عندما زار الرحالة المغربي محمد الطنجي المعروف الملقب بـ"ابن بطوطة"، بلدة العلا التاريخية الواقعة في شمال غرب السعودية، وكانت يومها قرية كبيرة، لم يكن يعلم أن أهلها سيحفظون له مديحه لهم، ويردون له الجميل بعد نحو 700 عام.
قال الرحالة ابن بطوطة الذي زار "العلا" في أوائل القرن الرابع عشر في رحلة طويلة جاب فيها الكثير من البلدان، إن "العلا قرية كبيرة حسنة ولها بساتين ونخل ومياه يقيم بها الحجاج أربعاً يتزودون ويغتسلون ويودعون فيها ما يكون عندهم من فضل زاد ويصطحبون معهم قدر الكفاية وأهل هذه القرية أصحاب أمانة".
لكن بعد كل تلك السنين، لا تغيب سيرة ابن بطوطة عن المكان الذي حولته السعودية لوجهة سياحية عالمية نشطة في الفترة القليلة الماضية، يقصدها سياح من مختلف دول العالم، وبينهم سياح غربيون هواة للأماكن التاريخية.
فقد تم قبل أيام، افتتاح منزل فاره في الموقع التاريخي، يحمل اسم ابن بطوطة، وقد جمع مصمموه بين مزايا المنازل المعاصرة والطابع التاريخي، حيث تتداخل الخيمة مع البناء الحديث، بينما يتاح لمن يقيمون في المنزل مشاهدة آثار صامدة لحضارات بائدة عاشت قبل آلاف السنين.
والمنزل، هو فيلا من عشرات أخرى أنشأتها إحدى الشركات الاستثمارية في المكان، لتلبية الطلب المتنامي من السياح على أماكن الإقامة التي انتشرت في الموقع التاريخي بين الجبال التي حفر فيها الأنباط بشكل هندسي فريد مدافن ومباني لا تزال قائمة.

وتم افتتاح منزل ابن بطوطة بعد أشهر فقط من عرض مسرحية تحمل اسم الرحال المغربي أيضا ضمن فعاليات فنية وثقافية أخرى تندرج في مهرجان "شتاء طنطورة" الذي بات يقام كل عام في البلدة التاريخية بمشاركة نجوم غناء وموسيقى عالميين.
وتحكي المسرحية عن زيارة ابن بطوطة للعلا قبل سبعة قرون ولقائه بأهالي القرية وما دار بين الطرفين من حوارات دونها الرحالة المغربي في كتب شكلت نتاج رحلاته الطويلة في أصقاع العالم، وتُرجمت لعدة لغات.
وقال صالح العنزي الذي يعمل في شركة تنظم رحلات سياحية في العلا، لـ "إرم نيوز" إن "اسم الرحالة ابن بطوطة يتردد في العلا بكثرة هذه الأيام، حيث بات أحد علامات جذب السياح للمكان الذي مر به وأقام لأيام، قبل أن تدرجه منظمة اليونسكو الأممية على لائحة التراث العالمي".

وأضاف العنزي الذي التحق مثل شبان وشابات سعوديين كثر بوظائف وفرتها الشركات السياحية التي قدمت للعلا في الأعوام القليلة الماضية، أنه أشبه برد جميل لابن بطوطة، نشر سمعة طيبة عن أهالي العلا تناقلتها الأجيال، فخلدوا اسمه في المكان التاريخي.
وازدهرت قبل نحو ألفي عام حضارة الأنباط في منطقة تمتد اليوم بين الأردن والسعودية المتجاورتين، وفي حين تعد مدينة البتراء الشهيرة، التي بناها الأنباط في الأردن، وجهة سياحية عالمية معروفة، فإن مدائن صالح في العلا السعودية، والتي بناها الأنباط أيضاً، لم تكن معروفة للسياح من قبل.

لكن مع تبني السعودية في السنوات القليلة الماضية خطة تستهدف تحويل البلاد لوجهة سياحية عالمية، احتلت مدينة الأنباط القديمة في العلا حيزًا رئيسيًا من اهتمام القائمين على تلك الخطة، لتصبح في وقت قصير وجهة سياحية تزدحم بالفعاليات التي يرغبها عشاق الأماكن التاريخية.
ويعد مسرح المرايا أشهر المعالم الحديثة في المنطقة، حيث أنشأت السعودية مسرحًا كبيرًا في المنطقة الأثرية في العلا، تتألف جدرانه العالية من المرايا التي تعكس صخور المنطقة التاريخية، بينما تُنظم داخله حفلات فنية لكبار فناني العالم.

كما ينظم في المكان مهرجان للمناطيد، حيث يتاح لركابها من عشاق التصوير رؤية العلا من السماء، وتوثيق زاوية أخرى من حضارة الأنباط العريقة.
ويقام أيضاً كل عام مهرجان طنطورة، الذي يستمد اسمه من ساعة شمسية بدائية تعتمد على ظل الشمس في تحديد المواقيت، وقد تحول لحدث يسافر لحضوره السياح.