أخبار اليمن

السبت - 13 ديسمبر 2025 - الساعة 12:24 م بتوقيت اليمن ،،،

عبداللاه سميح


أكدت مصادر يمنية رفيعة أن جهازا أمنيا تابعا لميليشيا الحوثي، رفع خلال الأسابيع القليلة الماضية تقريرا داخليا سريا إلى قيادته، يوصي فيه بـ"استثمار ملف الموظفين المحليين المحتجزين، والرهائن الأجانب، كورقة ضغط سياسية في مواجهة الولايات المتحدة".

ويشير مصدر أمني يمني، في تصريحات لـ "إرم نيوز" إلى أن التقرير (الذي اطلع على فحواه) يشترط بأن تكون "أي عملية إفراج عن هؤلاء المحتجزين في سياق صفقة أوسع"، تشمل ضمانات بعدم توسع الضربات الأمريكية، وتخفيف بعض العقوبات المالية، وعدم ملاحقة بعض القيادات الحوثية دوليا.

ويؤكد هذا التسريب أن الملف لم يعد أمنيا بحتا، بل تحول إلى ورقة تفاوض مباشرة مع واشنطن، تُستخدم ضمن استراتيجية أوسع لميليشيا الحوثي، لانتزاع اعتراف سياسي غير معلن.

على وقع التحولات الأمنية في محافظات اليمن الشرقية، تشهد هجمات تنظيم "القاعدة" الإرهابي ضد القوات المسلحة الجنوبية نقلة تكتيكية، بالدمج بين الهجمات الراجلة التقليدية واستخدام تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، كوسيلة إسناد واستهداف ميداني، في محاولة لإرباك المنظومة العسكرية والأمنية ورفع كلفة المواجهة.

وكشفت مصادر أمنية يمنية مطلعة، أن الانتشار العسكري الذي نفذته القوات الجنوبية الأسبوع قبل الماضي، في مناطق وادي وصحراء حضرموت ومحافظة المهرة، دفع "القاعدة" إلى تصعيد عملياته الإرهابية وتطوير أدواته في محافظتي شبوة وأبين، استجابة لضغوط مباشرة من حلفائه "الحوثيين".

وقالت المصادر لـ"إرم نيوز"، إن سيطرة القوات الجنوبية على هذه المناطق الشرقية شكّلت ضربة استراتيجية مزدوجة لكل من "القاعدة" وميليشيا الحوثيين، من خلال تهديد معاقل التنظيم التاريخية في شمال حضرموت، وقطع أحد أهم خطوط الإمداد اللوجستي والتهريب التي باتت تعتمد عليها الميليشيا الحوثية بشكل رئيس".

تعليمات حوثية
وأوضحت المصادر، أن قيادات رفيعة في جهاز الأمن والمخابرات التابع لميليشيا الحوثيين، أصدرت تعليمات مباشرة لتنظيم "القاعدة"، تقضي برفع وتيرة عملياتها الهجومية ضد القوات العسكرية والأمنية الجنوبية، في مسعى يهدف إلى تشتيت جهدها الاستراتيجي الذي أصبح يركّز على استهداف شبكات تهريب السلاح ومصادر التموين في المناطق المطلّة على مياه البحر العربي، وتعطيل تحركات الخلايا النشطة المرتبط بها.

وأضافت أن الجهاز الاستخباراتي الحوثي، الممسك بملف إدارة التحالف التكتيكي مع التنظيم، قدّم وعودا لشخصيات قيادية في "القاعدة" بتقديم دفعة جديدة من الدعم اللوجستي والتقني خلال المرحلة المقبلة، تشمل تزويد التنظيم بطائرات مسيّرة أكثر تطورا وبنطاق عملياتي أوسع، إلى جانب تقنيات مرتبطة بالمتفجرات والصواريخ الحرارية، في توجه واضح لتعزيز القدرة التدميرية للهجمات ورفع تأثيرها ضد ما يصفه الطرفان بـ"العدو المشترك".

شبكات تهريب محترفة
وذكرت المصادر، أن التشديد الدولي على حركة السفن المتجهة إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثيين، إلى جانب الرقابة المحلية المفروضة على القوارب في مياه البحر الأحمر، دفع الميليشيا إلى تحويل بوصلة التهريب باتجاه مياه البحر العربي، وتكثيف أنشطة نقل السلاح والتقنيات العسكرية المتبادل مع حركة "الشباب المجاهدين" في الصومال، عبر المناطق الشرقية.

وبحسب المصادر، تمر هذه الخطوط عبر سواحل المهرة، وصولا إلى صحراء الربع الخالي شمالي حضرموت، ومنها إلى مناطق نفوذ الميليشيا في محافظة الجوف، بواسطة شبكات تهريب محترفة، يقودها وسطاء على صلة وثيقة بالحوثيين منذ سنوات.

ويشير تقرير فريق خبراء مجلس الأمن الدولي المعني باليمن، الصادر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى أن "الحوثيين" أصبحوا الفاعل الرئيس والمتحكّم المركزي في أنشطة التهريب والتنسيق مع حركة الشباب وتنظيم "القاعدة"، في ظل تنامي العلاقات البينية بين هذه الأطراف، وبإشراف مباشر من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة للميليشيا، في إطار ما صفه التقرير بـ"استراتيجية الحوثيين القائمة على إحكام النفوذ عبر عقد التحالفات وتبادل الأدوار".

