عرب وعالم

السبت - 17 مايو 2025 - الساعة 03:54 م بتوقيت اليمن ،،،

وكالات


رفعت العاصمة الليبية طرابلس صوتها عاليا في “جمعة الحسم”، حيث أعلنت إسقاط الشرعية عن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، وطالبت رئيسها عبدالحميد الدبيبة بالاستقالة فورا، وبتحمل مسؤوليته كاملا تجاه الأحداث التي عرفتها المدينة قبل أيام وأدت إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى وانتشار الفوضى وتسجيل خسائر فادحة في الأملاك العامة والخاصة.

ودعا المتظاهرون في ميدان الشهداء بوسط العاصمة إلى تشكيل حكومة موحدة، وتوحيد مؤسسات الدولة، وتهيئة الظروف الملائمة لحلحلة الأزمة السياسية والانطلاق نحو تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية يتحمل من خلالها الشعب مسؤوليته في اختيار قياداته للمرحلة القادمة.

ووصلت حشود المتظاهرين من مدن غرب البلاد إلى وسط العاصمة طرابلس في ظل دعوات متواترة للاعتصام في الشوارع والميادين إلى حين استقالة حكومة الدبيبة وفسح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة تكون محل إجماع القوى والأطراف السياسية.

وشهدت منطقة سوق الجمعة حشودا ضخمة طالبت بإسقاط الحكومة وتنظيم الانتخابات، وشارك فيها متظاهرون من السكان المحليين ومن مدن أخرى وصلوا منذ الخميس ليكونوا في الوعد مع “جمعة الحسم”.

كما وصل المتظاهرون من ورشفانة عبر منطقة الحشان، ومن الزاوية وصرمان وصبراتة ومدن وقرى الجبل الغربي في تجمع وصفه شهود عيان بأنه الأول من نوعه منذ العام 2011 من حيث مستوى الحضور وصلابة الموقف وقوة الشعارات المرفوعة.

وقال متظاهرون إنهم ساروا عشرات الكيلومترات مترجلين من مدن غرب ليبيا إلى وسط العاصمة لإعلان موقفهم المنادي باستقالة الدبيبة وإنهاء مرحلة العبث والفساد التي عرفتها البلاد خلال فترة حكمه، وملاحقة المتورطين في قتل المدنيين والتفريط في سيادة الدولة ونهب مقدراتها.

واعتبر الكاتب الصحافي والمحلل السياسي عيسى عبدالقيوم، أن “دعم حراك إسقاط حكومة الدبيبة أهم واجب في هذا العام،” مضيفا “ليس دعماً لشخص أو جهة أو أجندة.. إنما لفتح الأفق أمام تغيير شامل في المشهد السياسي.”

وأفاد عبدالقيوم أن “هذه الحكومة تعفنت وبدأت منذ مدة في نقل تعفنها إلى بقية الجسد الليبي،” مشيرا إلى أن “إزالة هذا التعفن بداية للتشافي، وخطوة نحو استعادة العافية السياسية،” وتابع “نعم لإسقاط هذه الحكومة الفاشلة الفاسدة من أجل فتح الأفق السياسي أمام تغيير شامل.. نجدد عبره الشرعية ونضمن سلامة الوطن، ونسعى لأن ينتهي بانتخابات حرة.. ودولة مدنية ودستور جديد.”

وأكد جهاز دعم المديريات التابع لوزارة الداخلية إنه لن يتهاون مع كل من يحاول العبث بالممتلكات العامة والخاصة، وسيتعامل بحزم مع الساعين لزعزعة الاستقرار أو المساس بأمن البلاد. وأضاف في بيان صادر عنه أنه لن يتساهل مع المندسين والمجرمين الذين يحاولون جرّ البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، زاعما أن “ثمة حملات ممنهجة لتحريض المواطنين على الفوضى والنهب والإضرار بالممتلكات.”

ورد ناشطون أن عمليات النهب والسلب التي عرفتها العاصمة طرابلس الاثنين الماضي كانت تقف وراءها ميليشيات موالية للدبيبة وحكومته عبثت بالممتلكات العامة والخاصة في حي أبوسليم بعد استباحته بشكل ذكّر السكان المحليين بما جرى على إثر الإطاحة بالنظام السابق في العام 2011.

وبحسب مراقبين، فإن الحشود التي خرجت للمشاركة في جمعة إسقاط الحكومة، أثبتت أن حاجز الخوف قد انهار، وأن الشعب الليبي أدرك ما يجب عليه القيام به من حراك اجتماعي وسياسي نشط لفرض إرادته وإيصال صوته إلى المجتمع الدولي، مؤكدا أن زمن الصمت والتنازل قد انتهى وأن لحظة الحسم التاريخي من أجل استعادة الدولة قد أزفت، رغم محاولات تيار الإسلام السياسي عرقلة التحركات الشعبية عبر خطاب ديني متشنج الهدف منه تأمين بقاء الحكومة ورئيسها.

ويرى المراقبون أن خروج تلك الأعداد الضخمة من المتظاهرين إلى الشوارع أكدت فشل دار الإفتاء الليبية ورئيسها الصادق الغرياني في إثناء الشعب عن رغبته.

