أخبار وتقارير

الأحد - 18 ديسمبر 2022 - الساعة 12:02 ص بتوقيت اليمن ،،،

حاوره / راجح العمري


في مقابلة صحفية أجريتها مع الدكتور عيدروس نصر النقيب رئيس المؤسسة الجنوبية للدراسات والآبحاث الاستراتيجية:د. عيدروس النقيب:

أبرز ما جاء في الحوار:

* منتصرو 1994م بالحرب عادوا اليوم ليحكموا الجنوب باتفاق سلمي.

* المناصفة الجنوبية الشمالية أكذوبه، ومجلس الرئاسة وحكومة المناصفة يتناوبان على معاقبة الشعب الجنوبي لهزيمته لشقيقهما الحوثي في 2015م.


* كل الإنجاز الذي حققه معين عبد الملك وحكومته هو توطين ستة ملايين شمالي في الجنوب لإحداث تغيير ديمغرافي لصالح تحالف 1994م الحاكم اليوم.

* لا حل للأزمة الراهنة إلا بحكومتين محليتين شمالية وجنوبية.

* مجلس الرئاسة يجب أن يرأسه قائد جنوبي، لأن حكمه وسلطته محصوران في الأرض والشعب والثروة الجنوبية.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

س.1: د. عيدروس أنت رئيس المؤسسة الجنوبية للدراسات والبحوث الاستراتيجية هل يمكن إعطاؤنا صورة عن المؤسسة: أهدافها واختصاصاتها وبماذا يمكن أن تخدم القضية الجنوبية؟

ج.1: حياك الله اخي راجح العُمري

وشكرا لجهودك الرائعة ومثابرتك الدائمة أنت وكل الإعلاميين الجنوبيين الأحرار العاملين على أبراز القضية الجنوبية وإيصالها إلى الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي.

المؤسسة الجنوبية للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، هي إحدى الهيئات البحثية الجنوبية، ومهمتها تتركز في إجراء مجموعة من البحوث والدراسات والاستقصاءات والفعاليات الفكرية والبحثية المتصلة بقضية الجنوب وتاريخ الشعب الجنوبي والتعريف بطبيعة القضية الجنوبية، ووضع التحليلات الهادفة إلى استكشاف مواطن القوة والضعف، ووسائل الاستحقاق الجنوبي، وتقديم الاستخلاصات إلى القيادة السياسية الجنوبية كجزء من العمل الاستشاري لهيئات المجلس الانتقالي الجنوبي وشركائه السياسيين الجنوبيين وبنفس الوقت يعتبر عملها هذا جزء من النشاط التنويري على صعيد المجتمع الجنوبي في الداخل والخارج.

س.2: كيف تقرأ الأوضاع على الساحة الجنوبية، وما هو تقييمك للأزمة اليمنية عموماً والصراع القائم منذ 8 سنواات بين الشرعية والانقلابيين الحوثيين؟

ج.2: علينا أن نفصل بين أمرين: بين القضية الجنوبية وما تفرضه من استحقاقات، وبين ثنائية الانقلاب والشرعية وما فرضته من حرب وتداعيات وانهيارات متواصلة بلغت بالبلد وأهله أسوأ درجات الانحدار والفشل والتشطي.

وفي هذا السياق كنت قد أشرت في بعض كتاباتي مع بدايات الحرب وتحديداً في العام 2016م بعد اندحار القوات الحوثية وحلفائها من أراضي الجنوب وعودة الرئيس السابق هادي إلى العاصمة عدن، كنت قد أشرت إلى أن ما يجمع بين الجنوبيين وسلطات الشرعية هو هدف مشترك تمثل في التصدي للمشروع الانقلابي بما يحمله من خلفيات عنصرية ومشروع سلالي تمتد روابده وتتصل بالمشروع الإمبراطوري الفارسي وحكومة الملالي في طهران.

لكن القضية الجنوبية لها استحقاقاتها ومتطلباتها وتتمثل في الاستجابة لتطلعات الشعب الجنوبي نحو استعادة دولته وشق طريقه المستقبلي المستقل، بينما صراع الشرعية مع الانقلاب، يشاركها فيه الجنوبيون يقترن بمتطلبات عودة السلطات الشرعية إلى صنعاء وإزالة آثار الانقلاب والشروع (المفترض) في بناء دولة المواطنة المعبرة عن كل أبناء الجمهورية العربية اليمنية (السابقة).

لقد نجح الجنوبيون في إلحاق الهزيمة بمليشيات الحوثي وحلفائها لكنهم لم يكونوا جاهزين لإعلان دولتهم لأسباب يطول شرحها أهمها غياب الحامل الذاتي لمشروع استعادة الدولة، أما جماعة الشرعية فقد أخفقوا في ثمان سنوات في إنجاز رُبُع أو حتى ثُمْن ما أنجزه الجنوبيون في ثلاثة أشهر، وذلك يعود إلى استفحال الفساد في أجهزة السلطة الشرعية وتحويل بعض القادة الشرعيين الحرب إلى مشروع استثماري صنع عشرات المليارديرات من القادة السياسيين والعسكريين والقبليين والدينيين من أثرياء الحروب الذين اغتنوا من وراء تطاول زمن الحرب كما انصرف المتحكمون في قيادة العمليات العسكرية لما يسمى بـ"الجيش الوطني" عن مواجهة الحوثين وراحوا يوجهون فوهات بنادقهم ومدفعياتهم ومجنزراتهم باتجاه الجنوب في تخادم واضح مع الجماعة الحوثية ولسرقة النصر الوحيد الذي صنعه الجنوبيون لصالح الشرعية.

