أخبار وتقارير

الإثنين - 22 ديسمبر 2025 - الساعة 03:10 م بتوقيت اليمن ،،،

إياد الشعيبي


في النقاش اليمني المحتدم، كثيرا ما يُقدّم قيام دولة مستقرة في جنوب اليمن بوصفه مكسبا جنوبيا خالصا أو مشروعا صفريا على حساب الشمال. غير أن هذا التصوير يغفل حقيقة أبسط وأكثر عملية: استقرار الجنوب هو مصلحة مباشرة للشماليين الذين يريدون فعلا إنهاء سلطة الحوثيين وتحرير الشمال.

على امتداد سنوات الحرب، لم يخسر الشماليون بسبب قوة الحوثيين وحدها، بل بسبب غياب الدولة القادرة على إدارة الحرب. فالمعارك التي حدثت من دون ظهر سياسي وأمني واقتصادي آمن، كانت محكومة بالفشل سلفا. وفي هذا السياق، لا يمكن فصل أي معركة جادة ضد الحوثيين عن سؤال القاعدة الخلفية: من أين تدار؟ ومن يحميها؟ وبأي شرعية؟

إن قيام دولة مستقرة في جنوب اليمن يُقدّم إجابة عملية على هذا السؤال. فالدولة، أي دولة، ليست شعارا أو علما فقط، بل مؤسسات تعمل، وحدودا واضحة، وقدرة على ضبط الأرض وبناء شراكات خارجية. وجود هذا الكيان في الجنوب يعني أن الحرب ضد الحوثي لن تخاض من فراغ، ولن تدار من مساحة رخوة قابلة للاختراق، كما كان الحال طوال السنوات الماضية.

بالنسبة لأبناء تعز ومأرب وإب والبيضاء والساحل الغربي، فإن أحد أكبر أثمان الحرب كان تشويش العدو. فبينما ظل الحوثي خصما واضحا على الأرض، تشتتت الجبهات سياسيا بين صراعات هوية، ونزاعات شرعية، وحروب مؤجلة داخل المعسكر الواحد. قيام دولة جنوبية مستقرة ينهي هذا الالتباس؛ إذ يسقط صراع الجنوب من معادلة الحرب في الشمال، ويترك الخصومة في مكانها الصحيح: بين مشروع انقلابي وسكان يريدون استعادة دولتهم.

الأهم من ذلك أن الاستقرار الجنوبي يغير نظرة العالم إلى الصراع. فالمجتمع الدولي، الذي يتعامل بمنطق المخاطر لا النوايا، ظل مترددا في دعم أي حسم عسكري ضد الحوثي خوفا من اليوم التالي: ماذا سيحدث إن سقطت صنعاء؟ من سيملأ الفراغ؟ وهل ستنهار البلاد إلى فوضى أوسع؟ رغم خطر الحوثيين على الملاحة والمصالح العالمية. لذلك فوجود دولة مستقرة في الجنوب يخفف هذه المخاوف، لأنه يثبت أن التفكك ليس قدرا، وأن بناء الدولة ممكن، وأن إسقاط الحوثي لن يعني تلقائيا غرق اليمن في المجهول.

ثم إن الحوثي نفسه استفاد طويلا من فوضى خصومه. استخدم انقسامهم مادة دعائية، وقدّم نفسه بديلا مستقرا في مواجهة التشظي. دولة جنوبية تعمل وتنجح تجرد هذا الخطاب من مضمونه، وتعزل الحوثي بوصفه سلطة أمر واقع لا تملك مبررا وطنيا أو أخلاقيا للاستمرار.

السؤال الذي ينبغي على الشماليين طرحه بصدق هو: هل أفادهم بقاء الجنوب رهينة داخل دولة فاشلة؟ التجربة تقول العكس. الحوثي تمدد، الحرب طالت، الموارد استنزفت، والآمال تراجعت. في المقابل، جار جنوبي مستقر وحدود واضحة وشريك سياسي مسؤول ليست تهديدا، بل فرصة لإعادة بناء معركة الشمال على أسس واقعية. وهذا ما يجب على نخبة الشمال معرفته وإدراكه، بدل الانشغال في تكرار خطاب حرب 1994.

الخلاصة ليست أيديولوجية ولا عاطفية. إنها حسابات قوة ومصلحة. من يريد تحرير الشمال يحتاج إلى جنوب مستقر، لا إلى جنوب مشغول بصراعاته أو مستنزف في معارك جانبية مع الإرهاب والتهريب والمخدرات. قيام دولة في الجنوب لا يضعف معركة الشمال، بل ينقذها من الدوران في حلقة الفشل. وفي السياسة، كما في الحرب، من لا يعيد تعريف ساحة المعركة، يبقى أسيرها.

#الجنوب_العربي