كتابات وآراء


الخميس - 04 يناير 2024 - الساعة 01:46 ص

كُتب بواسطة : د. هيثم الزبيدي - ارشيف الكاتب



عندما أقرأ الصحافة الغربية أو أدخل في نقاش مع أحد الجيران أو مع أصدقاء غربيين درست معهم وعملنا جنبا إلى جنب، أحس ببعض الإحراج. ثمة توجه عام يسود ما يتم تداوله في الإعلام وجلسات الحديث بين المهتمين، ويتمثل هذا التوجه العام في مناقشة أبعاد دخول الذكاء الاصطناعي مختلف أوجه الحياة.

الذكاء الاصطناعي، كما صار واضحا، هو إضافة خطيرة على مسيرة التطور البشري. للمرة الأولى تاريخيا، ينضاف عامل مستقل يمكن أن يغير الحياة. كل ما سبق من خطوات في التطور كان يقوم على دخول أفكار أو تقنيات أو صناعات أو جيوش في مسار هذا التطور.

كل هذه العوامل خاضعة للسيطرة البشرية، بما فيها الأفكار الدينية التي ارتبطت بالأنبياء والرسل. كان البشر المتحكم الأول؛ قد يكون فردا أو جماعة أو شعوبا، لكن النتيجة واحدة ترتبط بالإنسان. الذكاء الاصطناعي شيء مستقل، وقد بدأنا نلمس تحرر الإرادة فيه يوما بعد يوم. وليس من باب المبالغة القول إن البشرية وجدت من يتحداها.

ما يُكتب في الصحافة وما يتم تداوله في الإعلام أو في جلسات الحديث مع المهتمين يرتبط بفكرة أخلاقيات وتفاصيل حياة ما بعد دخول الذكاء الاصطناعي. ثمة الكثير من الترقب والخوف والإثارة. سرديات الحديث والنقاش تشي بالمديات التي يبلغها الناس في تقبلهم لهذا الشيء الجديد.

مبعث الإحراج هو ما يتم تداوله في الإعلام العربي وما يدور من نقاشات على مستوى المهتمين. لا يزال جل ما يُكتب عن هذا الشأن أو تتم مناقشته يدور حول مدى دخول الدين في حياتنا. المجتمعات العربية ليست بمعزل عما يحدث في العالم. كل ما يحدث يمسنا بطريقة أو بأخرى. ولم يمر زمان، في التاريخ القديم أو العصور الوسطى أو الحديثة، إلا وكان فيه عالمنا شاهدا على ما حدث وغير بعيد عن تأثيراته.

حتى في التاريخ المعاصر، يمكن القول إن التقنيات الحديثة، وخصوصا أدوات الاتصال الحديثة والإنترنت، أسهمت في تغيير عالمنا بما لا يسمح بالعودة إلى الخلف. ورغم كل هذه التغييرات، لا تزال الأسئلة التي تحوم حول دور الدين هي الأساس في الحديث والنقاش. أسئلة تبدو وكأنها تنتمي إلى عصور سابقة للعصر الحديث. وهي أسئلة تجعلك محتارا في أسباب عدم حسم الإجابة عنها، مرورا بأجيال كثيرة تصرفت وكأنها تتعمد التأجيل.

هذه معضلة حقيقية لأن العالم في بدايات ثورة الذكاء الاصطناعي يسأل نفسه أسئلة تختلف عن أسئلتنا التي تدور حول “ثورة” الدين في الحياة السياسية والاجتماعية. العالم يسأل نفسه أسئلة وجودية كبرى من شاكلة كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على العمل وسوقه والعلاقات الاقتصادية والمالية وشكل الشخصيات التي سنشاهدها مخلقة على الشاشة؟ أو كيف ستتغير الفنون والثقافة؟ بل أسئلة أخطر من نوع هل يحدد هذا الذكاء أهداف القصف الإسرائيلي؟ أي هل يحدد مَن يعيش ومن يموت؟ في حين أن الكثير من الأسئلة التي تطرح في عالمنا العربي تبدو منتمية إلى قرون مضت، أو بلا ردود حاسمة، أو لا يمكن البت فيها تبعا لطبيعتها وعلاقتها بالروحانيات ومنظومة الأخلاق، أو متروكة لما صار يصنف كعالم رجال الدين، يفتون فيه ويقررون.

لم يمر وقت فيما سجلته ذاكرتي كانت فيه هذه المفارقة شاخصة إلى هذا الحد؛ مفارقة صارت تفرض نفسها وتحتاج، دفعا للإحراج، أن تعاني من الانفصام للتعايش مع هذين العالمين المختلفين.