كتابات وآراء


الأربعاء - 24 أبريل 2024 - الساعة 10:43 م

كُتب بواسطة : هاني سالم مسهور - ارشيف الكاتب



ها هو اليوم التالي الذي أشبع حديثاً عنه من بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023.. هجوم إسرائيلي رداً على السياسات الإيرانية. هجوم بهجوم، ورغم كل ذلك ظلت المبارزة على حافة الهاوية بين الغريمين.

من المهم التدقيق عند الغريمين الإيراني والإسرائيلي لننظر إلى اليوم التالي كما هو في الواقع، فلم يعد هناك وجود للتعريف الكلاسيكي القديم، باعتبار أن الصراع صراع عربي – إسرائيلي.

انتهى واقعياً شكل الصراع الذي نشأ مع قيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين العربية عام 1948.. رفض العرب التقسيم وانهزمت جيوشهم ثم تشكل الصراع التاريخي سياسياً على قاعدة معلومة بين دول عربية وإسرائيل، مجموعة دول وطنية تخوض حرباً مع كيان محتل.

نكسة 1967 لم تغير من قواعد الاشتباك السياسي والعسكري، وحتى حرب الاستنزاف 1970 وحرب أكتوبر 1973 التي بعدها عقدت مصر أول معاهدة سلام استعادت بها كامل التراب المصري، والاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت في 1982 وقبله تدمير مفاعل تموز العراقي عام 1981 وسلسلة الصراعات التي لم تؤثر بالمطلق على رؤية العالم، والأهم المنطقة العربية، لمفهوم الصراع.

وحتى مع ظهور ثورة الخميني في إيران 1979 وصعود الإسلام السياسي معها إلى أعلى درجاته، من اقتحام جهيمان العتيبي للحرم المكي مروراً بالأفغان العرب ووصولاً إلى الميليشيات المسلحة في الدول العربية.

نقطة واحدة لم تتغير وبقيت ثابتة، وهي أن الصراع عربي قومي – إسرائيلي. ورغم التحولات الجيوسياسية الكبيرة التي شهدها العالم من نهاية الحرب الباردة الأولى لم تتغير هذه القاعدة. وفي النظام أحاديّ القطبية لم تخرج معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي عن شكلها.

ورغم ما اعترى الدول الوطنية العربية من ضعف بلغ حدّ الهشاشة أدى ببعضها إلى الانهيار السياسي، بقيت الشعوب العربية متمسكة بما تبقى من الدولة الوطنية وتشكل مفهوم موازٍ يرفض أسلمة الصراعات السياسية.

نقطة الاختبار المحورية كانت مع “الربيع العربي”. التجربة المصرية تعتبر دائماً عبر الأزمنة دليلاً على استيعاب الصورة كاملة، وكما شكلت ثورة الضباط الأحرار عام 1952 هوية الدولة الوطنية الحديثة، جددت ثورة يونيو 2013 التي أسقطت حكم الإخوان المسلمين التأكيد على هوية الدولة الوطنية العربية ببعدها القومي.

وهنا تبدو المشهدية أكثر جلاء ووضوحاً، فالعرب بدولهم هم قوميّة واحدة بلسان واحد تحت رايات وطنية تدين للدولة الوطنية الحديثة، وهنا تكمن كينونة الوجود العربي على أرضه الممتدة من طنجة المغربية إلى مسقط العمانية.

أسلمة الصراع العربي – الإسرائيلي تعني تحويل الصراع إلى صراع ديني، أي إسقاط كامل للدولة الوطنية.

الإيرانيون والأتراك مجاورون للعرب ومعلوم أن هناك مطامع توسعية بطبيعة التكوين، وهذا ما تجلى مع تشكل الدول بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.. نهاية الدولة العثمانية وكذلك حكم الشاه في إيران أظهرا هذه النزعة التوسعية، وما الخلاف بين الشاه والبحرين، والخلاف حول لواء إسكندرون السوري، سوى تأكيد على أبعاد الصراعات التوسعية، ومع ذلك أبقت المنظومة العربية على حقوقها وسيادة دولها على حدودها.

منهج الإسلام السياسي يعتمد إسقاط الدول الوطنية العربية ليقيم دولة بحسب المعتقد الديني. خلافة بموجب المذهب السنيّ، أو إمامة بموجب المذهب الشيعيّ، يلتقيان عند نقطة مناقضة للدولة الوطنية العربية.

من هنا تأتي ضرورة استيعاب اليوم التالي بجلاء، فهناك نظرة ترى أن ما بعد غزة سيؤدي إلى اندماج للفصائل والتنظيمات الولائية وإن اختلفت مذاهبها، في صالح مسار مفهوم الدولة الأممية العابرة للدول الوطنية.

وهي لحظة مواتية لتذكير الأجيال بأن لا مكان لها دون الدولة بحدودها الوطنية، ومن موجبات الفعل النظر بوعي شموليّ للتحولات، فالعرب إمّا أن يمضوا في ترميم أوطانهم وإما أن يتركوها في مهب الرياح العاتية.

أخطر ما يمكن أن يحدث هو الاعتياد على الحرب. ورغم ما يبدو من تراجع عن حرب شاملة، فإن البقاء عند المبارزة على حافة الهاوية واستدعاء الأيديولوجيات، وإن كانت سمة من سمات المنطقة، هو عامل تهديد وجودي لما تبقى من دول عربية الوطنية.

الإيرانيون يتنفسون أيديولوجيا وجماعة الإخوان توافقهم في ذلك وترافقهم، حتى وهم في هذه المرحلة ليسوا في حاجة إلى توافقات مصلحية أكثر مما وفرته لهم الظروف السياسية.

تصاعد خطاب الكراهية باستهداف الموقف الأردني دلالة من دلالات متعددة مكشوفة، فهذه موجة عالية من موجات الصراع الراديكالي في الشرق الأوسط قد لا تكون مسبوقة تاريخياً.. حتى مع الثورة الخمينية لم تكن بهذا الاحتدام.

النظر إلى اليوم التالي بعيون وطنية لا يقارن بالنظر إليه بعيون شعبوية دينية، ما يفترض أنه محور الاعتدال وبمقدار فشله في إنتاج خط معتدل متماسك فإنه معني بتقديم تيار فكري قويّ يبدأ بخطوة جادة هي تجديد الخطاب الديني، لتنأى شعوب المحور على الأقل عن الاستقطاب الأيديولوجي المتشدد، ويعمل على وضع تعريف واضح للأمن القوميّ العربي يعتمد سياسات الشفافية والمعرفة.

ومع ظهور التيارات الإسلامية السياسية لا بد من التساؤل عن كيفية الحفاظ على الهوية الوطنية واستدامة الدولة الوطنية في وجه التحديات الدينية والفكرية؟

من المهم تقديم مناهج وأفكار جديدة تقوم على الاعتدال والشفافية، وتساهم في تطوير الفكر الديني بما يضمن استقرار المنطقة وتقدمها. لذا، يجب أن يكون اليوم التالي موطنا للحوار الوطني، حيث يتم التفاوض على مستقبل المنطقة بشكل مستدام ومتوازن.

استمرار الصراعات الدينية والاقتتال السياسي لن يخدم سوى أجندات محددة، بينما يمكن للوسطية والتفاهم أن يكونا أساسا لتحقيق استقرار حقيقي واستعادة الهوية الوطنية العربية من خلال الاستمرار في تعزيز الفكر الوطني والتعايش السلمي بين الطوائف، ويمكن لليوم التالي أن يكون موطنًا لنهضة حقيقية تقود المنطقة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وتعاونًا.