منوعات

الجمعة - 14 أبريل 2023 - الساعة 08:06 ص بتوقيت اليمن ،،،

نضال قوشحة


حالة من الجدل السياسي والفكري الجماهيري أحدثها مسلسل “ليلة السقوط” العراقي بعد بدء عرضه على العديد من القنوات في الموسم الرمضاني الحالي. فموضوع داعش وحرب التحرير ومواقع التصوير في أربيل وتقديم اللهجة العراقية من ممثلين عرب، إضافة إلى تقديم المسلسل وجهات نظر محددة، هي موضوعات كانت جديرة بأن تخلق حالة كبرى من التفاعل الجماهيري مع المسلسل وأحداثه. فالبعض وافق والبعض الآخر عارض، وبينهما الكثير من الحقائق والرهانات الفنية التي سيحكم عليها الجمهور بعد انتهاء عرض المسلسل.

لكن المؤكد أن المسلسل قد أثار قضية داعش من وجهة نظر بحثية. كما عرض القضية الكردية بتناول درامي إعلامي مختلف.

المسلسل يقوم على عواصف من الأحداث المتناقضة والشخصيات المتنافرة، توفرت في ظروف تنفيذه ملامح خاصة جعلت منه تجربة فريدة. فالجهة الإنتاجية عراقية – كردية هي شركة “بلا حدود”، قدمت العمل من خلال شركة تنفيذ مصرية هي شركة “محمد عشوب”، أما الكاتب فهو المصري مجدي صابر والمخرج هو السوري ناجي طعمي والممثلون من أكثر من بلد عربي.

من مصر شارك طارق لطفي وأحمد صيام ومن سوريا باسم ياخور وكندة حنا وميلاد يوسف ومحمد قنوع، ومن الأردن صبا مبارك ومن الدولة المضيفة العراق جواد الشكرجي وخليل إبراهيم وذوالفقار خضر وريهام البياتي وبيداء المعتصم وغيرهم. وفي الجانب الفني، يشارك مدير الإضاءة التونسي محمد المغراوي إلى جانب العشرات من الممثلين والفنيين العرب والذين تجاوزوا المئتي شخص.

ينطلق مسلسل “ليلة السقوط” من جوهر فكري يتعامل مع موضوع داعش بحساسية خاصة تتعلق بضرورة فهم تلك الذهنية المتشددة، والظروف التي أوجدتها، ثم التعامل معها وكشف ما قامت به من أعمال إجرامية شملت كل من خالفها الرأي، فصناع العمل الذين هم مختلفو الجنسيات والأديان يراهنون على الوعي الموجود لدى الإنسان العربي لكي يقاوم تنظيم داعش وأمثاله عسكريا وفكريا.

شخصيات فاعلة

في المسلسل محاور عديدة، تدور حول شخصية الذباح (طارق لطفي) الذي يصدر حكم قضائي بسجنه من قبل القاضي العراقي إلياس (جواد الشكرجي). تأتيه فرصة الانتقام منه عندما يحتل تنظيم داعش منطقة الموصل. فيقع القاضي تحت سلطة الإرهابي الداعشي الذي لا يوفر فرصة الانتقام فيدمر له بيته المليء بالآلات الموسيقية والتحف واللوحات ويعرض ابنته التي تعمل بالفن التشكيلي (كندة حنا) للخطر ثم يقوم بجلده علنا.

الذباح يقوم خلال مسار الأحداث بالكثير من الجرائم والتجاوزات، ويشرف شخصيا على عمليات القتل والتعذيب والخطف والنهب والسبي الذي تعرضت له النساء اليزيديات تحديدا. كما يتعرض خلال تلك الأحداث للعديد من ردود الفعل كان أهمها محاولة قتله من خلال ابنة القاضي، ولكنه ينقذ من الموت بعد عملية جراحية خطرة أجريت له.

في جانب آخر تظهر شخصية جوانا (صبا مبارك) الطبيبة اليزيدية التي تربطها علاقة حب مع صحافي يختلف عنها في الدين فيقف ذلك حاجزا دون زواجهما. تتعقد الأمور عند احتلال داعش للمنطقة وتصبح الطبيبة مقربة من الذباح زعيم التنظيم وتصبح شخصية مؤثرة في سير الأحداث وتحدد مصائر بعضها.

لا تقف جهود المخرج ناجي طعمي في مستوى تقديم مسلسل يحكي قضية داعش والعنف الممارس من مقاتلي التنظيم، بل كانت له مساهمة سابقة في سوريا، حيث قدم الموضوع نفسه من خلال فيلم روائي طويل كتبه قمر الزمان علوش وأنتجته وزارة الإعلام السورية بمشاركة نخبة من الفنانين السوريين. حمل الفيلم اسم “أنت جريح” وكان من بطولة كندة حنا.

قدم الفيلم مدى التأثيرات الحياتية الخطرة التي أحاطت بالمجتمع السوري نتيجة وجود داعش فيها. ووثق البعض من الجرائم التي ارتكبها التنظيم الإرهابي. ولناجي طعمي مساهمات عديدة في المشهد الدرامي السوري حيث قدم أعمالا حققت له حضورا لدى الجمهور، منها “بقعة ضوء” و”صبايا” و”صرخة روح” و”الغربال” وغيرها.