وباختصار لقد شق الجنوبيون طريقهم نحو هدفهم السامي في استعادة دولتهم وسط طريق وعر ومسالك شائكة لكن مكاسبهم تتراكم وإن بصورة بطيئة بينما تترنح مكونات السلطة الشرعية وتتخبط وتتعقد مسالكها نحو بلوغ الهدف المعلن من عاصفة الحزم الذي تقول المؤشرات أنه يزداد ابتعاداً عن الرؤية يوماً بعد آخر.

س.3: لكن كيف تقيم مشاركة الجنوبيين في حكومة المناصفة ومجلس القيادة الرئاسي؟

ج. 3: لدي شكوك تزداد مع مرور الأيام في إمكانية نجاح تجربة مجلس القيادة الرئاسي أما حكومة المناصفة فقد فشلت منذ العام الأول لتشكيلها فالوضع في عدن وفي كل محافظات الجنوب ما يزال مثلما كان عليه قبل تشكيل هذه الحكومة، لا بل لقد ذهب نحو الأسوأ، ومجرد إلقاء نظرة سريعة على أوضاع الخدمات في الجنوب والحياة المعيشية والأزمة التموينية وارتفاع معدل البطالة والفقر وانتشار الأوبئة والمجاعة وتوقف مظاهر النمو والارتفاع الصاروخي لأسعار السلع والخدمات الضرورية وتواصل انهيار قيمة العملة المحلية، كل هذا يبرهن على فشل حكومة المناصفة، ولا أدري لماذا الإصرار على استبقاء هذه الحكومة التي تذيق الشعب الجنوبي الأمرين مقابل صفر من النجاحات وعشرات الإخفاقات في جميع المجالات.

وعودةً إلى مجلس القيادة الرئاسي فقد قلت منذ اليوم الأول لتشكيله أن نجاحه مرهون بمدى توافق المكونات التي يحتويها على قضيتين:

أولا: الإقرار بمشروعية وعدالة القضية الجنوبية من قبل الشركاء الشماليين وعلى رأسهم رئيس المجلس والتعهد بعدم النكث بهذا الإقرار في أي لحظة، والكف عن سياسات التسويف والمماطلة واستخدام اللغة الزئبقية في التعاطي مع قضية مصيرية بحجم القضية الجنوبية.

ثانيا: التوجه الجاد نحو مواجهة المشروع الحوثي بكل الطاقات والقوى، والكف عن سياسة الاستثمار في الحرب التي اتبعت على مدى السنوات الثمان المنصرفة، لكن للأسف إنه وحتى بعد مرور أكثر من 8 أشهر على تشكيل المجلس يبدو لي أن لا ذا تأتى ولن يتأتي ولا ذاك حصل ولا يبدو أنه سيحصل.

واليوم يواصل المجلس الرئاسي مشاركة الحكومة الفاشلة في معاقبة الشعب الجنوبي من خلال حرب الخدمات وسياسة التجويع في محاولة لإجبار الجنوبيين على التخلي عن حقهم في استعادة دولتهم وهذه محاولات عبثية لن تحقق مآربها لأن الشعب الجنوبي لا يمكن أن يلدغ من نفس الجحر عشرات المرات.

س.4: يتهمك البعض بأنك تشكل حالة تمرد على توجهات المجلس الانتقالي الجنوبي، وأنك ترفع سقف الخطاب تجاه شركاء المجلس الانتقالي في مجلس الرئاسة وحكومة المناصفة، كيف ترد على هذه الاتهامات؟

ج.4: منذ انخرطت في الحياة السياسية وأنا عرضة للاتهامات من شتى الأصناف، وهذا أمر لا يعني لي الكثير وأحيانا يؤكد لي أنني على صواب حينما يكون المنتقد من خصوم القضية التي أدافع عنها، وهي هنا القضية الجنوبية، لكن بالنسبة للموقف من سياسات المجلس الانتقالي الجنوبي ليس هناك تمرد ولا سبب لهذا الأمر ولكن قد يكون التباين فقط في طريقة التعبير عن المواقف السياسية فأنا قد أكون متخففاً من لغة الديبلوماسية بفعل عدم تقيدي بأية مهمات قيادية أو وظيفية مع الطرف الآخر، وهذا طبعي منذ نشأتي المبكرة، وإذا ما وجدت تباين أو تفاوت بين طريقة تناولي للقضايا مقارنة مع الإخوة في قيادة الانتقالي فإن ذلك ينحصر في طريقة التعبير ليس إلا فلكل منا إسلوبه ومفرداته اللغوية لكن الغاية في نهاية المطاف تظلُّ واحدةً.

س.5: يقول البعض أن لك موقفاً عدائياً تجاه الشمال والشماليين، لماذا؟؟

عند ما تسألني لماذا فكأنك مقتنع بهذا الطرح الخاطئ بطبيعة الحال، وعلى العموم بكل أسف الشديد هناك من يتعمد الخلط بين النخب السياسية الشمالية الاستبدادية والموغلة في نزعتها التسلطية وممارسة الفساد السياسي والمالي والإداري وحتى الأخلاقي بأبشع صوره وبين الشعب الشمالي المغلوب على أمره في كل شيء.

