كتابات وآراء


الأربعاء - 07 سبتمبر 2022 - الساعة 12:52 ص

كُتب بواسطة : كرم أمان - ارشيف الكاتب



لم أضع نفسي موضع الواعظ ولا المرشد، وإن عملت ذلك في أحد الأيام إنما لأقول رأيي وقناعتي التي أؤمن بها، ومع ذلك لا أفرضها بالقوة على أحد لاقناعه.

التعليم والمعلمون في بلادنا ليسوا حالة شاذة او وليدة اليوم، بل هي كباقي الخدمات الحكومية، وباقي مرافق ومؤسسات الدولة وموظفيها ومنتسبيها، متدهورة متردية بل منهارة، منذ عقدين تقريبا، وقبل أن ينهار التعليم، أنهارت قبله (التربية). بقرار سياسي

ذلك الإنهيار مس عموم مرافق ومنشآت ومؤسسات وخدمات الدولة في عدن، بل وباقي المحافظات، أيضا بقرار سياسي.

تعاقبت الحكومات، وتغيرت السلطات، وتحولت السياسات، وتوالت الحروب والكوارت والنكبات، تقسمت القوانين و القرارات، وتشتت الاجراءات والمعاملات ، ومعها تبدلت أحوال الناس، وتمايزت واختلفت، تجذر الفساد وتوسعت رقعته وزادت وطأته، وسكن في نفوس السواد الأعظم، وأضحى من أولويات لدى كل من صعد على الكرسي ، وحسرة لدى كل من هبط ولم يستغل (الظروف) التي باتت نغمة واسطوانة مشروخة لتحقيق الهدف.

عجز الحكومات وسلطاتها المتعاقبة وفشلها الذريع في إيجاد الجزء اليسير من الحلول والمعالجات لمعاناة وويلات شعبها ومواطنيها وموظفي وحداتها الادارية في القطاع العام، لم يعد خافيا على أحد منذ سنوات، وفسادها يملأ صفحاتنا ومعظم المواقع والصحف والمجلات المحلية والخارجية، ولا يمكن اخفاءه او التستر عليه مطلقا، وآثاره السلبية أصبحت ظاهرة على كل المواطنين وكافة فئات الشعب وعموم موظفي ومنتسبي ومتقاعدي القطاع العام، لأنها مست الجميع دون استثناء، حتى وصل متوسط مرتباتهم بين 50 إلى 70 دولار شهريا.

كانت الشوارع الملاذ الوحيد لعامة الشعب وفئاته، للاحتجاج والمطالبة بالتسوية والعدل وتحسين الدخل، في الوقت الذي كان «الفتات» يلجم أفواه وألسن مستفيدو (صوت العمال والمدافعين عن حقوقهم) ويخرصهم، ويسحبهم تحت جناحه.

وأمام كل هذه العواصف والرياح الشديدة وأعاصير السياسات الملتهبة، ظل الشعب يصارع للبقاء، يكافح للاستمرار، يجاهد للعيش، يعاني أشد المعاناة والويلات من أجل يواصل يومه ويتعايش مع حاضره، لم يعد بإمكانه التفكير بمستقبله البعيد أو حتى القريب، لأن هناك من يسعى لحرمانه حتى من الحلم بمستقبل أفضل.

ما يعانيه المعلم هو ذاته وربما أشد من مايعانيه السواد الأعظم من الناس في هذا البلد، وضع عام وشامل، يتذوق مرارته ويقاسي ظنكه أيضا أولئك الطلاب والطالبات الصغار منهم والكبار.

فثلما هناك طلاب يذهبون لمدارسهم بنية صادقة و بمحض إرادتهم من أجل التعلم والتفوق والتخرج، هناك أيضا طلاب ليس لديهم نية للدراسة ويتم الزج بهم بالقوة للذهاب إلى المدرسة كل يوم، ليعتادوا ويختلطوا مع زملاءهم، لربما تفتح شهيتهم للتعليم يوما ما، وبالمحصلة جميع هؤلاء الطلاب ينقسمون إلى ثلاثة أنواع ، أحدهما من أسرة قادرة على توفير مستلزماته الدراسية كافة، والثانية بالكاد تستطيع توفيرها، والأخيرة من ليس بمقدورها ولكنها تصر وتعافر لإيصال ابنها للمدرسة ولو بالدين أو المساعدة.

المعلم كذلك واحدا من افراد هذا المجتمع الذي يعاني، بل وهناك معلمين معاناتهم أشد وطأة وفتك، لكن الحلول لا تأتي فرادى كما هي المصائب، ومعالجة وضع معين لا يكون على حساب أوضاع أخرى عامة.

عموما وحتى لا أطيل أكثر، في كافة مشاكل بلدنا ومنذ سنوات، كان العامل الأساسي في تأخر حلها ومعالجتها يكمن في سوء إختيار "واجهتنا"، لأننا أصلا لم نكن مخيرين لنتمكن من إختيار الأنسب، فمعظمهم يتم فرضهم فرضا ليعتلوا عرش الحديث باسمنا والتخاطب بحقوقنا، لنكتشف لاحقا أننا كنا مطية سياسات هوجاء، وأدوات لقرارات خاطئة رعناء، استغلت حقوقنا ومطالبنا لتحقيق أهداف خاصة.

* كرم أمان