عرب وعالم

الإثنين - 29 ديسمبر 2025 - الساعة 12:11 م بتوقيت اليمن ،،،

العرب

بحث وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مساء الأحد، في اتصال هاتفي مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان المستجدات الإقليمية، وفي مقدمتها الأوضاع في لبنان واليمن، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية.

وأوضح البيان أن الوزيرين ناقشا أيضاً العلاقات الثنائية والتطورات الدولية، مع تأكيد عراقجي على ضرورة الحفاظ على وحدة اليمن وسلامته.

وجاء هذا الاتصال في وقت تتصاعد فيه التوترات في المنطقة، مع استمرار النزاعات المفتوحة وتحديات الاستقرار السياسي في عدد من الدول العربية.

ويكتسب الاتصال الإيراني–السعودي أهمية بالغة في ظل تحولات متسارعة على الأرض في اليمن.

وفي أوائل ديسمبر الجاري، سيطرت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على محافظتي حضرموت والمهرة جنوب شرقي اليمن، وهو ما يمثل تصعيداً ملموساً في النزاع الداخلي، ويعكس حجم الانقسامات العميقة بين القوى المحلية والدولة المركزية.

ويقول المجلس الانتقالي إن الحكومات اليمنية السابقة همشت المناطق الجنوبية سياسياً واقتصادياً، مطالباً بالانفصال عن الدولة الموحدة، بينما تؤكد السلطات اليمنية تمسكها بوحدة البلاد.

وتأتي هذه التطورات في وقت يواصل فيه التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات جهود خفض التصعيد، وإعادة فرض استقرار جزئي على الأرض.

وفي هذا السياق، أصدر المتحدث باسم قوات “تحالف دعم الشرعية في اليمن”، تركي المالكي، بياناً السبت، أكد فيه أن أي تحركات عسكرية تخالف الجهود المشتركة للسعودية والإمارات لخفض التصعيد سيتم التعامل معها مباشرة لحماية المدنيين.

ويعكس هذا الموقف الحرص السعودي–الإماراتي على ضمان عدم تفاقم الصراع، وتحجيم أي تحرك من شأنه تقويض جهود الاستقرار في جنوب اليمن، خصوصاً في ظل تزايد نشاط المجلس الانتقالي وقدرته على فرض نفوذه العسكري والسياسي في مناطق استراتيجية.

وتأتي هذه التطورات ضمن سياق معقد يعكس بوضوح حجم التحديات التي تواجه اليمن كدولة موحدة. فالصراع في الجنوب لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يمتد إلى الأبعاد السياسية والاقتصادية، حيث يواجه الجنوب تاريخاً من التهميش والإقصاء، في حين تحاول الحكومة المركزية الحفاظ على سلطة محدودة على الأرض.

ويضع هذا الانقسام القوى الإقليمية، وعلى رأسها السعودية وإيران، أمام معادلة صعبة؛ فالحفاظ على استقرار اليمن يتطلب تنسيقاً دقيقاً بين مختلف الفاعلين المحليين والإقليميين، وفي الوقت نفسه مواجهة تحركات قد تهدد مصالح كل طرف.

وأما في لبنان، فقد أدان عباس عراقجي العدوان الإسرائيلي، مطالباً المجتمع الدولي وخاصة ضامني اتفاق وقف إطلاق النار بالتدخل لوقف الجرائم الإسرائيلية.

ويأتي هذا التصريح في ظل سجل طويل من الانتهاكات، حيث تشير قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) إلى أن إسرائيل خرقت اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ تطبيقه في نوفمبر بعد عدوان أكتوبر 2023، أكثر من عشرة آلاف مرة.

وأسفر هذا الانتهاك المتكرر عن مئات القتلى والجرحى، فضلاً عن احتلال خمسة تلال لبنانية خلال الحرب الأخيرة، بالإضافة إلى مناطق أخرى تحتلها إسرائيل منذ عقود.

وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على أهمية استمرار التوافق والتعاون بين دول المنطقة للحفاظ على السلام والاستقرار، وضرورة محاسبة إسرائيل، وهو ما يعكس موقف الرياض من دعم الجهود الإقليمية والدولية لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وحماية المدنيين اللبنانيين.

ويشير هذا التبادل الدبلوماسي بين إيران والسعودية إلى رغبة متبادلة في إيجاد آليات للحوار والتنسيق بشأن ملفات حرجة، رغم الخلافات العميقة بينهما حول عدد من القضايا الإقليمية.

ويرى مراقبون أن الاتصال الإيراني–السعودي يظهر كخطوة دبلوماسية مهمة تهدف إلى إدارة الأزمات الإقليمية بطريقة تمنع الانزلاق إلى مواجهات أوسع.