في كل كتاباتي المتعلقة بالشأن الشمالي كنت دائما متضامناً مع مطالب الجماهير في عموم المحافظات، في تعز والحديدة، في البيضاء وحجور، في عتمة ومأرب، وفي صنعاء وعمران وغيرها من المحافظات، وقد سبب لي اتهامات عديدة من بعض زملائي (المتشددين) الجنوبيين بأنني أميل إلى التعاطف مع أعداء الجنوب، وهكذا فإنني وردا على الاتهامين معاً أرفض الخلط بين الفاسدين والطغاة المستبدين الذين أذاقوا الشعبين الشمالي والجنوبي كل أصناف المرارة والقهر، وبين ملايين الشماليين من ضحايا القهر والتهميش والتجهيل والتضليل والحرمان على أيدي الطغاة والمستبدين فتعاطفي ليس مع هؤلاء بل مع ضحاياهم.

س.6: أنت عضو مجلس نواب عن دائرة جنوبية وممثل للحزب الاشتراكي اليمني كيف تقبل البقاء في مؤسسة فاسدة وفاشلة كانت سبباً في تكريس احتلال الجنوب والدفاع عن منتهكي حقوق أبنائه ثم تقوم بالانتقاد ورفع الصوت خارج هذه المؤسسة؟

ج.6: بكل أسف مجلس النواب المنتخب في العام 2003م سيبلغ عمره العشرين بعد خمسة أشهر أي إنه تجاوز عمره الافتراضي بثلاث مرات وداخل في الرابعة، وليته حقق شيئاً لصالح الناخبين الغلابى الذين يصوتون لمن يقمعهم ويعبث بحقوقهم المادية والمعنوية.

طبعاً لا بد من الإقرار بأن المجلس مجمد منذ العام 2014م بعد انقلاب الحوثيين وحلفائهم على شرعية الرئيس هادي، وإنه قد انقسم على نفسه إلى برلمانين، برلمان شمالي في صنعاء يهيمن عليه الحوثيون وفرع صنعاء للمؤتمر الشعبي العام المتحالف مع الحوثيين (صادق أبو راس ويحيى الراعي وأتباعهم) والثاني في الخارج جرت لملمة أعضائه من الشتات بعد مقتل الرئيس صالح والتحاق أتباعه بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي (حينها)، لكن هذا البرلمان (الثاني) لم يستطع عمل أي شيء غير اجتماعين متباعدين الأول في سيؤون أبريل 2019م لانتخاب هيئة الرئاسة بقيادة النائب سلطان البركاني، والثاني في أبريل 2022م في عدن لتثبيت رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي وأدائهم اليمين الدستورية.

تسألني كيف أتحدث خارج هذه المؤسسة: أولاً قانونياً المفروض أن المجلس قد إعيد انتخاب أعضائه ثلاث مرات وهو الآن في طريق الرابعة فهو من الناحية القانونية غير شرعي، لكن وبسبب ظروف الحرب والنزوح والأزمة السياسية العامة يمكن تفهم أسباب التمديد له، وأعتقد أنه آن الأوان لإجراء الانتخابات ما أمكن ذلك وسيكون هذا الإجراء تحدياً جاداً للجماعة الحوثية الانقلابية وفضح عدم شرعيتها.

وعودةً إلى سؤالك: الجميع يعلم أن المجلس حتى في ظروف السلم والاستقرار كان يتعامل مع المعارضين، وأنا أحدهم، تعاملاً قمعياً يحرمهم من كل حقوقهم في التعبير عن مواقفهم وآرائهم، أمَّا اليوم فلم يعد ساحة مناسبة لتجسيد التنوع السياسي والفكري والاجتماعي ولا أن يكون منصة للتعبير الحر عن المواقف السياسية، ببساطة لأنه منذ إعادة لملمة شظاياه لم يجتمع إلآ مرتين وليومين أو ثلاث على الأكثر وبأجندة مخصصة بدون أية خطة سنوية أو فصلية.

س.7: طيب ماذا فعلت وماذا ستفعل في مجلس النواب لخدمة ناخبيك ولخدمة القضية الجنوبية؟

هذا السؤال واجهته عشرات المرات، وكنت أقول أن العقد الذي بيني وبين الناخبين انتهى في 2009م شأني في ذلك شأن جميع الأعضاء الحاليين، ومع ذلك فقد حاولت من خلال وجودي في صنعاء ما بين 2003 – 2011 أن أتبنى قضايا المواطنين بشكل عام على مستويين، المستوى الأول وهو متابعة هموم مواطني الدائرة ما كان منها فردياً أو جماعياً ونجحت في حالات عديدة في موضوع الخدمات ومعالجة مستحقات بعض المواطنين والطلاب والمرضى, لكن أكذب عليك لو قلت لك أنني أديت الواجب كما كنت أتمنى بسبب أنه وحتى في الدوائر الحكومية قليلاً ما يتم التعامل مع النائب المعارض باعتباره معبراً عن الشعب بكل فئاته بل ينظر إليه باعتباره معارضاً ومشكوكاً في وطنيته وانتمائه، ومع ذلك فقد بذلنا جهداً استثنائياً لمعالجة ما يصل إلينا من القضايا الفردية، ونجحنا حينها في اعتماد والبدء بتنفيذ مشروع طريق باتيس-رصد الذي توقف العمل فيه في عهد المحافظ أحمد الميسري وبعد انهيار الدولة وسيطرة أنصار الشريعة على معظم مديريات محافظة أبين، وهي مناسبة للثناء على الجهود الطوعية للمواطنين الذي بدأوا بتنفيذ المشروع بالاعتماد على جهودهم الذاتية وما يجمعونه من تبرعات ومساعدات من قبل المغتربين وبعض رجال المال والأعمال الذين نتوجه إليهم بأسمى أيات الثناء والعرفان.

