كتابات وآراء


الإثنين - 21 فبراير 2022 - الساعة 12:32 ص

كُتب بواسطة : صالح البيضاني - ارشيف الكاتب


تدخل الحرب اليمنية عامها الثامن من دون أن يلمع أي ضوء في نهاية نفق طويل من المعاناة التي جثمت على صدور اليمنيين التواقين في عمومهم إلى مغادرة واحدة من أسوأ الحقب في تاريخ اليمن المعاصر وأكثرها سوداوية وتعقيدا.

ولا يبدو أنّ هذه نهاية الحرب، أو على الأصح أنّ تلاشي آثارها سيكون وشيكا، في ظل عجز الحوثي عن كسر إرادة المناوئين له وفشل أعدائه كذلك في استثمار حالة النقمة الشعبية المتصاعدة ضد ممارسات الميليشيا الحوثية التي باتت تستثمر في كوارث الحرب وتعمق آثارها التي ستستمر كما يبدو لجيل أو جيلين قادمين حتى يتمكن اليمنيون من التخلص من تركة هائلة وثقيلة من الألغام الحقيقية والمجازية التي زرعها الحوثيون على الأرض وفي عقول وقلوب الكثيرين من أتباعهم أو الممسوسين بشعاراتهم المخادعة والمخاتلة.

ولا يبدو أن سوء الحظ والطالع هو الأمر الذي حال دون تشكل الظروف المواتية لإحداث تغيير إيجابي ينهي حقبة الحرب اليمنية أو حتى يطوي بعضا من آثارها، حيث وجد الحوثيون أمامهم أعداء متناحرين في ما بينهم ونخبا سياسية تفتقد إلى الخيال والقدرة على خلق رافعة سياسية تجمع كل اليمنيين المتعطشين للحرية التي فقدوها منذ الانقلاب الحوثي، حتى في أبسط صورها الإنسانية وليس السياسية، بعد أن عمد مشروع الحوثي إلى تقسيم الشعب اليمني إلى فئات ودرجات اجتماعية قائمة على مبدأ التفوق السلالي والعرقي، وهو واحد من أشد أنواع العنصرية والاضطهاد التي يمكن أن يعيشها شعب، ولا يشبهها في تاريخ العالم الحديث باعتقادي إلا تجربة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والتمييز ضد السكان الأصليين في الولايات المتحدة.

ولم يكن ضعف وتفرق خصوم الحوثي الذين التهمهم واحدا تلو الآخر، هو العامل الوحيد في إطالة عمر هذا المشروع العنصري الحوثي الذي يحمل بذور فنائه في أحشائه، لكن الظروف الإقليمية والدولية التي مرت بها المنطقة خلال السنوات الأخيرة كانت عاملا حاسما في إطالة أمد الأزمة اليمنية بشكلها الرخو الذي نشهده اليوم وتراوح مكانها في المربع الأول على المسارين السياسي والعسكري.

وبعد أن استبشر اليمنيون في الآونة الأخيرة بما ظنوه صحوة أممية وغربية إزاء الملف اليمني وقراءة واقعية لخلفياته واستجلاء لحقيقة الميليشيات الحوثية المرتهنة لإيران وعدم رغبتها الجادة في تحقيق أي سلام عادل أو حتى قائم على سياسة الأمر الواقع، جاءت مواقف المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي وكأنها نسخة مكررة من إحاطات سلفه البريطاني مارتن غريفيث الذي تحولت سياسته في التعامل مع الأزمة اليمنية قبل مغادرة منصبه إلى أنموذج بارز وبارد لانتهازية السياسة الدولية وصورة فاقعة للعجز الأممي في حلحلة أي ملف منذ تأسيس المنظمة الدولية التي تحولت إلى أداة من أدوات الابتزاز الغربي في الملفات الساخنة وتوظيفها لصالح أجندات الدول العظمي.

وليس خافيا من حيث التوقيت أن مواقف المبعوث الأممي هانس غروندبرغ والتي أشار فيها ضمنا إلى نيته إحياء سياسة سلفه القائمة على تجزئة الملفات وتفتيت الحلول والعمل بنظام القطعة في رحلته الشاقة والمستحيلة نحو تحقيق السلام في اليمن، جاءت في ظل تسريبات متواترة عن تقارب بين واشنطن وطهران في مباحثات فيينا حول الاتفاق النووي وهو ما يفسر رغبة البيت الأبيض في منح ملف اليمن كهدية إضافية إلى طهران في حال وافقت على تمرير الاتفاق بشكل يحفظ وجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ويلبي أجندات إدارته الباحثة عن انتصار دبلوماسي يحمل في داخله في حال تم، بذور صراعات قادمة وقاتمة ومريعة في الشرق الأوسط.

ومن باب الواقعية والإنصاف لا يمكن تحميل المجتمع الدولي مسؤولية كل ما يعتمل في كواليس الملف اليمني من مراوحة بين آمال السلام وآلام الحرب، فقد ألقى ما يجري على الأرض من تخاذل وفساد وسوء إدارة وحسابات سياسية معقدة ومتشابكة وصراع أيديولوجي في جبهة الشرعية بظلاله الثقيلة على المواقف الدولية التي كانت ترفع من سقف استغلالها لهذا الملف مع كل سنة تمر من دون أن تتهيأ الظروف لحسم الحرب أو تحقيق السلام، وقد كانت رسائل واشنطن في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب واضحة لحلفائها، بأن كل يوم يمر في عمر هذه الحرب المستعرة من دور الاقتراب من هزيمة المشروع الحوثي يجعل من الأزمة اليمنية حالة نموذجية للتجاذبات والحسابات الإقليمية والدولية كما هو حال الملفين السوري والعراقي اليوم على سبيل المثال، فالملفات التي تتأبطها النزاعات الدولية لا يمكن التكهن بنتائجها المستقبلية أو مآلاتها.