر على “التراجع” الذي يخشاه كثيرون، وحدها 29 دولة رفعت إلى كوب 2021 خططا بزيادة تعهداتها بخفض الانبعاثات، رغم أنها أقرت “ميثاقا” يدعوها إلى القيام بذلك.
وستكون الإعلانات المحتملة حول خفض إضافي للانبعاثات موضع ترقب كبير في شرم الشيخ.
كذلك، يترقّب العالم باهتمام الإعلانات المتعلّقة بالمساعدات إلى الدول الفقيرة، وهي عادة أكثر البلدان عرضة لتداعيات الاحترار المناخي، حتى لو أنّ مسؤوليّتها فيها محدودة، إذ إنّ انبعاثاتها من غازات الدفيئة قليلة جدا.
وفي بادرة يأمل الكثير من الناشطين ألا تكون رمزية فقط، قرر المندوبون إلى كوب27 الأحد للمرة الأولى إدراج مسألة تمويل الأضرار الناجمة عن الاحترار في جدول الأعمال الرسمي للمؤتمر.
وتُقدّر هذه الأضرار بالعشرات من المليارات منذ الآن، ويُتوقّع أن تستمر بالارتفاع الكبير. فالفيضانات الأخيرة التي غمرت ثلث باكستان تسبّبت وحدها في أضرار قُدّرت بأكثر من 30 مليارا.
وتطالب الدول الضعيفة إزاء هذه التداعيات، بآليّة تمويل خاصّة، إلّا أنّ الدول الغنية تتحفّظ على ذلك، إذ تخشى أن تحمل المسؤولية رسميا، وتفيد بأنّ نظام تمويل المناخ معقّد كفاية بحالته الراهنة.
ويجرى المؤتمر في غياب طرفين رئيسيين. إذ يغيب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن كوب27، في حين سيمرّ نظيره الأميركي جو بادين المنشغل بانتخابات منتصف الولاية الثلاثاء، على شرم الشيخ سريعا في الحادي عشر من نوفمبر الجاري.
بيد أنّ التعاون حيوي بين البلدين اللذين يصدران أعلى مستوى من انبعاثات غازات الدفيئة، وتشهد علاقاتهما توتّرا شديدا. لكن قد يلتقي شي وبايدن في بالي عاصمة إندونيسيا في الأسبوع التالي، على هامش قمّة مجموعة العشرين.
في المقابل، يحضر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الداعم الكبير للإنتاج النفطي. وأعلنت الرياض أن الأمير بن سلمان سيشارك أيضا في النسخة الثانية من قمة “الشرق الأوسط الأخضر” برئاسة مصرية – سعودية مشتركة، على هامش قمة المناخ.
وتقدم مبادرة الشرق الأوسط الأخضر “خارطة طريق طَموحة وواضحة للعمل المناخي الإقليمي، وتمكن من إيجاد فرص اقتصادية في المنطقة”.
وتسعى إلى “تقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من 10 في المئة من الإسهامات العالمية، وزراعة 50 مليار شجرة في المنطقة وفق برنامج يعد أكبر البرامج لزراعة الأشجار في العالم”.
ويشارك أيضا رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك. وكانت الحكومة البريطانية أعلنت عن إستراتيجية أمن الطاقة، والتي تتضمن مضاعفة طاقة الرياح والطاقة الشمسية خمسة أضعاف، كما ستعزز الطاقة النووية بهدف الحصول على 95 في المئة من الكهرباء من مصادر منخفضة الكربون بحلول عام 2030، على أن تصل إلى 100 في المئة بحلول 2035.
لكن للنشطاء في مجال الدفاع عن المناخ رأيا آخر، حيث يعتبرون أن مثل هذه المؤتمرات مجرد اجتماعات شكلية لا تقدم حلولا واقعية، كما أنها لا توفر العدالة المناخية، ويشددون على ضرورة التزام الدول بتعهداتها من أجل الحفاظ على الأرض.