وعلى الصعيد العام وفي إطار سياسة التضييق والقمع داخل قاعة البرلمان لم أتردد يوماً عن تبني قضايا ضحايا القمع والتنكيل والاختطاف والإخفاء القسري في محافظتي وكل محافظات الجنوب وكذلك قضايا المحافظات الأخرى المعرض مواطنوها للحرمان والتهميش، ومع ذلك لم يسمح لنا التضييق والكبت من الوصول إلى المستوى الذي كنا نتمناه من كشف الفساد وتعرية الظلم والقمع والاستبداد لكننا كنا دوما جزءً من التيار الرافض للسياسات غير السوية للحكومات المتعاقبة منذ 2003 حتى اليوم.

س.8: هل ما زلت على صلة بالحزب الاشتراكي الذي كنت يوماً رئيساً لكتلته البرلمانية وعضواً في مكتبه السياسي؟ وكيف تقيم موقف الحزب من القضية الجنوبية والأزمة اليمنية عموماً؟ وكيف تتوقع مستقبل الحزب الاشتراكي؟

ج.8: سأبدأ بمناقشة موقف الحزب الاشتراكي من القضية الجنوبية، وهنا أذكِّر أن الحزب الاشتراكي هو من أعلن استعادة دولة الجنوب في 21 مايو من العام 1994م على لسان أمينه العام حينها الرئيس علي سالم البيض، بالتعاون مع رابطة أبناء اليمن (رأي) التي كُلِّف رئيسها حينئذٍ الأستاذ عبد الرحمن الجفري بمهمة نائب الرئيس، وقد وقف ضد هذا الموقف الكثيرون ممن يزايدون اليوم باسم الجنوب والقضية الجنوبية، وطبعا وئدت المحاولة لأسباب يعرفها الجميع.

وبطبيعة الحال أنا منقطع عن المساهمة في فعاليات الهيئات القيادية للحزب الاشتراكي بسبب النزوح ونزوح كل الأحزاب وقادتها بما في ذلك الحزب الاشتراكي، لكنني أتابع مواقف الحزب الاشتراكي خطوة بخطوة، وكان الحزب هو الذي تقدم في مؤتمر الحوار بصنعاء (2012م) بمقترح دولة اتحادية من إقليمين شمال وجنوب بحدود مايو 1990م ولو قبلت هذه المبادرة لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم.

كنت في الذكرى الثانية والأربعين لتأسيس الحزب الاشتراكي أوكتوبر 78م قد تقدمت بمقترح إعادة هيكلة الحزب على أساس فيدرالي حزب جنوبي وحزب شمالي بما يسمح لقيادات وأعضاء الحزب في الإقليمين تبني مشاكل المواطنين في النطاقين الجغرافيين والتي تختلف من نطاق إلى آخر لكن الحزب ككل الأحزاب تغيب أو غُيِّب في ظروف الحرب لأنه كما يقال "حينما تتكلم المدفعية يخرس السياسيون".

وكما تلمس في كل يوم، لا يستطيع الاشتراكيون في الشمال الحديث عن القضية الجنوبية ومعاناة الشعب الجنوبي، لأن لديهم ما يشغل هواجسهم واهتماماتهم، وكذلك لا يستطيع الجنوبيون التعبير عن معانات المواطنين الشماليين تحت سلطة الجماعة الحوثية، إذ إنهم مشغولون بالتعبير عن الجنوب وهواجس مواطنيه ومعانات أهله.

وأعتقد أن الظرف مؤاتي لإعلان الحزب الاشتراكي في الجنوب ولا بأس من استبقاء نوع من العلاقات الأخوية أو النظام الفيدرالي بين الاشتراكيين في الجنوب والشمال حتى الحل النهائي للقضية الجنوبية الذي لن يكون إلا باستعادة الدولة الجنوبية.

وأخيرا لك أن تتخيل أخي الكريم أن الحزب الذي أتي بدولة بعاصمتها وعلمها وعملتها وسكانها إلى دولة الجمهورية اليمنية استُكثِر عليه أن يكون له ممثل في مجلس القيادة الرئاسي، لسبب أنه لا يمتلك قوات مسلحة خاصة به يضغط بها على صناع القرار من الداخل والحارج.

س.9: كيف ترد على الذين يقولون أن الحزب الاشتراكي اليمني هو من ورَّط الجنوبيين في وحدة كانت علامات فشلها بادية للعيان منذ اليوم الأول؟ أو على من يقولون أن الشماليين في قيادة الحزب هم من هيمنوا على صناعة القرار لتحقيق هذا الهدف الشمالي أصلاً؟

ج.9: وهناك من يقول أن علي سالم البيض هرب بالحزب إلى الوحدة خوفا من مصير تشاوشيسكو؟

س. 10: نعم كيف ترد على كل هؤلاء؟

ج.10: قصة الوحدة والوحدوية، تطول ويطول الحديث فيها، لكنني سأختصر الحديث حول أهمية التمييز بين نبل الفكرة وسمو المقصد عند الحديث عن الوحدة (العربية او اليمنية أو حتى الإسلامية) في سياقها النظري والتاريخي، وبين أخطائنا نحن البشر الذين نصنع الأحداث في أزمنة وأمكنة لها ظروفها وملابساتها وتعقيداتها المختلفة عن الأماني والتطلعات.

