أخبار وتقارير

الأربعاء - 24 أبريل 2024 - الساعة 04:06 م بتوقيت اليمن ،،،

أ. د. عبدالله عبدالله عمر


العبد والسيد في شعر شعراء السلطنة العبدلية قال الأول:
ليه تبكي وأنت سيد
واللي حولك عبيد
وقال الثاني:
ليه يا سيدنا الباب مردود
ويقول الثالث:
أنا بأكون لك بالإيد
مثل الخيتم السحري
أنا عبدك وأنت السيد
إذا ناديت أنا بأجري..
يتميز شعر شعراء السلطنة العبدلية بمزايا كثيرة منها خلعه دلالات جديدة علی ألفاظ فصيحة أو عامية
لم تُعرف من قبل في الشعر،
ومنها ترداد ألفاظ تحاكي البيئة التي عاشها الشعراء
ومن الألفاظ التي تم توظيفها في الشعر اللحجي محاكية حياةً عاشوها في ظل السلطنة، لفظي (العبد) و (السيد)، و يرجع السبب الرئيس في توظيف هذين اللفظين علی وجه الخصوص أنّهما يرتبطان بطبقات المجتمع اللحجي إبّان السلطنة العبدلية وحكمها؛ إذ انقسم المجتمع في ظل سلطان وحاشية سلطان إلی طبقات، ومن تلك الطبقات طبقتي السلاطين (السادة) ومفردها السيد ولا يشترط بالسيد ضد العبد.
والطبقة الثانية حاشية السلاطين ومن يقوم بإدارة شؤون السلاطين، ومنهم من تعظيمه لجناب السلطان يطلقون عليه (عبد) ولا يشترط بالعبودية هنا ضد الحرية؛ لأنّ السلطنة العبدلية كانت في بلد ليس فيه عبودية العصر الجاهلي، بل إنّ مصطلحي عبد وسيد هو محاكاة لما يتمتع به كل فرد من أفراد الطبقتين.
مفهوم السيد والعبد في الشعر اللحجي
وبعد التوطئة عن السيد والعبد آنفا نشرع في تحليل عدد من الأبيات الشعرية التي جاء فيها ذكر اللفظين (عبد وسيد).
يقول أحدهم

أنا بأكون لك بالإيد
مثل الخيتم السحري
أنا عبدك وأنت السيد
إذا ناديت أنا بأجري

يستهل الشاعر هذا المقطع بالتصريح لمحبوبه أنّه رهن إشارته وتحت طاعته وأمره
ولتأكيد ما قرره علی نفسه أتی بضمير المفرد المتكلم المنفصل (أنا) ثم أكمل استهلاله ب (أنا) بذكر ما يستلزم أنا من الطاعة، فسيكون بيده شبيه الخيتم السحري وفي تقديم شبه الجملة (الإيد) أي اليد وجه بلاغة أضفی علی البيت فائدتين:
الأولی: فائدة موسيقية وانتظام للوزن وتناسق في الصوت ويتضح ذلك لو غيّرنا موضع شبه الجملة (بالإيد) فأخّرناه قائلين:
أنا بأكون لك مثل الخيتم السحري بالإيد
فقدّمنا المشبّه به (الخيتم السحري) قبل موضع وجوده (الإيد) لما كان للبيت رنة موسيقية.
والفائدة الثانية: أنّ تقديم (بالإيد) أفاد تخصيص الموضع الذي سيكون فيه رهن الإشارة، ويكفي بتحديد الموضع دلالة علی رغبة الشاعر في الإعلان أنّه طيِّع يستجيب لما يريد صاحبه.
فتقديم (الإيد) يشعر ببيان المشبه به (الخيتم) قبل ذكر لفظه.
وفي البيت تشبيه مشبه (أنا) ومشبه به (الخيتم السحري)
واختيار الخيتم ملزم للشاعر لاختيار الإيد؛ إذ لا يصلح للإيد إلا الخيتم.
وفي اختيار الخيتم إشارة إلی أنّ الشاعر صار مثل العبد يُحرِّكه صاحب الخيتم كيفما يشاء وفيه تصاغر الشاعر وإذلال نفسه لسيده (محبوبه) حتی صار خيتمًا يُقلبه مالكه كيفما شاء، وهذا يوحي لنا بوجود تماسك نصي ، فذكر الإيد والخيتم والكينونة إشعار بالعبودية
ففي ذكر الخيتم رمز للعبودية ووجه الاستدلال أنّ حال العبد مع سيده الإذعان والطاعة وهو حال الخيتم.
وقوله:(السحري) ملمح بلاغي عالي الأهمية، إذ أنّ هذا الخيتم مستعد لتلبية كل رغبات مالكه ويمتلك قدرة خارقة في تنفيذ كل ما قد يطلبه مالكه فهو مثل الخيتم السحري.
إنّ الشاعر اللحجي في جمعه بين لفظتي (الخيتم) و (السحري) بُعد نظر و دقة حس مرهف في استبطان الدلالات في الجمع بين لفظ خيتم ولفظ سحري، فقد اشتهر جني الخيتم ولا يكون ذلك إلا في السحر.
وبعد أن أشعر الشاعر (العبد) (سيده) بما يحمله مصطلح العبودية والسيادة ذهب يُصرّح بلفظهما فقال:
أنا عبدك وأنت السيد

