حكاية الزُربيان العدني
الإثنين - 08 سبتمبر 2025 - الساعة 12:13 م
بلال غلام حسين
يُقال إن أصل طبخة الزربيان تعود إلى بلاد فارس قبل أكثر من أربعة قرون، ثم انتقلت إلى الهند قبل نحو مئتين وخمسين عاماً .. كانت هذه الوجبة غذاءً أساسياً للجيوش الفارسية الضخمة أثناء الحروب، إذ احتاج الجنود إلى طعام يجمع بين البروتين والكربوهيدرات من اللحم والأرز والبطاط، ليمدهم بالطاقة لفترات طويلة أثناء الحروب التي كانوا يخوضونها ..
وكان اسمها الفارسي القديم "بريان"، أعتمد الهنود نفس المُسمى الفارسي، وأضافوا له حرف الياء في الأخير، فتحولت عندهم التسمية إلى "برياني", بينما أضاف إليها أهل عدن كلمة "رز" فأصبحت "رزبريان"، قبل أن تتحول لاحقاً إلى "زربيان".
كان الزربيان يُطهى في قدور ضخمة تُسمى "الديج" أو باللهجة العدنية "دست الزربيان"، وتُغلق بإحكام بالعجين لتسريع نضجها، ويُحضرها طباخون مختصون في الأعراس والمناسبات الكبرى.
ومع توافد العديد من المهاجرين الهنود إلى عدن قبل الاحتلال البريطاني بسنوات، انتقلت هذه الوصفة إلى المدينة، وتعلمها السكان العرب العدنيون وأضافوا إليها بعض المسات المحلية البسيطة .. وتبدأ طقوس طباخة الزربيان في يوم "الصبحية" خصوصاً، وكان يتم الإعداد له في مخدره في الشارع، أمام البيوت التي تُعقد فيها الأعراس، بينما في العصر الحديث يُشترى جاهزاً من المطاعم.
وتعتمد الطبخة تقليدياً على لحوم الأغنام الصومالية (البرابر) المستوردة من الصومال أو الكباش الأسترالية الضخمة المعروفة في عدن باسم "الديجول" .. وكان الميسورون يشترون "البرابر" لارتفاع سعرها وجودتها، فيما اعتمدت الطبقات المتوسطة على الأسترالي لرخصه وتوافره في تلك الفترة.
اشتهر في عدن عدد كبير من الطباخين المهرة القُدامى من أمثال: باوزير، عبده الكبه، علي ماجد، البهري، حنيف، عبده سيف، عبدالرزاق، وكامل الدبعي، والحضرمي بالكسح، عبده قدسي وغيرهم من الطباخين الكبار الذين لا يسع المجال لذكرهم جميعاً .. كان هؤلاء يتولون تجهيز الولائم في الأعراس وغيرها، فيشتري رب الأسرة عدد الذبائح، بينما يتكفل الطباخ بشراء البهارات ومستلزمات الطهي لقاء أجره .. وكان لحم الغنم الصومالي والأسترالي مميزاً بطعمه وشحمه، خصوصاً "سُبلة البربري" التي تُغني عن استخدام الزيت أو السمن.
كان الطباخ يبدأ عمله بعد صلاة الفجر بمساعدة صبي صغير يُدعى "البوي"، حيث كان يقوم المساعد بتقطيع البصل والبطاط، فيما يُحضر الطباخ خلطة البهارات (المسالا) التي تشمل القرفة، الكمون، الشمار، زهر الليمون، الزبادي، الكاري، الفلفل الأحمر، الملح، القرنفل، الهيل، الفلفل الأسود والزعفران، مع الزنجبيل والثوم .. يُمزج اللحم مع البطاط والبهارات ويُترك حتى الساعة الحادية عشرة صباحاً ليتخمر.
خلال ذلك، يُغسل الأرز ويُنقع، وتُشعل النار بخشب السُمر، ثم يُطهى اللحم نصف طهي، ويُجهّز الأرز نصف غلي، وبعدها تبدأ عملية "التفويح" في القدر الكبير، طبقة من الأرز، ثم اللحم والبطاط مع البهارات، ثم أرز، وهكذا حتى يمتل القدر، وبعدها يُرش الزعفران لإضفاء اللون، ثم البصل المقلي لإضافة النكهة، وتُضاف قطع الشحم الصومالي الفاخر لتذوب بين المكونات. وأخيراً يُغلق القدر بالعجين ليحتفظ بالرائحة.
وكان من عادات أهل عدن في تلك الفترة الجميلة أنهم في الأعراس يُعدون الزربيان بكميات كبيرة ويوزعونه على الأهل والجيران وأهل الحي، في مشهد يعكس روح التكافل الاجتماعي والدفء الإنساني الذي ميز تلك الحقبة الذهبية من تاريخ المدينة.
اهم الاخبار - صحيفة عدن حرة