فكرة الوحدة اليمنية تمتد إلى نهاية الخمسينات ومطلع الستينات وربما ما قبل هذا بعقود وفي الجنوب نجدها في كتابات المفكر اليساري عبد الله باذيب في حديثة عن وحدة اليمن الطبيعية، وبعد ثورتي سبتمبر وأوكتوبر نشأت ظروف جعلت كل قائد سياسي لا يستطيع أن لا يتحدث عن "الوحدة اليمنية" ، ولن أسرد تاريخ الفكرة لدى الجبهة القومية وجبهة التحرير، لكن يكفي ان نلقي نظرة على احاديث وخطابات وتصريحات كل القادة الجنوبيين المغروفين من قحطان الشعبي إلى سالمين ومحمد علي هيثم وعبد الله الأصنج ومحمد سالم با سندوة وعبد الفتاح اسماعيل وعلي ناصر محمد وعلي عنتر وعمر الجاوي وصالح مصلح حتى علي البيض وحيدر العطاس، وغيرهم من قادة السلطة والمعارضة الجنوبيتين لنجد خطاب الوحدة في كل ثنايا تعبيراتهم السياسية بلا استثناء، وكان الحديث عن الوحدة اليمنية يعبر عن التفاخر والنتباهي بالانتماء لهذه الفكرة ولم يكن قط عيبا على صاحبه، بل بالعكس كان عدم التحدث عن الوحدة هو المعيب، فهل كان كل هؤلاء يخططون للهروب إلى الوحدة اليمنية خوفا من مصير تشاوشيسكو الذي كان حينها في قمة مجده؟

لقد كانت فترة الرئيسين الشهيدين سالمين والحمدي ازهى فترات التواصل بين الدولتين والقيادتين، ولو تحققت (وحدة اليمن) في ذلك الزمن لكان الامر غير الأمر ولما اسميناها ورطة.

كما شهدت فترة الرئيس علي ناصر محمد مع الرئيس علي عبد الله صالح اعلى مستوى من العمل المشترك بين النظامين الحاكمين، فتم تشكيل المجلس اليمني الأعلى والمجلس الوزاري وقيام بعض المشاريع الاستثمارية المشتركة، وتبودلت الزيارات بين العاصمتين كما وقعت اتفاقيات عديدة.

أعتقد أن مقولة "التوريط" ومقولة "الهروب" تدخضان بعضهما، فـ"الهارب" لا يخطط للـ"هروب" على مدى أربعة عقود من الزمن، ومن يسعى لـ"التوريط" لا بد أن يلاقي مقاومة لهذا الـ"توريط" طوال العقود الأربعة، والمقولتان من صناعة المطابخ المخابراتية لكن مقولة الهروب تجعل وحدة 1990 لاغية لأن لا شرعية لمن يهرب، إلى مشروع مشبوه وبالتالي فإن مطالب الجنوبيين في استعادة دولتهم مشروعة، وإن المتورط هو من يروج لتلك المفاهيم الخائبة,

إن ما يجعلنا نسمي "الوحدة اليمنية" "ورطة" هو ذلك المآل البائس والتدميري والعدواني الذي آلت إليه محاولة التوحيد الفاشلة بعد الحرب والعدوان على الجنوب في العام 1994م.

ويبقى أن أشير إلى أن مقولة (الشماليين في الحزب الاشتراكي هم من ورَّط الجنوب في الوحدة) هي مقولة بائسة وملغومة وهي أيضا من صنع مخابرات نظام صنعاء أُريد بها توجيه نظر الجنوبيين ( ضحايا حرب الغزو والعدوان) نحو خصم آخر غير من أفسد في البلاد وأهان العباد ودمر الدولة ونهب الارض والثروات وسلط العصابات وحول كل شيء في الجنوب إلى غنيمة حرب.

لكن من المؤسف أن هذه المقولة لقيت لها رواجاً عند بعض البسطاء وبعض الساسة أو الإعلاميين السطحيين فراحوا يتداولونها على إنها الحقيقة المطلقة.

وأخيراً فإن شرفاء النضال الوطني سواء ذوي الأصول الجنوبية أو الشمالية عندما تصدوا للاستعمار ورفعوا شعار "الوحدة اليمنية" لم يكونوا يخططون لوحدة يهيمن فيها اللصوص والنهابين على الأرض والإنسان والثروة، ويفعلوا من الموبقات ما لم يفعله الاستعمار الأوروبي التقليدي، بل كان الهدف من كل نضالاتهم وقناعاتهم هو بناء دولة النظام والقانون والكرامة الإنسانية والرفاهية الاجتماعية والمعيشية.