روعة في اختيار موضع هذا البيت وفي اختيار تقديم الاعتراف بالعبودية قبل ذكر السيادة لمحبوبه.
جملتان فصيحتان اسميتان تخالفتا في الضمير ، فالأولی بُدئت بضمير منفصل متكلم (أن) والثانية بُدئت بضمير منفصل مخاطب (أنت).
إنّ تقديم جملة (أنا عبدك) دلالة علی ما يختلج في وجدان الشعر من الرغبة في التصريح لمحبوبه بالطاعة التامة والإذعان اللتين يمثلهما لفظ العبد، وجاء تأخير مخاطبة محبوبه بأنّه سيد
التي قد وصل معناها قبل وصول لفظها، فحين يسمع المحبوب جملة (أنا عبدك) تلتصق في ذهنه أنّه سيد بغض النظر عن إتيان لفظة (سيد) أو عدم إتيانها، فبعد أن تلامس جملة (أنا عبدك) مسامع المحبوب وتتهيّأ نفسه لاستقبال الإعلان الصريح والاعتراف الذي لا تشوبه شائبة شك، فيستقر في نفسه أنّه سيد.
ولم يقتصر الشعر عن الإعلان عن برتوكل العبودية إعلاميًا، بل تبعه بذكر أحد أفراد طاعته لسيده فقال:
أنا بأكون لك بالإيد
مثل الخيتم السحري
أنا عبدك وأنت السيد
إذا ناديت أنا بأجري
فبعد الأعلان رسميًا عن أنّه عبد ( السمع الطاعة) قال:
إذا ناديت أنا بأجري
أكمل الشطر الرابع ليربط الثلاث الأشطر، ويُظهِر فيها التماسك النصي.
فهو رهن الإشارة وتوجيه الأمر فمتی ما ينادي محبوبه، فإنّه سيجري للإسراع في تلبية دعوی محبوبه، ولتأكيد صدق إعلانه للعبوية المستلزمة طاعته.
وقول الثاني:
ليه يا سيدنا الباب مرود

فيه نداء للسيد والرغبة في معرفة سبب كون الباب مردودًا، ولا يلزم أنّه مغلق، وإذا قلنا: إنّ الباب مغلق، لكن تأدُّب الشاعر وتأكيدًا لحقيقية أنّه عبد ومحبوبه سيد، و فيه حسن ملاطفة محبوبه ذكر لفظة (مردود) وفيه إظهار حُسن خلق السيد أنّه لم يغلق الباب وفي الوقت نفسه إظهار حسن خلق العبد، الذي ما تجاسر علی ذكر لفظ (مغلق) الذي قد يكون فيه إساءة للسيد وسوء أدب.
ثم إحتمال أن يكون الذي رد الباب ليس السيد ولا بأمر منه ، فقد يكون مردودًا بفعل الرياح أو شخص آخر لم يقصد برده الباب أمر سوء.
ثم إنّ تساؤل الشاعر عن سبب رد الباب، فيه أدب في الاستعلام وفيه تذكير للسيد لعله لم يعلم بأنّ بابه مردود،
وذكر أنّ الباب مرود فيه دلالة علی أنّ أبواب السيد المقصود بهم السلاطين مفتوحة علی مدار الساعة لكل الرعية.
فالسؤال جاء لحالة مستثناة وغريبة.
ما أروع هذا البيت الذي يحمل دلالات كثيرة ألمحنا إلی بعضها.
و يكتمل توظيف السيد في الشعر اللحجي بقول الشاعر:
ليه تبكي وأنت سيد
واللي حولك عبيد
كلمة (ليه) وإن كانت عامية غير إنّ موضعها في الشعر اللحجي له موقع بليغ تؤديه صوتيًا ودلاليًا.
الشاعر جعل كل من يعيش حول محبوبه عبيد
وطالما المحبوب سيد، فما داعي للبكاء.
وإعطاء المحبوب هذه صفة أنّه سيد و أنّ كل من حوله عبيد مبالغة رائعة.
وفيه دلالة أنّ تحقق السيادة لا يعني تحقق كل ألوان الفرح والسعادة
فقد تجد عبيد وضعهم النفسي والوجداني أفضل بكثير من سادة ملكوا العبيد واستعبدوا الأحرار.
فالبيت في الدلالة وما يحمله من إشارات ذو معنيين، فيمكن حمله علی الاعتراف أنّه سيد و إرضاء المحبوبه بسيادته واستعلامه علی البكاء غير المبرر، فلا داعي للبكاء وهو سيد وكل من حوله عبيد.
والمعنی الثاني أنّ السيادة وتحققها و تحقق ما يتبعها من مكاسب غير كافي للحصول علی السعادة ودوام الفرح والسرور.
نكتفي بهذا التحليل
لأبيات العبودية والسيادة