أخبار عدن

الأربعاء - 08 مارس 2023 - الساعة 01:00 م بتوقيت اليمن ،،،

كرم أمان


في أحد زوايا شارع عتيق في مدينة عدن القديمة "كريتر" جنوبي اليمن، تظهر مجموعة من النساء والرجال يلتفون حول بسطة أحد الباعة المتجولين لشراء مواد وسلع غذائية "توشك على انتهاء صلاحيتها" يقوم ببيعها شاب ثلاثيني بنصف قيمتها وأخرى بأسعار مخفضة.

وعلى أنوار خافتة ومصابيح شحن كهربائية ، تظهر عشرات السلع الغذائية والاستهلاكية في تلك البسطة "المفرش" الذي بات مقصدا للناس وملاذا للكثير من الأسر اليمنية، هربا من جحيم الأسعار وارتفاعها والتي اثقلت كاهلها وفاقمت من المعاناة الإنسانية في العاصمة المؤقتة للبلاد.


ومع ذلك، فإن هذه البسطة كحال باقي البسطات المنتشرة في المدينة، تتعرض بين الحين والآخر لحملات إزالة ومنع من قبل السلطة المحلية والبلدية في المحافظة، جراء ما تسببه من اختناقات في الشوارع والأحياء التجارية.

كيف نعيش ؟

تقول امرأة خمسينية عرفت عن نفسها بـ "أم أصيل" كانت تقف أمام البسطة وتهم لشراء بعض السلع، أنها اعتادت منذ عامين على قصد هذه البسطة لعدة مرات خلال الشهر، في سبيل شراء المواد والسلع التي توشك على انتهاء صلاحيتها، بسبب انخفاض أسعارها، وبما يتواكب مع دخلها ودخل زوجها الشهري.

وأضافت في حديث خاص لإرم نيوز وباللهجة العدنية العامية : "أجي دائما لهذا المفرش عشان أقدر اكمل راشن (مؤن الشهر) البيت، وعادو لو يقدر يوفر الرز والسكر والدقيق بسعر مناسب بيعمل خير" .

وردا حول سبب ذلك، أوضحت أم أصيل: "كيف ليش؟ بالله ده سؤال؟ شوف الوضع في عدن يا ابني وبتعرف السبب، أني معلمة وأم لأربعة، وراتبي 73 ألف ريال (60 دولار) بالشهر، وزوجي متقاعد ويستلم 38 ألف بالشهر (31 دولار)، ومافيش معانا أي مصدر رزق ثاني، كيف تشتينا نعيش يعني؟ ".

وتابعت: "شوف الأسعار في السوق كيف هي غالية نار، القطمة الرز (كيس أرز) أبو 20 كيلو بـ40 الف ريال، والسكر أبو 10 كيلو بـ11 ألف ريال، والدقيق مثله تقريبا ، والدبة الصليط (الزيت) بـ16 ألف ريال، قيمة هذه الحاجات (السلع) الأربع فقط تساوي كل راتبي الشهري، يرضي مين هذا؟، يفترض أن المستوى الأدنى لهيكل الأجور والمرتبات يكون بين 400 إلى 500 ألف ريال بالشهر (450 دولار) حتى نقدر نعيش فقط دون رفاهية".

وأختتمت: "تجار ما يخافوش الله، وحكومة نائمة، ومسؤولين جشعين، ومافيش رقابة، وأني كمعلمة أؤكد أن كل تلك الأسباب وأكثر ستسبب كوارث عديدة في المجتمع، إذا استمر الوضع منفلت ومنهار بهذا الشكل، الناس تموت، أتقوا الله بالناس، حسبنا الله ونعم الوكيل".

لا يوجد بديل آخر

قاطعتها امرأة أربعينية أخرى كانت تقف بجانبها، وعرفت عن نفسها بـ"أم أيمن" بأن معظم الأسر في عدن باتت تعول على مثل هذه البسطات لتوفير احتياجاتها من المواد الغذائية والاستهلاكية، هربا من ارتفاع الأسعار التي تزداد بشكل يومي تقريبا.

وقالت في حديثها لإرم نيوز : "ما عاد نفكر بجودة السلعة أو مذاقها بقدر ما نحاول فقط إلى توفيرها لنسد بها جوع أطفالنا، نعم نعلم أن معظم هذه السلع قد تكون توشك على الانتهاء وأيضا قد تكون رديئة أو استاءت حالتها بسبب تعرضها لأشعة الشمس، لكن لا يوجد لنا بديل آخر غيرها".

وأشارت أم أيمن بيدها للمرأة التي بجانبها، وأضافت: "هذه الأخت تقول أنها معلمة ومع ذلك تستلم 73 ألف ريال بالشهر، أما أني ربة بيت ومعي 3 أطفال أكبرهم بنت عمرها 9 أعوام ، وعايشين في بيت إيجار بـ120 ألف ريال بالشهر (95 دولار) على راتب زوجي الذي يعمل عملين أحدهما حكومي في أحد مكاتب الوزارات وآخر خاص (حارس) مع إحدى المنظمات، براتب شهري إجمالي 310 ألف ريال بالشهر (250 دولار)، ومع ذلك لا يكفينا حتى إلى تاريخ 10 من الشهر".

وتابعت: "أكتبوا يا ابني عن معاناتنا، والله أن الحال يزيد سوءا ، كل يوم الأسعار تزيد ، فرطنا بكثير من السلع الغذائية ، ووصلنا إلى مرحلة صعبة جدا، زوجي تعب بسبب قلة النوم نتيجة لعمله في موقعين وعلى مدار 16 ساعة متواصلة، ما عاد نشوفه كثير ولا عاد يجلس معانا مثل أول ، يجي للبيت لينام فقط".

تصريف سلع

من جانبه، قال صاحب البسطة الشاب الثلاثيني "محمد" من أبناء محافظة تعز ، أنه جاء إلى عدن منذ سنوات، وامتهن هذا العمل، كونه مصدر رزق ودخل له في عدن، إلى جانب أنه يسهل للناس توفير المواد الغذائية بأسعار تناسب وضعهم المعيشي.

وأضاف في حديث لإرم نيوز: "أبتاع هذه المواد من تجار جملة وتجزئة في مديريات الشيخ عثمان والمعلا، وأخرى أشتريها من بعض العاملين في منظمات الإغاثة الإنسانية أو بعض المستفيدين ، وهي مواد معظمها تكون مدة صلاحيتها توشك على الإنتهاء أو يراد تصريفها لأسباب أخرى ، فيضطر التاجر أو العامل إلى تصريفها وبيعها لي بنصف قيمتها أو أقل، بينما سلع أخرى تكون مثل السلع المتوفرة في السوق ولكن أبيعها بأقل سعر لأننا أضيف هامش ربح بسيط لها".

وأردف محمد: "بدأت ببسطة صغيرة ومواد غذائية قليلة جدا لا تتعدى 8 أصناف، قبل أن أتوسع لاحقا بفضل الله تعالى، وأسعى لتطويره ، وأحاول أن أجنبها أشعة الشمس بقدر الممكن حتى لا تتلف، ومع ذلك فإن حملات البلدية لا تتركنا بالعادة، وعدة مرات أخسر ما جنيته من ربح في متابعة فرشتي وبضاعتي المحجوزة ليتم الافراج عنها، حتى أصبح الأمر عادة تمارس بين الحين والآخر ضد أصحاب البسطات لجني الأموال منهم".