س.11: كنت من الداعمين الأساسيين لثورة الشباب السلمية في اليمن-ثورة الربيع العربي- أو ثورة توكل- كما يسميها البعض، لماذا تراجعت عن موقفك هذا وصرت من مؤيدي الانفصال في الجنوب؟

ج. 11: الحقيقة إن لي تقييمي الخاص المختلف لثورات الربيع العربي بشكل عام وثورة الشباب في اليمن على الخصوص، فهذه الثورات لم تكن مؤامرة عالمية كما يروج المدافعون عن الحكام الطغاة والفاسدين الذين ثارت ضدهم شعوبهم.

وفي اليمن كما يعرف الجميع بلغ الاستبداد والفساد ذروتهما، ووصل الانسداد السياسي درجة لم يعد بمقدور نظام الحكم التحكم فيها، وبدلاً من معالجة جذور الأزمة راح منظرو النظام الخائبون يروجون لنظرية "اقتلاع العداد" التي كانت تعني استبقاء الرئيس حينها (علي عبد الله صالح) رئيسا مدى الحياة، من خلال إلغاء نظام الدورتين الذي جرى تغييره مرتين من أجل ما أسمي بـ(تصفير العداد) كما أسماه الراحل الشهيد محمد عبد الملك المتوكل، عليه رحمة الله، مما ولد الانفجار الشعبي العارم الذي شمل عواصم معظم محافظات الشمال، في حين كان الجنوبيون قد سبقوا الأشقاء في الشمال في ثورتهم بأربع سنوات.

دعمنا لثورة الشباب لم يكن تراجعاً عن دعمنا للثورة الجنوبية، فالشعبان ليسا في حالة عداء بل إنهما شركاء في الثورة ضد نفس الطغيان ونفس النظام الفاسد المستبد.

لكن الأمور في الشمال سارت باتجاه احتواء الثورة من خلال انشقاق جزء من النظام والتحاقه بالثورة وتحوله إلى وصي عليها ومتحكم فيها، واستكمل هذا الاحتواء من خلال استحواذ الأحزاب السياسية على الثورة وتحول هذه الأحزاب إلى جزء من الوصاية على الثورة، وبعضها كان حتى الأمس القريب شريكاً للنظام الحاكم في العبث والفساد وخصوصاً في الحرب على الجنوب وتدمير دولته.

وجاءت مبادرة التسوية، (المبادرة الخليجية) التي هي من إعداد المطابخ السياسية للنظام لتؤكد استحالة التغيير الجدي في البلاد لصالح الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية والتي كنا نؤمل أن حل القضية الجنوبية سيكون من خلالها، وتحولت الثورة من صراع بين الشعب ونظام الحكم الاستبدادي، إلى نزاع بين الطبقة السياسية على تقاسم السلطة، وسارت الأمور على النحو الذي شهدناه جميعا.

أما الحديث عن ثورة فلانة او فلان فهو يمثل ازدراء للثورة وللشعب الذي اشعلها وللشهداء الذين دفعوا ارواحهم ودماءهم في سبيل إيقاد شعلة الثورة، وهو بنفس الوقت تضخيم لأسماء كل أدوارها في الثورة انها اعتلت المنصة واستولت على المكرفون وحولت الثورة إلى مصدر إثراء وتغول وكسب سياسي رخيص قد اكتشفه الشعب قبل كل أذكياء السياسة.

س. 12 : لماذا ذهبتم إلى الرياض للإطاحة بالرئيس (الجنوبي) عبد ربه منصور وجئتم بقيادة شمالية لتحكم الجنوب، ثم تبدأون في مهاجمة هذه القيادة؟

ج. 12: في البداية لا بد من الإقرار أن الرئيس عبد ربه منصور هادي لم يكن رئيسا جنوبيا، بمعنى أن يكرس مصالح الجنوبيين فهو اقتنع بأنه رئيس لكل اليمنيين، وظل يتصرف على هذا النحو، ثم إنه لم يكن هو الحاكم، وكنت دائما أقول أن الرئيس هادي (أطال الله في عمره) هو مجرد موظف لدى الأشقاء الشماليين بدرجة رئيس جمهورية، وهذا ليس تقليلاً في شأنه فبيني وبينه من العلاقات الشخصية ما يجبرني على احترامه، ورفض أية إهانة أو إساءة لشخصه، لكن تلك هي الحقيقة إذ إن حصته في صناعة القرار كانت أقل من حصة قائد حزبي صغير من الأشقاء.

في مداخلتي أمام ندوة "القضية الجنوبية ومخرجات مشاورات الرياض" أشرت إلى عشرة معالم كانت تشير إلى انهيار الشرعية وقرب سقوط شرعية من يهيمنون عليها، ما دفع الاشقاء في مجلس التعاون للدعوة للمشاورات اليمنية-اليمنية، في أبريل الماضي.
والحقيقة ان إعادة هيكلة الشرعية كان الهدف الرئيسي من هذه المشاورات.

طبعا أنا لم أشارك في أي محور من محاور النقاش رغم إنني انتمي إلى ثلاث جهات، مجلس النواب، المجلس الانتقالي والحزب الاشتراكي، لكن حتى الذين شاركوا في لجان المحاور لم يكن لهم يد في عملية نقل السلطة إلا بالموافقة على بيان الرئيس هادي برفع اليد والتصفيق.

