عرب وعالم

الثلاثاء - 16 ديسمبر 2025 - الساعة 12:52 م بتوقيت اليمن ،،،

وكالات


في تطور لافت على مسار الحرب الروسية–الأوكرانية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إحراز تقدم في المفاوضات المتعلقة بإمكانية إنهاء الصراع، عقب سلسلة محادثات أجراها مع قادة أوكرانيا وعدد من الدول الأوروبية.

ورغم الطابع الحذر لتصريحاته، فإن ما رشح من هذه الاتصالات يعكس تحركاً دبلوماسياً أميركياً أكثر كثافة، يهدف إلى اختبار فرص الانتقال من إدارة الحرب إلى البحث الجدي في شروط التسوية.

واتسمت تصريحات ترامب، التي أدلى بها في واشنطن، بمزيج من التفاؤل المحسوب والواقعية السياسية. فإشارته إلى أن الأطراف “أقرب الآن مما كانت عليه في أي وقت مضى” توحي بوجود اختراق ما، ولو كان محدوداً، في جدار الجمود الذي طبع مسار الحرب طوال أكثر من ثلاث سنوات ونصف. غير أن استدراكه بأن “الأمر مسألة صعبة” يعكس إدراكاً أميركياً عميقاً لتعقيدات الصراع، وتشابك أبعاده العسكرية والسياسية والجيوسياسية.

ومن الناحية الدبلوماسية، تكشف المحادثات التي أجراها ترامب مع قادة أوروبيين، بينهم قادة ألمانيا، إلى جانب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عن محاولة أميركية لإعادة تنسيق المواقف الغربية، وتوحيد الرؤية بشأن ملامح أي تسوية محتملة.

وتدرك واشنطن أن أي اتفاق سلام لا يمكن أن يرى النور من دون غطاء أوروبي قوي، خاصة في ظل الأعباء الأمنية والاقتصادية التي تتحملها دول الاتحاد الأوروبي نتيجة استمرار الحرب.

وفي هذا السياق، تكتسب المحادثات التي جرت في برلين بين المفاوضين الأميركيين والأوكرانيين أهمية خاصة. فمناقشة خطة سلام مكوّنة من 20 نقطة تشير إلى انتقال النقاش من العموميات إلى التفاصيل، ومن تبادل المواقف السياسية إلى البحث في آليات عملية لإنهاء النزاع.

ويوحي وجود شخصيات قريبة من ترامب، مثل المبعوث الخاص ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر، بأن الرئيس الأميركي يولي هذا الملف اهتماماً شخصياً، ويسعى إلى الإمساك بخيوطه الأساسية بعيداً عن المسارات البيروقراطية التقليدية.

لكن غياب روسيا عن محادثات برلين يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى جدية فرص التقدم. فالتفاوض على خطة سلام من دون الطرف الرئيسي في الصراع يضعف من قيمتها العملية، ويجعلها أقرب إلى بلورة موقف أوكراني–غربي موحّد، تمهيداً لطرحه لاحقاً على موسكو.

ومن هنا، يمكن فهم إشارة ترامب إلى أن واشنطن “تحدثت بالفعل مع روسيا عدة مرات” على أنها محاولة لتأكيد أن قنوات الاتصال مع موسكو لا تزال مفتوحة، وأن الحوار مع الكرملين يسير بالتوازي، ولو بشكل غير معلن.

وسياسياً، يعكس هذا التحرك الأميركي رغبة في اختبار نوايا جميع الأطراف، من دون تقديم تنازلات مسبقة. فالولايات المتحدة تبدو حريصة على طمأنة كييف بأنها شريك كامل في أي مسار تفاوضي، وفي الوقت نفسه إبقاء الباب موارباً أمام موسكو، من دون الظهور بمظهر الطرف الذي يفرض شروطاً أحادية أو يتجاهل موازين القوى على الأرض.

وقد يحمل حديث ترامب عن التقدم في المفاوضات أيضاً بعداً داخلياً، مرتبطاً بإظهار قدرته على إدارة الأزمات الدولية الكبرى، والسعي إلى تسجيل إنجاز دبلوماسي في أحد أكثر الملفات تعقيداً في النظام الدولي الحالي. غير أن هذا البعد لا يلغي حقيقة أن الحرب الأوكرانية باتت تشكل عبئاً متزايداً على الاستقرار الدولي، وأن الضغوط لإنهائها تتزايد، سواء من داخل أوروبا أو في أوساط دولية أوسع.

وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن المسار التفاوضي بشأن الحرب في أوكرانيا دخل مرحلة جديدة، عنوانها الاستكشاف الحذر لإمكانيات السلام، لا القفز السريع نحو اتفاق نهائي. فالتقدم الذي يتحدث عنه ترامب لا يزال هشاً ومشروطاً، ويرتبط بمدى استعداد روسيا للانخراط الجدي، وبقدرة الغرب على الحفاظ على وحدة موقفه.

وبين التفاؤل الحذر والواقع الصعب، تبقى المفاوضات اختباراً حقيقياً لإمكانية إنهاء واحدة من أطول وأعقد الحروب في أوروبا المعاصرة.