وفي اليمن، يمثل الجنوب محور توتر مستمر، حيث تسعى السعودية إلى الحفاظ على الدولة اليمنية الموحدة، بينما تعكس سيطرة المجلس الانتقالي على حضرموت والمهرة تحدياً ملموساً قد يعيد رسم الخريطة السياسية للجنوب.

وفي لبنان، يبدو الدور الإيراني واضحاً في الدعوة للتدخل الدولي ووقف الانتهاكات الإسرائيلية، فيما تؤكد السعودية على ضرورة التعاون الإقليمي لمواجهة العدوان وحماية استقرار الدولة اللبنانية.

ويعكس الاتصال أيضاً إدراك كلا الطرفين أن الاستقرار الإقليمي يعتمد على إدارة الملفات الشائكة عبر الحوار والتنسيق، سواء على مستوى الملفات العسكرية أو السياسية أو الإنسانية. فالتحركات العسكرية في الجنوب اليمني، بالإضافة إلى الانتهاكات الإسرائيلية في لبنان، تشكل تهديدات مباشرة للمدنيين وللجهود الدولية الرامية إلى تخفيف حدة النزاعات.

ومن هذا المنطلق، يبدو أن إيران والسعودية تدركان ضرورة إيجاد خطوط تواصل فاعلة لتقليل المخاطر وتعزيز فرص الحلول السلمية.

وفي السياق اليمني، يمثل جنوب البلاد أحد أهم مراكز التوتر، إذ يمتاز المجلس الانتقالي بقدرة كبيرة على التعبئة السياسية والعسكرية، مستفيداً من شعور السكان بالإهمال الاقتصادي والسياسي.

وتأتي سيطرة المجلس على محافظتي حضرموت والمهرة كجزء من خطة لتأكيد النفوذ، ما يفرض تحديات كبيرة على الحكومة المركزية.

وفي الوقت نفسه، تحرص السعودية على عدم السماح بانفصال كامل للجنوب، مع إبقاء الجهود منصبة على الحد من الانقسامات وتعزيز المؤسسات الحكومية، بما يحقق نوعاً من التوازن بين السلطات المحلية والمركزية.

وأما في لبنان، فإن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة تكشف هشاشة التوافقات الدولية على الأرض، رغم وجود اتفاقات وقف إطلاق النار. فالخرق المتكرر للاتفاق يزيد من المخاطر على المدنيين ويهدد الاستقرار العام، بينما تعكس مطالب إيران وموقف السعودية محاولة تفعيل المجتمع الدولي للحد من الانتهاكات، وإعادة فرض التوازن الأمني والسياسي في البلاد.

ويبرز هذا أيضاً مدى تعقيد التفاعلات الإقليمية، حيث تتداخل المصالح الإيرانية والسعودية مع مصالح القوى الدولية الفاعلة، بما فيها الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا.

ويشير تحليل التطورات الأخيرة إلى أن أي محاولة لإيجاد حلول مستدامة للنزاعات في اليمن ولبنان تتطلب مزيجاً من الوسائل العسكرية والدبلوماسية والسياسية، مع التركيز على الحوار بين الفاعلين الإقليميين، وضرورة إشراك الأطراف المحلية.

ويبدو أن إيران والسعودية، رغم خلافاتهما الطويلة، تدركان أن استمرار النزاعات بدون تنسيق إقليمي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية وتدهور الوضع الأمني على مستوى المنطقة بأكملها.

وبالتالي، فإن الاتصال الهاتفي بين عباس عراقجي وفيصل بن فرحان يمثل خطوة في اتجاه إدارة الملفات الإقليمية بطريقة أكثر واقعية، ويعكس إدراك الطرفين لحجم المسؤولية تجاه استقرار المنطقة.

كما يشير إلى أن الحوار بين طهران والرياض، رغم توتر العلاقات، لا يزال قائماً ويشكل أداة مهمة لتجنب التصعيد المباشر، سواء في اليمن أو لبنان، وربما على امتداد المنطقة العربية.

ويؤكد هذا السياق أن أي حل للأزمات الإقليمية يتطلب التزاماً جدياً من الأطراف الإقليمية، مع مراعاة البعد الإنساني والسياسي، والتركيز على حماية المدنيين ومنع تفاقم النزاعات.

وفي المحصلة، يعكس الاتصال الإيراني–السعودي محاولة لإيجاد أرضية مشتركة في ملفات حساسة، تشمل اليمن ولبنان، وأن الطرفين يسعيان لإدارة الأزمات بالحد الأدنى من التصعيد، بما يتيح الفرصة للتوصل إلى تسويات سياسية أو تفاهمات جزئية تحافظ على وحدة اليمن، وتحد من الانتهاكات الإسرائيلية في لبنان.

كما يظهر أن العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران، رغم التوترات التاريخية، يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تهدئة النزاعات الإقليمية، وتوفير إطار للتعاون المشترك حول استقرار المنطقة.