كتابات وآراء


الأحد - 02 يناير 2022 - الساعة 09:51 م

كُتب بواسطة : كرم أمان - ارشيف الكاتب



قضية المبعدين والمسرحين قسرا عن وظائفهم منذ 1995 ورميهم مع اسرهم الى الشارع، مازالت عالقة حتى اليوم دون اي حل او معالجة.

على الرغم من حصول الحكومات اليمنية السابقة على دعم مالي خليجي لحل هذه القضية ومنح المبعدين مستحقاتهم المالية.

كيف تم ابعاد وتسريح العمال والموظفين الجنوبيين من وظائفهم منذ ما بعد حرب 1994؟

البداية كانت بحجة الخصخصة، خصخصة مصانع ومؤسسات وشركات وفنادق الدولة الجنوبية السابقة، حينها كانت الوعود المقطوعة للموظفين والعمال الجنوبيين من قبل اولئك القائمين على الخصخصة والتسريح والعمالة الفائضة ، بأنه سيتم احالتهم الى ما يعرف بـ « التقاعد المبكر »، وسيتم منحهم رواتب تقاعدية شهرية من الدولة، ثم قالوا سيتم انشاء صندوق خاص بمسمى « عائدات او ايرادات الخصخصة »، على اساس ان الاموال التي سيتم استلامها من خصخصة وبيع مصانع ومؤسسات وشركات وفنادق الجنوب، ستخصص لدفع مرتبات تقاعدية دائمة لأولئك العمال والموظفين الجنوبيين ليتمكنوا من اعالة أسرهم.

في ذلك الوقت، فرح العمال والموظفين الجنوبيين، واستبشروا خيرا، كونهم سيستلمون مرتبات تقاعدية، وبذات الوقت سيتمكن الشباب منهم من العمل في مكان اخر لتحسين مصادر دخله.

فكانت الصدمة الكبيرة والمفاجئة القاتلة، عندما تفاجئوا بأن كل تلك الوعود كانت عرقوبية، ومجرد سراب لتمرير المؤامرة الكبرى، حيث اصطدموا بأنه تم رميهم ومع من يعيلوهم الى الشارع دون عمل او راتب تقاعدي او حتى مبالغ رمزية او اعانات شهرية.

اتذكر جيدا تلك الصدمة المهولة، التي تسببت في وفاة الكثيرين بالسكتة القلبية، واخرين ممن اصيبوا بالجلطات والامراض المزمنة، والاختلال العقلي، ممن لم يتمكنوا من مقاومة الصدمة والفاجعة، فبعد أن افنوا حياتهم في العمل وخدمة البلد والناس، اصبحوا بشخطة قلم اهوج وقرار أرعن، في الشارع مع من يعيلوهم دون معاش .

اليوم ونحن على اعتاب من شخطة قلم مشابهة وقرار مماثل، باحالة موظفي وعمال الجنوب الى التقاعد، نخشى ان يتكرر ذات السيناريو، كما نخشى ان يكون مصير وعود اليوم كتلك الوعود العرقوبية السابقة، التي كانت مجرد دغدغة للمشاعر لتمرير تلك الخطة القذرة والمؤامرة الخبيثة التي استهدفت الاف العمال والموظفين الجنوبيين، ورمتهم للشارع.

منذ عام 2011 ، توقفت احالة موظفي قطاعات الدولة للتقاعد، جراء ما شهده البلد من فوضى وارتباك و خلخلة، وعجز مالي كبير في ميزانية الدولة، بالاضافة الى ما تعرضت له مخصصات هيئة التأمينات من عمليات نهب وسطو واختلاس وخاصة منذ انقلاب الحوثيين في 2014 وحرب 2015 ، افقدها القدرة على الايفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين، وباتت عاجزة حتى على سداد مرتباتهم ومعاشاتهم التقاعدية التي توقفت لأشهر طويلة، على الرغم انها معاشات بسيطة جدا ولا يتعدى الحد الاعلى لها 40 الف ريال يمني.

مازال اليمن يقبع تحت البند السابع، ومازالت البلد ترزح تحت وطأة الانقلاب الحوثي والحرب، ومازالت الأزمة في اشدها، ومازال عدد الموظفين والعمال الشمالين النازحين من مناطق سيطرة الحوثيين الى مناطق الجنوب المحررة مستمرة وفي تزايد، وبشكل متواز فان اعداد العمال والموظفين المتعاقدين والنازحين (من كل محافظات اليمن شماله و جنوبه) الذين تم التعاقد معهم في وزارات ومرافق ومؤسسات الدولة في عدن وباقي المحافظات المحررة خلال هذه الست السنوات ، يتزايد بصورة كبيرة جدا وغير مسبوقة، ويمكن التأكد من صحة ذلك في كشوفات أي وزارة او مرفق او مؤسسة حكومية في عدن فقط.

بالتالي، فان هناك صعوبة بالغة جدا، تجعل من قرار التقاعد والاحلال في وزارة الخدمة المدنية والتأمينات ، وعملية الخفض والاضافة في كشوفات وزارة المالية، معقدة بل و مستحيلة، ولا يمكن اتمامها حاليا بأي شكل من الاشكال.

كذلك ومن زاوية اخرى، فان موعد التلويح بذلك القرار غير السوي، يعد خطأ كبير و فادح، ويلزم تداركه فورا، ففي الوقت الذي تشهد فيه الجبهات القتالية اشتعالا ومواجهات وتقدمات ميدانية التي ينبغي خلالها ان يكون كل التركيز مصوب نحوها لتحقيق اهدافها، والابتعاد عن افتعال كل ما يساعد على خلق فوضى وارباك وخلخلة في الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهود والافكار والتركيز، ومضيعة الوقت في امور وقضايا جانبية داخلية، يمكن الابتعاد عنها وتركها حاليا وتأجيلها لحين استقرار الاوضاع ومعالجة الازمات والمشاكل الكبيرة التي مازالت قائمة ويعاني منها المواطنين ليلا ونهارا وتكدر معيشتهم وتفاقم من همومهم.

دع هذا الامر الان يا دكتور عبدالناصر ، فليس الأوضاع العامة للبلد مواتية مطلقا لتنفيذ ذلك القرار الذي رفض وزراء الخدمة المدنية في الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ 2011 الاقتراب منه، وليس الاوضاع الاقتصادية والخدمية والاجتماعية والسياسية الحالية تشكل بيئة خصبة لتنفيذ ذلك القرار والاجراء الذي لا يصب نهائيا في مصلحة عدن و الجنوب بشكل عام، فهناك امور وقضايا هامة وحساسة وذات اولوية قصوى ينبغي أن تركزوا عليها قبلا وهي من صميم عملكم، وانتم تدركونها ومطلعون عليها عن قرب اكثر من أي جهة اخرى، والتي كنا نآمل منكم كوزير من المجلس الانتقالي الجنوبي، ان تكون من اولوياتكم و تضطلعون بها، وتحلحلون تعقيداتها الشائكة التي عانينا منها منذ أكثر من 25 عاما .

كرم أمان
2 يناير 2022