كان واضحاً أن قرار نقل السلطة هو ثمرة تشاور بين الرئيس هادي والأشقاء في دولتي التحالف، أو لنقل في قيادة مجلس التعاون الخليجي,

كنت في أحاديثي إلى عديد من القنوات الفضائية قد حذرت من أن تسير الهيكلة على طريقة "استبدال الثوم بالبصل" كما يقول أبناء الأرياف، فالمسألة ليست مسألة استبدال اسم باسم، الواقع كان يستدعي تغيير المنهج السياسي ومبادئ التعاطي مع الازمة بكل تفرعاتها، سواء ما يخص القضية الجنوبية، أو ما يخص الحرب والانقلاب، لكن كعادة الأشقاء في الخليج يعملون على جمع المتناقضين ودمجهم في وعاء واحد، معتقدين أنهم قد أنهوا النزاع، بينما التجربة برهنت ان هذه الطريقة يمكن أن تنفع في أي مكان آخر لكنها لا تصلح في اليمن وقد قدمت نتائج التعامل مع "المبادرة الخليجية" خير برهان على ما أقول، وها نحن اليوم نلمس فشل التجربة من خلال تفرد الطرف الشمالي غي اتخاذ مواقف وتصريحات يمكن أن تؤدي إلى تفجير المجلس الرئاسي من داخله.

أما حكومة المناصفة برئاسة معين عبد الملك فقد سقطت في اختبار السنة الأولى وما تفعله الآن ليس سوى إعادة الاختبار وتكرار الفشل، وكل ما أنجزته هذه الحكومة هو توطين ستة ملايين شمالي في الجنوب لغرض صناعة تغيير ديمغرافي لصالح تحالف 1994م الذي يحكم الجنوب اليوم، وهو ما لم يفعله قادة تحالف 1994م أنفسهم خلال ربع قرن من تحكمهم في الشأن الجنوبي، فهل يراد إلحاق المجلس الرئاسي بمسلسل هذه الحكومة الفاشلة؟

س. 13 : لماذا تركز في معظم منشوراتك وتصريحاتك على انتقاد القادة الشماليين في مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء، كما في مقالك الأخير المعنون "عند ما يكون حكام بلادك من دولة شقيقة" الذي أثار جدلاً كبيراً في الأوساط الإعلامية؟

ج. 13: لست أدري إلى أي مدى أثار هذا المقال، أو أيٌ من مقالاتي من الجدل لكنني أنوه إلى إنني لا أتخذ موقفاً شخصياً من الإخوة القادة الشماليين، بيد إن من نتحدث عنهم هم من يقودون البلد (أقصد هنا الجنوب) الذي قدم أبناؤه أنهاراً من الدماء وقوافلَ من الأوراح في سبيل حريته ورفاهية أهله، فإذا بهم (أقصد أبناء الجنوب) يجدون أنفسهم تحت حكم قيادات وافدة لا تربطهم بها أية صلة سوى صلة الغزو والاجتياح في العام 1994م، والبعض كان شريكاً في غزو 2015م وهؤلاء يأتون لا ليحكموا مناطقهم ودوائرهم ومحافظاتهم التي يسيطر عليها الحوثيون، بل ليحكموا الجنوب والجنوبيين ويتحكمون في مصائرهم ويمارسون عليهم أسوأ انواع العقاب الجماعي من خلال الحرمان من الخدمات وسياسات التجويع في بلد تربض على أكبر بحيرة نفط وغاز في الجزيرة العربية وربما في العالم، لكن ما استثمر منها تذهب عائداته إلى جيوب الفاسدين،

فماذا قدم هؤلاء القادة للشعب الجنوبي مكافأة له على الانتصار الوحيد الذي حققه لصالح شرعيهم؟

إنهم يعاقبون الشعب الجنوبي لأنه هزم شقيقهم الحوثي وبرهن على قدرته على صناعة مستقبل أبنائه وأفسد عليهم فرصة الاستثمار في الحرب المتطاولة وكشف إمكانية هزيمة الجماعة الحوثية ومن تنوب عنهم وفضح زيف ادعائهم بأنهم يحاربون من أجل الشرعية وهم لا يحاربون ولم يحاربوا ولن يحاربوا في المستقبل ‘لا حيث يحققون الأرباح المليارية فقط.

س.14: وما الحل في نظرك إذن؟

ج. 14: قبل أن أحدثك عن الحل دعني أقل لك أن المناصفة بين الشمال والجنوب هي لهَّاية أو لعبة أريد بها خداع الجنوبيين ليقول لهم من شاء: إنكم تساهمون بنصف الحكومة ونصف مجلس القيادة، وهذه الحكاية قد تبدو شكلياً صحيحة، لكنها في الواقع كذبة وخطيئة كبيرة، لإنني لا أتوقع من وزير من وصاب أو مأرب أو عمران أن يتفهم قضايا المواطنين الجنوبيين ومتطلبات حياتهم ، هذا على افتراض حسن النية والإخلاص والمهنية في العمل، لكن لأن كل الزملاء الوزراء الشماليين حزبيون وكل أحزاب الشمال لها ثأر تاريخي مع الجنوب يعود إلى غزوتي 1994م و2015م، فإنه من ألنادر أن يوجد وزير شمالي مخلص وحسن النية تجاه الجنوب والجنوبيين.

أما اعتراضي على طريقة تشكيل الحكومة ومجلس الرئاسة، فسببه إنه من غير المعقول أن يكون حاكماً للجنوب رئيس ورئيس وزراء ورئيس برلمان لا يستطيع أحد منهم أن يزور مديريته ومسقط رأسه وكل رأسماله الجماهيري والجغرافي ثلاث أو أربع أو حتى عشر مديريات من بين أكثر من 300 مديرية يحكمها الحوثي.

