أخبار وتقارير

السبت - 13 ديسمبر 2025 - الساعة 12:18 م بتوقيت اليمن ،،،

إرم نيوز


أكدت مصادر يمنية رفيعة أن جهازا أمنيا تابعا لميليشيا الحوثي، رفع خلال الأسابيع القليلة الماضية تقريرا داخليا سريا إلى قيادته، يوصي فيه بـ"استثمار ملف الموظفين المحليين المحتجزين، والرهائن الأجانب، كورقة ضغط سياسية في مواجهة الولايات المتحدة".

ويشير مصدر أمني يمني، في تصريحات لـ "إرم نيوز" إلى أن التقرير (الذي اطلع على فحواه) يشترط بأن تكون "أي عملية إفراج عن هؤلاء المحتجزين في سياق صفقة أوسع"، تشمل ضمانات بعدم توسع الضربات الأمريكية، وتخفيف بعض العقوبات المالية، وعدم ملاحقة بعض القيادات الحوثية دوليا.

ويؤكد هذا التسريب أن الملف لم يعد أمنيا بحتا، بل تحول إلى ورقة تفاوض مباشرة مع واشنطن، تُستخدم ضمن استراتيجية أوسع لميليشيا الحوثي، لانتزاع اعتراف سياسي غير معلن.

اعتقالات "مُدارة" وغير عشوائية

يكشف المصدر الأمني أن عملية اعتقال الموظفين المحليين العاملين سابقا في السفارة الأمريكية لم تكن "رد فعل محدودا" كما حاولت الميليشيا تصويرها، بل جزءا من خطة تم إعدادها مسبقا، عقب بدء الهجمات الأمريكية – البريطانية على مواقع الحوثيين.

وتفيد المعلومات التي حصل عليها "إرم نيوز" بأن الأمن الوقائي الحوثي أعد قائمة بثلاث فئات من الأشخاص المطلوبين، تشمل موظفين محليين سابقين في السفارة أو الوكالات الأمريكية، ويمنيين يعملون في منظمات دولية قد تُستخدم ملفاتهم كورقة ضغط، وأجانب يمكن استهدافهم في المناطق الخاضعة لميليشيا الحوثي عبر وسطاء محليين.

ويقول المصدر: "الجماعة تدرك أن الجانب الأمريكي حساس جدا تجاه ملف الرهائن، لذلك ترى فيه وسيلة لردع الضربات العسكرية وليس فقط لتحسين موقعها السياسي".

خريطة "اقتصاد الرهائن"

بحسب مصادر أممية ويمنية متطابقة، تحتجز ميليشيا الحوثي حاليا ما لا يقل عن 15 أجنبيا من جنسيات آسيوية وإفريقية وغربية، معظمهم يعملون في إطار أنشطة أممية أو إنسانية، إلى جانب نحو 59 موظفا يمنيا محليا يعملون أو عملوا سابقا مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية، وُجهت إليهم اتهامات فضفاضة تتعلق بـ"التواصل مع الخارج" أو "التجسس".

وتشير تقارير حقوقية وأمنية إلى أن العدد الإجمالي للمحتجزين على خلفيات سياسية وأمنية، خلال العامين الأخيرين، قد يتجاوز 75 شخصا، بين موظفين دوليين، بحّارة، وعاملين في منظمات إغاثية.

وتتم عمليات الاحتجاز في شبكة سجون متعددة، أبرزها مرافق احتجاز سرية ورسمية في صنعاء، تخضع لإشراف جهاز "الأمن الوقائي" الحوثي، إضافة إلى مواقع أخرى في صعدة والحديدة، حيث يُعتقد أن بعض الرهائن الأجانب يُحتجزون بعيدا عن أعين المنظمات الدولية.

وتؤكد مصادر مطلعة أن تعدد أماكن الاعتقال وتغيّرها المتكرر يهدف إلى تعقيد أي مسار تفاوضي أو إنساني، وتعزيز قدرة الميليشيا على استخدام المحتجزين كورقة ضغط سياسية وأمنية في مواجهة المجتمع الدولي. 

واشنطن تستشعر النمط

من جهتها، تكشف مصادر سياسية يمنية مطلعة على الاتصالات بين واشنطن ومسؤولين أمميين في اليمن، أن الولايات المتحدة بدأت ترى في سلوك الحوثيين "نمطا ثابتا ومقلقا" يقوم على ثلاث مراحل؛ الاعتقال ثم الغموض ثم الإيحاء بإمكانية الوساطة عبر طرف ثالث.

