منوعات

الإثنين - 24 أكتوبر 2022 - الساعة 04:39 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


رفعت دار الإفتاء في مصر عن النساء عبء المعاشرة بالإكراه بعدما شرّعت الهجر الزوجي بين الشريكين دون طلاق رسمي لتجنب الإجبار على إقامة علاقة في الفراش دون رضا الطرفين، واستبعدت وجود شبهة تحريم إذا حدث الانفصال الجسدي، طالما كان باتفاق حفاظا على استمرار العلاقة الزوجية.


جاءت الفتوى ردا على تساؤلات طرحها أزواج على شاكلة “ما هو الحكم في زوجين اتفقا على الانفصال الجسدي على أن يترك الرجل منزل الزوجية دون توقيع الطلاق من أجل مصلحة الأولاد”.

وأجابت المؤسسة الدينية بأنه “جائز ومشروع شريطة أن يحدث بتوافق الطرفين ورضاهما، أما إذا كان أحدهما يرغب في حقوقه الزوجية والآخر يرفض، فالانفصال دون طلاق يكون حراما”.

وقال عمرو الورادني أمين عام دار الإفتاء بمصر إنه رغم مشروعية الهجر الزوجي فإن العلاقة تظل مشوّهة وغير رشيدة، وهذه العلاقات قد تكون لها آثار سلبية كبيرة على الأبناء أكثر مما لو وقع الطلاق، محذرا أرباب الأسر من أن الأبناء يشاهدون العلاقات المشوهة للأبوين، وكثيرا ما تقع عليهم أضرار أسوأ مما لو حصل الانفصال الرسمي، حيث يكبرون على هذا الفهم.

وبدأت تنتشر داخل بعض الأسر المصرية فكرة أن يتجنب الزوجان وصول العلاقة بينهما إلى الطلاق حفاظا على مستقبل أولادهما ليس أكثر، وقد يعيش الشريكان تحت سقف واحد دون احتكاك ببعضهما أو النوم في فراش واحد أو يهجر الرجل منزل الزوجية ويعيش وحيدا، ويأتي لزيارة الزوجة والأبناء على فترات متلاحقة، مع الإنفاق على المنزل، أو إقامة دائمة مع أسرته.

ولجأ حسين معروف، وهو رجل خمسيني يقيم بحي عين شمس الشعبي في القاهرة، إلى خيار الهجر الزوجي، بعدما علمت زوجته أنه متزوج عليها، فلم تطلب الطلاق الرسمي خشية أن تحمل لقب مطلقة في هذه السن المتقدمة (54 عاما)، في حين أن لديها أبناء متزوجين، وآخرين لم يتزوجوا بعد، ولا ترغب في أن يعرف الجيران أن أسرتها انهارت ما يؤثر على أولادها.

واتفق الرجل مع زوجته على ألا يعيش داخل المنزل، وإذا سأل الجيران أو الأقارب عن السبب سيكون المبرر بأنه يعمل في وظيفة تستدعي ألا يحضر إلى بيته باستمرار، بحيث لا يعرف الناس أن الأسرة تعيش في حالة من التفكك أو يشعر أحد بالانفصال الجسدي، ونفذ الزوجان الاتفاق لأجل عدم تأثر الأبناء بوصول علاقة الأبوية إلى الطلاق.

وأوضح لـ”العرب” أن زوجته أبلغته بأنها لن تطيق النوم معه في فراش واحد بعد الزواج الثاني، وهي ترفض أيضا الحديث عن الطلاق نهائيا، واتفقا على الانفصال الجسدي فقط، كل واحد يعيش في مكان، وهو لا ينكر الأثر النفسي السيء على أولاده جراء هذا القرار، لكنه يظل أفضل من الانفصال الرسمي والدخول في دوامة المحاكم.

وغالبا ما يكون قرار أحد الزوجين بالهجر الزوجي أو الانفصال الجسدي نابعا من الحفاظ على قوام العلاقة الأسرية دون انهيار، وهذه الوقائع لم تعد مجرد حالات فردية، بل أشبه بظاهرة أسرية، لأن عددا كبيرا من العائلات التي تحافظ على التقاليد لا تقبل بحدوث الطلاق، ولا تعترف بشيء اسمه الهجر الزوجي أو الانفصال الجسدي.