ضد داعش

يحاول العمل إلقاء الضوء على أهمية دور الإعلام في عملية مقاومة تنظيم داعش، من خلال وجود شخصية إعلامية فاعلة، تعي تاريخ المنطقة السياسي والديني والديموغرافي، وكذلك من خلال معرفة لغات أجنبية حية وكيفية التعامل مع التقنيات الحديثة في الاتصالات، وتوظيف كل ذلك في صناعة محتوى صحافي يتضمن حيثيات علمية وعسكرية هامة تفيد في كل قطاعات محاربة داعش.

هذا الدور الإعلامي الهام طرح من خلال شخصية قيس (باسم ياخور) وهو إعلامي استقصائي يتبنى موضوع القضية الكردية ويرى أنها تعاني من الارتباك في طرح نفسها أمام الرأي العام العالمي، كونها تعاني من قصور في المتابعة والترويج الإعلامي. فيقرر المساهمة في دعم هذه القضية، فيتصل بالجهات المعنية الرسمية في العراق، ويقترح عليها أن يدعي انتماءه إلى داعش ليذهب إليهم ويعيش معهم ليرسل من هناك تقاريره التي تقدم معلومات موثقة للسلطات الرسمية عن بعض الزعامات الداعشية وأماكن وجودها ليتم اصطيادها بشكل أكيد وأسهل.

ويؤكد منتجو المسلسل أنه مبني على وثائق ودراسات استغرق العمل عليها أكثر من ثلاث سنوات، حتى خرج بالشكل الأخير الذي صور به. كاتب المسلسل مجدي صابر له باع كبير في الكتابة الدرامية التلفزيونية. وهو الذي قدم سابقا العشرات من الأعمال التي حققت رواجا كبيرا في مصر خصوصا ومثلت نصوصه قامات فنية كبيرة، منهم نور الشريف وميرفت أمين في “الرجل الآخر” ويسرا في “أين قلبي” وقدم له يحي الفخراني مسلسل “للعدالة وجوه كثيرة”. كما كتب سيناريو وحوار مسلسل “أنا قلبي دليلي” الذي تحدث عن المطربة العربية الشهيرة ليلى مراد.

ما قام به مجدي صابر في عمله “التوثيقي” ينطلق من اهتمامه بالبعد البحثي الذي يجب أن يقدم في المسلسل للمشاهد العربي، لكي يتبين مدى خطورة الفكر الداعشي الذي ينقله هؤلاء إلى أولادهم، وبالتالي المخاطر المستقبلية التي تحيط بمستقبل المنطقة العربية كلها.

ويؤكد صابر أن اهتمام الجمهور العربي بالمسلسل، سببه تقديمه معلومات وقضايا لم يسبق أن قدمت في عمل عربي مشابه، وأن المشاهد العربي بحاجة إلى تقديم هذه المعلومات في قالب تشويقي موظف حتى تترسخ في ذهنه ويعي حجم الخطر القادم.

حلم يتحقق

تبين الفنانة الأردنية صبا مبارك التي قدمت شخصية جوانا الطبيبة اليزيدية في المسلسل، أنها كانت متعاطفة مع النساء اليزيديات اللواتي تعرضن لظروف بشعة خلال فترة احتلال تنظيم داعش لمنطقة الموصل. وتؤكد أن آلام هؤلاء النساء كبيرة وعميقة وأنها كانت تتمنى تقديم شخصية منهن في حياتها الفنية، الأمر الذي تحقق بمشاركتها في المسلسل.

جوانا في المسلسل شخصية محورية، فهي طبيبة يزيدية تربطها علاقة عاطفية بصحافي يختلف عنها دينيا، مما يقف حائلا دون الزواج، لكنهما لاحقا يصيران معا في الدفاع عن الحرية والعيش السلمي في العراق بين مختلف مكوناته.

وتستطيع بما تمتلكه من هدوء وثقة استثمار موقعها القريب من زعيم التنظيم لحماية الناس الضعفاء من بطش داعش، وتمثل بحضورها حالة المرأة اليزيدية التي تعرضت للكثير من الظلم والعنف أثناء تلك المرحلة.

يذكر أنه لأول مرة يصور مسلسل عربي بهذه الكيفية في منطقة أربيل في العراق، وبمشاركة جهات إنتاجية وفنية كردية وعربية مختلفة. تضافرت كل الجهود لكي تقدم عملا واحدا ضد تنظيم داعش وما قدمه من فكر متشدد.

قدم المسلسل بتلكفة قاربت الخمسة ملايين دولار كما يقول صناعه، صور في الموصل وسنجار والقسم الأكبر منه في أربيل بمشاركة ما يزيد عن المئة وخمسين فنانا عربيا، إضافة إلى العشرات من الفنيين والمساعدين.

وتم في العمل التصوير بالأسلحة الحقيقية وفي ظروف جوية حارة، لاقى خلالها فريق العمل ظروفا صعبة لكن الجميع تجاوزها. استغرق العمل على تحضير مواقع التصوير ما يقارب السنتين، وتم بناء العديد من مستلزمات المسلسل كون المنطقة تعرضت لدمار شديد وعوامل البنية التحية كانت ضعيفة ومدمرة.