وتنقل المصادر السياسية عن أحد الدبلوماسيين العرب قوله: "من الواضح أن الحوثيين يحاولون بناء نسخة خاصة بهم من مفاوضات الرهائن التي خاضتها حركات أخرى في المنطقة، وخاصةً حزب الله".

وتشير المعلومات إلى أن واشنطن أسندت إدارة الملف إلى فريق صغير من وزارة الخارجية، يتعامل معه كملف "مرتفع الحساسية" لا يقل خطورة عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر.

تحوّل في العقل الأمني للحوثيين

ما يثير الانتباه، وفقا للمصدر الأمني، هو أن ملف الرهائن لم يُترك تحت إدارة الأجهزة الأمنية وحدها، بل دخل في دائرة النقاش داخل "المكتب السياسي للميليشيا الحوثية"، ما يدل على أن القيادة باتت ترى في الملف أداة سياسية كاملة، وليس مجرد حالة أمنية.

ويشير المصدر بناء على ذلك، إلى ثلاث خلاصات رئيسة في تفكير الحوثيين، أبرزها الضغط على واشنطن لتحسين شروط المواجهة في البحر الأحمر، وانتزاع مكاسب إنسانية واقتصادية مثل تسهيلات في التحويلات المالية أو المساعدات، و"تطبيع محدود" على المستوى الدبلوماسي عبر وسطاء إقليميين دون الاعتراف الرسمي بالحوثيين.

ويوضح بأن "الحوثيين أدركوا أن واشنطن لن تتفاوض معهم على ملف السلاح، لكنها قد تتفاوض على ملف الرهائن".

كيف يُدار ملف التفاوض؟

وفقا لمراقبين، تتّبع ميليشيا الحوثي آلية متكررة في هذه الملفات تقوم على إطلاق إشارات مبهمة حول وضع المحتجزين، ونفي وجود أي مفاوضات، ثم فتح نافذة عبر طرف ثالث، ثم طرح مطالب تدريجيا بعد أن يشتد الضغط الدولي.

وتشير المعلومات التي حصلت عليها "إرم نيوز" إلى أن الحوثيين طرحوا خلال الأسابيع الماضية ثلاثة شروط أولية عبر وسيط إقليمي، طالبوا من خلالها بتخفيف بعض العقوبات الفردية على قيادات اقتصادية داخل الميليشيا، وعدم استهداف بعض المواقع الحساسة في صعدة والحديدة، واحترام خطوط التماس البحرية وعدم توسيع عمليات اعتراض السفن.

وتؤكد المصادر أن هذه الشروط "ليست نهائية لكنها تعكس طريقة تفكير الحوثيين". 

قلق دولي متصاعد

لا يقتصر ملف الرهائن على الموظفين اليمنيين بل يشمل بحّارة من جنسيات آسيوية وأفريقية، مالكي سفن احتُجزت بشكل غير رسمي، وعمالا في منظمات دولية خضعوا للاستجواب والمضايقة.

وتؤكد المصادر السياسية أن بعض عمليات الاحتجاز لم تكن لأهداف سياسية، بل لمقايضات اقتصادية مباشرة مثل دفع فدية، أو تبادل معدات، أو الحصول على تسهيلات لوجستية.

هذا التوسع في “اقتصاد الرهائن”، كما يسميه الخبراء، يهدد -بحسب الأمم المتحدة - بفتح فصل جديد من عدم الاستقرار في البحر الأحمر، لأن الحوثيين "باتوا يمتلكون خبرة في إدارة الملفات البشرية المعقدة".

إلى أين يتجه الملف؟

المؤشرات الحالية، وفق المصادر السياسية اليمنية، تذهب نحو ثلاثة احتمالات؛ أولا التوصل لصفقة جزئية تقوم على إطلاق دفعة من الموظفين المحتجزين مقابل تخفيف بعض الضربات أو العقوبات، عبر وساطة إقليمية. أو حصول تعقيد في الملف، كأن تصعّد واشنطن ضرباتها بعد أي هجوم حوثي جديد، فيلجأ الحوثيون إلى توسيع دائرة الاعتقالات لرفع مستوى الضغط.

أما المسار الثالث للملف، فيتجه نحو تدويل كامل؛ عبر فتح قناة أممية أو أوروبية مستقلة، خاصةً إذا تورط رعايا أجانب إضافيون. لتخلص المصادر إلى القول بأن "الحوثيين لن يفرجوا عن الرهائن بلا مقابل.. المسألة ليست أمنية، بل سياسية بامتياز".