ولا يدرك الأزواج الذين يقررون الهجر بدلا من الطلاق تداعيات ذلك على الأبناء، فهم لا يعيشون حياة مستقرة، نفسيا واجتماعيا وأسريا، فلهم أب وأم لا يعيشان معا أو يقيمان في منزل واحد دون أن تكون بينهما أيّ علاقة، ولا يتحدثان عن مستقبل أولادهما، وكل ما في الأمر أن كليهما يخشى نظرة الأهل والجيران والأصدقاء.

ولا تعيش الزوجة حياة سعيدة في هذه الحالة، فهي متزوجة في نظر المحيطين، ومطلقة في نظر نفسها وأولادها، أي أنها معلقة تواجه وحدها صراعات نفسية وأسرية بالغة التعقيد، وتريد فقط الحفاظ على صورة نفسها وأولادها، في حين ترى زوجها يعيش حياته بشكل طبيعي، ويأتي إلى المنزل كزائر أو ضيف شرف.

ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن صمت المرأة على بؤس الحياة الزوجية مدمّر نفسيا، ما ينعكس سلبا على الأولاد، ولا يمكن أن تعيش مثل هذه الأسر حياة سعيدة ومستقرة، وهي مشوهة وتواجه شرخا يصعب علاجه، لأنه في الغالب يصعب ترميم العلاقات التي استقر فيها الأمر بين الزوجين على الطلاق الصامت.

وأكد علاء الغندور استشاري العلاقات الأسرية بالقاهرة أن تضحية الشريكين والعيش بشكل صوري بسبب الأبناء يكرس الجفاء بين كل الأطراف ولا يبني أسرة مستقرة، وهناك حالات إذا حدث فيها الطلاق الرسمي يكون أفضل بكثير من الهجر.

وأوضح لـ”العرب” أن راحة الزوجين من الانفصال الجسدي لا توفر الحد الأدنى من الراحة النفسية للأبناء وتؤسس لتربية مشوهة يكون فيها الصغار محرومين من الحب والعاطفة والمودة التي يفترض أن يتعلموها من الأبوين، والمشكلة هنا تكمن في تشوه صورة القدوة عند الأبناء، وقد يكبرون على نفس الفكر والتصرف.

ويرى البعض من الخبراء أن الطلاق الصامت حفاظا على الأبناء يعكس تضحية الزوجين بحياتهما الشخصية لأجل أولادهما، فهناك الكثير من العلاقات التي يحدث فيها الانفصال الرسمي وتصل إلى المحاكم، وتشهد وقائع تشهير وفضائح وإذلال وقهر من الجانبين دون إدراك خطورته على الأبناء، أما الهجر فقد يكون خيارا مناسبا.

كما أن قبول الرجل بالانفصال الجسدي في مجتمع شرقي يبيح اغتصاب الزوجة إذا رفضت المعاشرة يشير إلى أنه شخص متحضر، لأنه وافق على الطلاق الصامت، وضحى بحقوقه الشرعية المرتبطة بالعلاقة الخاصة، في حين أن العديد من الفتاوى أباحت له المعاشرة بالإكراه، أو طلب الزوجة في بيت الطاعة إذا هجرت زوجها.

وتواجه الزوجة صراعات مع النفس في هذه الحالة، فهي ترغب في إسعاد أولادها وعدم إحساسهم بانعكاس علاقتها مع زوجها عليهم، وتفشل لأنها لا تعرف طريق السعادة، ما يعني أن العلاقة التي يتم فيها الاستقرار على الانفصال الجسدي لا تؤسس لحياة أسرية مستقرة لكل الأطراف.

وإذا كان تجنب الطلاق خطوة إيجابية لعدم هدم الأسرة، فالاستمرار في علاقة فاشلة ليس خيارا سليما طوال الوقت، للرجل والمرأة والأبناء، حيث تتحول حياة العائلة إلى سجن تخيم عليه الكراهية وانعدام العاطفة والجمود والنفور والتظاهر بالمشاعر الطيبة، وما لم يحدث التوافق يكون الطلاق خيارا أفضل من الاغتراب الزوجي.