كتابات وآراء


الخميس - 18 مايو 2023 - الساعة 02:18 ص

كُتب بواسطة : عاصم قنان الميسري - ارشيف الكاتب



وفي هذا الجزء12 سنخصص فيه جانب وموروث شعبي وحضاري اشتهرت به أبين والمنطقة الوسطى ودثينة على وجه الخصوص في زمن تقلبات السياسة والاحوال الشخصية ومواقف الشعراء الثابتة في رفض سياسة المستعمر على وجه الخصوص في دثينة ، فظهر في دثينة عدد كبير من الشعراء ولكل شاعر منهم دواوين شعر عظيمة ومؤرخه وخالده في داكرة الشعب الجنوبي قاطبة وليس فقط في أبين ودثينة ومن ضمن هاولاء الشعراء الشاعر الكبير / عبدربة ناصر مكرش الميسري [أبو حمحمه ]

١- [ ومضات من الشعر الشعبي في دثينة ]

في أربعينيات القرن الماضي بسطت بريطانيا احتﻻلها على ريف الجنوب ومنها اجزاء دثينة وكانت ردة الفعل في المجتمع قوية وتصدر الشعر عنان ردة الفعل وتصدى الشعراء للأجنبي وكان الشاعر ناصر عبدربه مكرش في ريعان شبابه ومعه كثير من الشعراء وهو ليس الوحيد ومثل زمﻻءه في ذلك الزمن عشال الحنشي وعلي رامي وسالم صالح الفطحاني وآخرين كثر من الجيل اﻷول والمشطر وعبدالقوي مكرش وغيرهم من الجيل الثاني رحمهم الله وكثيرين ﻻ يتسع الحيز لذكرهم جاهر بمعارضته للمحتل وعانى في غياهب السجون الويﻻت ولأن الرجال مواقف سجل هو موقفه في صفحات تاريخ المنطقة والجنوب بشكل عام حيث كان للشعر صدى بالغ ولم يأبه ولم يخفض صوته الذي يصدح به في كل مناسبة دينية أو اجتماعية أو وطنية.

٢-[ البصيرة والنضال في قصيدة للشاعر ابوحمحمة ]

وﻷن الله أكرمه بعقل ومواهب مكنته من قراءة اﻷحداث أستمر يشرح للسياسيين وللعامة خطورة اﻷوضاع وما قد تأتي به اﻷيام من تقلبات أحياناً كثيرة قبل وقوعها ﻷن الرجل ذو بصيرة ونظرة ثاقبة وكل قراءاتي لشعرة أثبتت أنه داهية بالفطرة فكم أنذر الناس منذ ريعان شبابه إلى آخر ساعات حياته الزاخرة بالعطاء وهو يغوص في كل حدث يشعر أنه قادم رحمه الله وأسكنه جنة الخلد.

نأخذ اليوم أحد قصائدة التي تحكي لنا وللأجيال اللاحقة أنصع المواقف الوطنية التي نحتتها قريحته في جدار التاريخ الوطني الجنوبي يقول فيها :

1- بوحمحمة وشعاد معنا من زمان.
ﻻ سار عبدالله حسن(1) قد عاد بن نعمان(2).

2- بوحمحمة ماعاد ينفع كان كان.
وما انكسر ماعاد يرجعشي كما ما كان.

3- عجوز الويل متزوج على آخر زمان.
ماشي معاها مصلحة في انسان بعد انسان.

4- بايقلبوا اسمش كمانة يا كمان(3).
صيحي على بوبوش كسر حبش امصمان(4).

5- والله ما تبقي على الباطل ثمان.
وﻻ ينجي بوش ﻻ قاسم وﻻ عثمان.

6- رع ما كتب في البوك(5) لبيض با يبان.
على الفريسة يا صديقي صاحت امغربان.

7- بوحمحمة با حن ليه دان دان.
وغردي لي يالهداهد من على لغصان.

8- والله ما انزل من على ظهر الحصان.
وﻻ لبا زايد من الدولة وﻻ نقصان.
(ديوان الشاعر ص 11)

٣-[ شرح المعاني والمفردات الدثنية والانجليزية في القصيدة ]

ولشرح بعض المفردات للمتابع الكريم وتوضيح بعض الكنايات والكلمات الدارجة في لهجة دثينة وجب التنويه قبل شرح الموقف الذي سجله ابوحمحمة في صراعه مع المحتل إليكم معاني بعض المفردات:

1 عبدالله حسن هو أول مستشار بريطاني من العرب عند دخول بريطانيا دثينة وكان أول حاكم لوﻻية دثينة في عهد اﻻحتﻻل البريطاني للجنوب.

2 ثابت نعمان هو ضابط سياسي وأحد المستشارين العرب في عهد بريطانيا وقد جاء ذكره في موضوع سابق عن شعراء دثينة وكان حاضر في إحدى المناسبات في امقليتة حاضرة قبيلة الحسني عند بداية تأسيس دولة الجنوب العربي بجانب الزوقري وعلي هادي الحسني رحمهم الله.