وعلى خلفية المعادلات الأمنية الجديدة التي فرضتها القوات الجنوبية شرق البلاد، نفّذ "القاعدة" وحلفاؤه، خلال الأسبوع الماضي، 6 هجمات متفرقة، غالبيتها بعمليات مزدوجة استهدفت مواقع عسكرية ونقاطا أمنية، أسفرت عن مقتل ضابطين و7 جنود، وإصابة ما لا يقل عن 10 آخرين، في تصعيد غير مسبوق يعكس حجم الرهان الذي يضعه التنظيم وداعميه لكسر هذا التحوّل الميداني.

إزالة الحاضنة
وقال المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الجنوبية، المقدم محمد النقيب، إن التصعيد العملياتي اللافت لتنظيم "القاعدة" مؤخرا يأتي ردّة فعل مباشرة على المتغيرات الميدانية بوادي حضرموت، بعد إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى وإنهاء ما وصفه بـ"الغطاء السياسي والعسكري الذي وفرته تلك القوات الإخوانية لتمدد التنظيمات الإرهابية".

وأوضح النقيب، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن مناطق شمال حضرموت، مثّلت على مدى عقود بيئة حاضنة وملاذات آمنة لعناصر القاعدة، مستفيدة من الاختلالات الأمنية البنيوية التي كرّستها القوات العسكرية الموالية لتنظيم "الإخوان المسلمين" في اليمن، لتسهيل حركة العناصر وإيوائهم واستخدامهم كورقة سياسية وهو ما حوّل تلك المناطق إلى بؤر تهديد مباشر لأمن الجنوب، وعامل إرباك مزمن يقوّض الاستقرار ويُطيل أمد الصراع.

وأشار إلى أن الهجوم الأخير الذي نفذته القوات الموالية للإخوان أمس الجمعة، ضد قوات "دفاع شبوة" في منطقة عارين الواقعة بين محافظتي شبوة ومأرب، جاء وفق نمط عملياتي مطابق للتكتيكات التي اعتمد عليها تنظيم "القاعدة" في هجماته الأخيرة.

عملية "المستقبل الواعد" 
وذكر النقيب، أن هذه التكتيكات تجمع بين الهجمات البرية، تزامنا مع استخدام الطائرات المسيّرة كوسيلة إسناد ناري، وهو الأسلوب الذي تكرر في هجمات "القاعدة" بالمصينعة بشبوة ووادي عومران شرقي أبين، خلال الأسبوع المنصرم.

وأكد النقيب، أن عملية "المستقبل الواعد" حققت أهدافا ذات قيمة أمنية عالية على المستويين الوطني والإقليمي، تمثّلت في تفكيك أحد أخطر أوكار "القاعدة" التقليدية في وادي حضرموت، إلى جانب تأمين المناطق الاستراتيجية ووقف مسارات تهريب السلاح الإيراني المتجه إلى ميليشيا الحوثي.

وأضاف، أن إحكام السيطرة على وادي حضرموت لا يقتصر على البعد العسكري فحسب، بل يُشكّل نقطة تحوّل استراتيجية تضع حدّا لنزيف الثروات النفطية لأبناء الجنوب، وإنهاء استثمارها في صالح الجماعات المتطرفة، "ما مكّنها طوال السنوات الماضية من التحايل على العقوبات الدولية ومواصلة تدفّق الأسلحة والتمويل عبر شبكات تهريب غير مشروعة".

أضرار مزدوجة
بدوره، يعتقد المحلل العسكري، العقيد محسن الخضر، أن تعاطي القاعدة مع مطالب ميليشيا الحوثيين، لا يندرج في سياق اندفاع أيديولوجي، بل جاء نتيجة لحسابات مصلحية دقيقة فرضتها المتغيرات الميدانية الأخيرة.

وقال الخضر لـ"إرم نيوز"، إن تقدم القوات الجنوبية في المحافظات الشرقية، ألحق أضرارا مباشرة ببنية التحالف غير المعلن بين ميليشيا الحوثيين والتنظيمات المتطرفة، عبر تفكيك الحركة الآمنة التي كانت تستفيد منها "القاعدة"، وبتر مسار الإمداد الحيوي للطرفين، ما دفع "الحوثيين" إلى تفعيل ورقة "القاعدة" كخيار اضطراري لإرباك المشهد الأمني.

وبيّن أن التنظيم يجد في هذا الطلب فرصة مزدوجة، فمن جهة يسعى إلى إعادة فرض نفسه لاعبا فاعلا بعد مرحلة من الانحسار، ومن جهة أخرى يضمن عبر التصعيد استمرار تدفّق الدعم اللوجستي والتقني الذي توفره له الميليشيا، سواء مجال السلاح أو التدريب أو تأمين الملاذات.

حرب استنزاف
وبحسب الخضر، فإن "الحوثيين" يعوّلون على "القاعدة" لتنفيذ حرب استنزاف منخفضة الكلفة ضد القوات الجنوبية، تقوم على الضربات المتفرقة والتكتيكات غير المتكافئة، بهدف منع القوات من تثبيت معادلات أمنية مستقرة في المناطق المحررة حديثا.

وأشار إلى أن استخدام التنظيم لتكنولوجيا الطيران المسيّر يمثّل أخطر محطات التحوّل في مسار تهديده الراهن، نظرا لما يحمله من تغيير نوعي في طبيعة المواجهة الأمنية التي تمكّنه من إحداث تأثير مضاعف مقارنة بأساليبه التقليدية.

وحذر الخضر من أن استمرار تداخل شبكات الإرهاب والميليشيات المسلحة دون إيجاد مقاربات إقليمية ودولية أكثر صرامة لتفكيكها، قد يحوّل مخرجاتها إلى تهديد أمني عابر للحدود يتجاوز الإطار المحلي لليمن.