وكان الغرياني قال في فتوى إنه “يدعو جميع المواطنين إلى التزام بيوتهم وعدم المشاركة في ما سماها بـالمظاهرات المشبوهة” واعتبر أن “من يدعون إلى الخروج إليها هم إما جهات مشبوهة، وإما انقلابيون يعملون لتمكين مجرم الحرب حفتر، وإما أناس لا يقدّرون المصلحة الشرعية” مردفا أن “كل من يخرج في هذه المظاهرات، أو يشارك فيها، مسؤول شرعاً على كل ما يترتب عليها من انتهاك للحرمات، واعتداء على الأموال، ومناصرة للظالمين والركون إليهم.”

وجاءت فتوى الغرياني بطلب مباشر من الدبيبة أبلغها إياه وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي الذي قاد خلال اليومين الماضيين جهودا واسعة لإقناع الليبيين بعدم الخروج إلى الشوارع.

وادّعى عضو دار الإفتاء عصام الصاري أنه لا تجوز المشاركة في مظاهرات الجمعة لما يسمَّى “جمعة إسقاط الحكومة”؛ لا دفاعًا عن الحكومة، ولكن لما في إسقاطها من مفاسدَ جمة.

سياسيا، تحدثت مصادر مطلعة عن وجود اتفاق مبدئي بين مجلسي النواب والدولة على تكليف النائب العام الصديق أحمد الصور بتشكيل الحكومة الموحدة التي ستتولى الحكم لمدة عامين يتم خلالها توحيد مؤسسات الدولة وتنظيم الانتخابات.

وأصدر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قرارا بتشكيل لجنة مؤقتة تضم سبعة من أعضاء المجلس عن المنطقة الغربية، لتتولى مهمة التعامل مع تداعيات الاشتباكات المسلحة التي شهدتها المدينة خلال الأيام الماضية.

وستضطلع اللجنة، التي يرأسها النائب الصديق مفتاح حمودة، بمهام دقيقة تشمل متابعة الواقع الميداني في مناطق الاشتباك، وتقديم الدعم الإنساني العاجل للسكان المتضررين، إلى جانب الانخراط في جهود التهدئة والحوار بين الأطراف المتصارعة، بالتنسيق مع قنوات محلية ودولية.

ويحمل القرار الرقم 38 لسنة 2025، وينص على التزام اللجنة برفع تقارير عاجلة ودورية إلى رئاسة مجلس النواب، إلى حين انتهاء الأزمة، على أن تقدم تقريرًا نهائيًا يقيّم الحدث ويضع توصياته.

ويعقد مجلس النواب الاثنين القادم جلسة عامة من المنتظر أن يطغى عليها الوضع الأمني والسياسي بالعاصمة طرابلس، واستبق أعضاء المجلس عن المنطقة الغربية الجلسة المنتظرة بالإعلان عن دعمهم الكامل لمطالب المتظاهرين الذين طالبوا بإنهاء الفساد وسوء الخدمات.

وقال النواب في بيان إن ما شهدته طرابلس ومدن أخرى من حراك شعبي هو نتيجة طبيعية لتدهور الأوضاع المعيشية واستمرار الأزمة السياسية، محملين الحكومة التنفيذية في المنطقة الغربية المسؤولية الكاملة عن الإخفاق في تلبية الحد الأدنى من تطلعات المواطنين في ظل الأزمات الاقتصادية والخدمية المتفاقمة.

وطالب النواب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين على خلفية مشاركتهم في التظاهرات، مؤكدا ضرورة البدء الفوري في عملية سياسية شاملة تضع البلاد على مسار انتخابات حقيقية نزيهة تنهي المراحل الانتقالية المتكررة، وتنقل السلطة إلى مؤسسات شرعية وفق جدول زمني واضح.

ودعت كتلة التوافق الوطني بمجلس الدولة كافة الأطراف في العاصمة طرابلس وخارجها إلى ممارسة أعلى درجات ضبط النفس، مؤكدة أن الأولوية الآن هي حقن الدماء والحفاظ على النسيج الاجتماعي وصون الممتلكات العامة والخاصة.

وطالبت الكتلة في بيان لها مختلف التشكيلات المسلحة بالعودة إلى ثكناتها فورًا، وحمّلت الدبيبة المسؤولية السياسية والأخلاقية عن الأحداث الجارية، مؤكدة أن قراراته زرعت بذور الفتنة والتفرقة وتسببت في تصاعد التوتر والاقتتال بين أبناء المجتمع.

ودعته إلى الاستقالة الفورية وتسليم السلطة لنائبه أو للمجلس الرئاسي، تمهيدًا لمرحلة انتقالية قصيرة ومحددة زمنيًا، تكون بوابة نحو انتخابات وطنية تنهي المرحلة الحالية وتؤسس لحل سياسي شامل.

وأعربت تنسيقية الأحزاب السياسية في ليبيا عن قلقها العميق من الاشتباكات المسلحة التي شهدتها العاصمة طرابلس يوم الاثنين 12 مايو، ما أدى إلى سقوط ضحايا وترويع السكان وتدمير الممتلكات.

وحمّلت التنسيقية، الجهات المدنية والعسكرية المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع، داعية إلى إخراج التشكيلات المسلحة من المدن ووقف العنف فورًا، مطالبة البعثة الأممية بتفعيل دورها في تسهيل الحوار السياسي وإنهاء حالة الانقسام.