3 كمانة يا كمان ألفاظ إنجليزية (Come on) وهو هنا يخاطب بريطانيا اننا سنقلب اسمك من كمان إلى كمانة أي مؤنث وهو تعبير ساخر و لغة تهديد ووعيد حادة للمحتل.

4 حبش أي حبك والشين في لهجة دثينة يكتب عوضاً عن الكاف لمخاطبة المؤنث امصمان بسكون الميم وضم الصاد وتشديد الميم وتسكين النون أي السليم الذي لم ينطحن بعد.

5 البوك كلمة إنجليزية وهو الكتاب أو الدفتر.
وعلى ذكر البوك التي أستعملها ابوحمحمة فقد أستعملها كثير من الشعراء وهو ليس لوحيد الذي يستعين بإصطﻻحات إنجليزية في شعر دثينة سيكون موضوع مستقل إن شاء الله مع مصطﻻحات أخرى.

٤-[ شرح معاني الأحداث الثورية للشاعر بوحمحمه بالقصيدة]

أما عن شرح القصيدة فإنني سأحاول توضيح صورة مبسطة للقارئ الكريم على نحو مختصر قدر اﻹمكان:

١-في البيت اﻷول يتحسر الشاعر على زمن ذهب وذهبت فيه الحرية بعد قدوم الأجنبي وبسط سيطرته على البلد ويقول إنه حتى وإن ذهب موالي للإحتﻻل سيأتي آخر وضرب مثل ب عبدالله حسن وبن نعمان وهما مستشارين بل ضباط سياسة مع اﻹنجليز.

٢-وفي البيت الثاني يؤكد أن التحسر على الماضي لم يعد ينفع وما كسره الزمن لن يعود مثل ما كان.

٣-وفي البيت الثالث يكني بريطانيا بالعجوز وهي فعﻻ في ذلك الزمن شاخت وبدأت إمبراطوريتها التي لم تغب عنها الشمس في اﻹنحسار ويؤكد أن احتﻻلها لمناطق جديدة لم يعد ذو فائدة وأن رحيلها قرب وهو هنا ينظر نظرة كونية واستراتيجية ويصف الموقف بأدق اﻷوصاف.

٤-وفي البيت الرابع يخاطب بريطانيا بألفاظ إنجليزية بأن شعبنا سيذلها ويخاطب القبيلة بأشد عبارات المخاطبة ويقول صيحي على بوبوش أي انتفضي ضد بريطانيا.

٥-وفي البيت الخامس يحلف يمين مخاطباً اﻻحتﻻل أنه لن ينقذهم ﻻ العراق وﻻ اﻷتراك حسب ظني.

٦-وفي البيت السادس يوضح أن كل سر يكتب سيتضح وسينعق الغراب عليهم ً وهو هنا يخاطب صديقه على قرار مخاطبة شعراء العرب في كثير من القصائد الفصحى كمثل:
(خليلي تبصر) أو (خليلي فيما عشتما هل رأيتما) ويقول لصديقه أن الوطن سينعق عليه الغراب كما قال المحضار إن نحن سكتنا وسيصبح فريسة.

٧-وفي البيت السابع يخاطب صديقه بأنه مهما كانت الفاجعة ستستمر الحياة ويستمر في الغزل وكل شيء جميل والذي رمز له بتغاريد الطيور ومنها الهداهد الجميلة.

٨-أما في البيت اﻷخير هنا يقسم اليمين أنه لن يتنازل عن حصان كرامته ووطنيته ويرسل رسالة لدولة المحتل أن المادة واﻻرتزاق والبيع والشراء ليس مطروح على جدول نضالة مهما زادت أو نقصت.

هذا هو نموذج واحد من نماذج ﻻ تحصى من المواقف الوطنية لشعراء دثينة وللشاعر بوحمحة على وجهة الخصوص في الأمس واليوم وغداً إذ يصدحون ويجاهرون بمواقفهم في أحلك الظروف ولم يكن أبوحمحمة الوحيد وﻻ اﻷول وﻻ اﻷخير بل إن شعر دثينة كمثل كثير من المجتمعات كان وما زال وسيبقى على ظهر حصان الكرامة والعزة والشموخ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حتى انه قبل وفاته وصف شاعر دثينة والشخصية الوطنية المعروفة ناصر عبدربه مكرش ( أبو حمحمة ) هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه شعب الجنوب اليوم في قصيدة قال فيها:

بو حمحمة مآبي على تاريخنا / دي شلت الخبرة وخلتنا بلا تاريخ / شلت مخنا دي كان في مراريخنا / واليوم نتمشى ولا فكره ولا مراريخ / كنا ندق العدو بصواريخنا / واليوم لا مدفع ولا بندق ولا صواريخ / ..

رحم الله ابوحمحمة عبدربة مكرش رحمة الابرار وأسكنه فسيح جناته .

بعض المصادر :
من صفحة الاخ علي وحيش
اعداد ومراجعة
عاصم بن قنان الميسري