ولكسر هذه المعادلة المختلة والعرجاء أرى أن تكون هناك حكومتان: حكومة لشؤون الجنوب تتكون من رئيس وزراء ووزراء ونواب ووكلاء وموظفين جنوبيين وظيفتها معالجة هموم المواطنين وإعادة إعمار الجنوب وتسيير الحياة اليومية في الجنوب، وحكومة لشؤون الشمال تتكون من رئيس وزراء ووزراء وموظفين من أبناء الشمال، تهتم بقضايا الشعب الشمالي وتعمل من أجل تحرير الشمال (سلماً أو حربا، والسلم هو الخيار الأفضل) واستعادة الموارد ومعالجة هموم ومعانات المواطنين الشماليين، ولا بأس من حكومة مركزية مؤقتة من 6-8 وزراء تمثل الشرعية في الداخل والخارج، وبالنسبة لمجلس الرئاسة يجب أن يعاد توزيع المهام بين أعضائه، بحيث يكون رئيسه جنوبياً ويكون له نائبٌ شماليٌ واحدٌ والبقية أعضاء في المجلس، لأن المنطق يقول أن صاحب الأرض والشعب والثروة يجب أن يرأس الحكومة والمجلس وليس الوافد الذي مديريته و95% من بلاده تحت سيطرة العدو، ومع ذلك لا بأس من بقاء المناصفة في تركيبة المجلس حتى الحل النهائي للأزمة اليمنية التي لا يلوح لها أفق مبشر في اللحظة الراهنة

س. 15: هل ترى في نهاية النفق بريقاً يبعث على الأمل بحصول انفراجة سياسية في اليمن باتجاه إنهاء الحرب وحل القضية الجنوبية حلاً عادلاً لا ضرر فيه ولا ضرار للشعبين في الشمال والجنوب؟

ج. 15: كما ألمحت لا يلوح في الأفق أي ضوء يشير إلى إمكانية الخروج من هذه الفتنة المصطنعة، فالجماعة الحوثية تتمسك بانتصاراتها التي لم تصنعها بتفوقها السياسي أو العسكري أو الأخلاقي ولكن يتخاذل وتواطؤ جماعة الشرعية وتخادمهما معا، أو على الأقل بسبب عجز الشرعية أن تكون نداً كفءً للحوثيين، واتكالها على محرر أتٍ من الخارج يقاتل نيابة عن جيشها ويهزم لها عدوها ثم يسلمها الانتصار بارداً مبرداً.

والإخوة الشرعيون الشماليون مصممون على أن نتائج 7/7/1994م هي نهاية التاريخ وأن تغييرها كفرٌ بواح، وهذا ما يعقد الأزمة شمالا وجنوباً فحمقى الحوثيين ليسوا وحدهم من يحتكر الحماقة، بل أن حمقى الشرعية ما يزالون يعيشون نشوة انتصار 1994م رغم الهزائم والخيبات والتشرد والضياع ورغم الدمار الذي ألحقوه بالشعبين في الجنوب والشمال ورغم تسامح الشعب الجنوبي معهم وإشفاقه عليهم وهم يبحثون عن مواطن يحكمونه بعد أن نبذهم مواطنو الشمال.

وفي نظري أننا أمام خيارين أحلاهما مُرٌّ: استمرار الحرب بين الحوثيين والشرعية، وهو خيار مدمر وأثبت عدم جدواه لأيٍ من الطرفين، مهما اعتقد الحوثيون أنهم قد حققوا بعض النجاحات الميدانية التي سيخسرونها في ليلة وضحاها عند ما ينفجر الشعب الشمالي في وجوههم ويلفظهم كما لفظ أسلافهم، والخيار الثاني الجلوس على طاولة الحوار الجدي والصادق والهادف لوقف هذا النزيف العبثي الأحمق، وفي هذا يجب أن يتحلى الطرفان بالمسؤولية من خلال الاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة والإقلاع عن فكرة أن أحدهما هو الملاك والشرعي والوطني والمنتقى والمنزه والآخر شيطان ومرتزق أو عميل أو خائن، والسير نحو تكريس الموارد للتنمية ومداواة الجراح الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والنفسية بدلاً من تكريسها للتفجير والتفخيخ والقتل والقصف والتدمير والقمع والتنكيل، هذا بالنسبة للشمال.

أما بالنسبة للجنوب على الأشقاء في الشرعية ومعهم الجماعة الحوثية أن يعلموا أن الشعب الجنوبي لم يعد لديه مزيد من الوقت ليضيعه ولا المزيد من القدرة على الانتظار طويلاً لاستعادة دولته بعد أن أضاع ثلاثة عقود من عمر أبنائه مثلت عشرات السنين من العذابات والتراجعات والخراب والتدمير الممنهج، وما لم يحسم الأمر في الشمال باتجاه الحل النهائي فإن الشعب الجنوبي سيجد نفسه مضطراً لاستبدال الخيارات القائمة بخيارات أخرى لا يستطيع أحد أن يمنعه من اللجوء إليها بعد كل التنازلات التي قدمها احتراماً وتقديراً لنوايا الأشقاء في التحالف العربي، مهما أغضبت تلك الخيارات أياً من الأعداء أو حتى من الأصدقاء.