تستفيد دوائر بريطانية معادية للسعودية من توتر العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة بسبب قرار أوبك خفض الإنتاج، لتظهر في الواجهة وتهاجم السعودية لا باعتماد ورقة حقوق الإنسان فحسب، وإنما أيضا من خلال خلق لوبي يعمل على تخويف السياسيين من زيارتها أو التواصل معها.
وضمن سياق هذه الضغوط عاد هذا اللوبي إلى النبش في الزيارة التي أجراها كواسي كوارتنغ، وزير المالية البريطاني الحالي، إلى السعودية حين كان وزيرا للأعمال، مدّعيا أن لقاءات مهمة عقدها الوزير مع مسؤولي قطاعات الأعمال في المملكة -خصوصا قطاع النفط- لم يتم إيرادها في ملخص الزيارة، وحاول لفت النظر إلى الحفاوة التي استُقبل بها بل وتضخيمها عبر الإقرار بأنه كان يستعمل طائرات وفرتها شركات سعودية مثل أرامكو لزيارة المواقع التابعة لها وليست طائرات حكومية.
وانتقدت النائبة عن حزب الخضر كارولين لوكاس الافتقار إلى الشفافية ودعت إلى الكشف عن الاجتماعات التي أُجريت مع أرامكو وسابك “بشكل كامل وشامل”. وتساءلت مستنكرةً “إذا فشل وزير الطاقة آنذاك والمستشار الآن في الإعلان عن اجتماعاته بشكل صحيح، فكيف لنا أن نصدق عدم تبديد سياساتنا المناخية وعدم المساس بأمن طاقتنا وتجاهل سجل السعودية المروع في مجال حقوق الإنسان؟”.
ولم يشفع لكوارتنغ ذهابه إلى السعودية في زيارة رسمية تهدف إلى بناء علاقات اقتصادية متينة مع شريك قوي لمساعدة بريطانيا على تطويق مخلفات الخروج غير المسحوب من الاتحاد الأوروبي (بريكست). كما لم يشفع له أن زيارته كانت تحت الأضواء، وأن الشركات التي تم اتهامه بالحصول على خدمات منها نشرت آنذاك تغريدات بالإنجليزية عن الزيارة مصحوبة بصور، ما يؤكد أنها لم تكن سرية وليس فيها ما يجعله خاضعًا للمساءلة.
وقال مراقبون إن العودة إلى هذه الزيارة، التي كانت ضمن مساعي الحكومة البريطانية السابقة للخروج من مأزق بريكست وليست زيارة شخصية، في هذا التوقيت بالذات أمر ليس بريئا، وإن اللوبي المعادي للرياض يريد استثمار تصعيد الخطاب الأميركي ضد السعودية بسبب قرار أوبك خفض إنتاج النفط للضغط على المملكة وإعادة تحريك ورقة حقوق الإنسان ضدها، خاصة ما تعلق منها بحقوق المرأة والتشريعات، بالرغم من أنها قامت بإصلاحات مهمة في المجال الاجتماعي وغيرت الكثير من القوانين.
ويُنتظر كذلك أن يتم استهداف السعودية بانتقادات شديدة بشأن الحرب في اليمن وتحميلها مسؤولية مخلفاتها على المدنيين من قتلى وجرحى ولاجئين، والضغط لمنع حصولها على الأسلحة، كما يحدث كلما نشب خلاف سعودي – غربي.
ويعرف السعوديون أن ورقة حقوق الإنسان سيتم تحريكها هذه الأيام للضغط عليهم بعد قرار خفض إنتاج النفط الذي تحمّلهم الإدارة الأميركية مسؤوليته، وأن الهدف الأول سيكون ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من خلال إعادة تحريك موضوع مقتل الصحافي جمال خاشقجي والاستثمار فيه سياسيا وإعلاميا.
وأشار المراقبون إلى أن الصعود المفاجئ لخطاب انتقاد السعودية والضغط على المسؤولين الغربيين لوقف أي تعامل معها يأتيان ضمن مناخ أوسع تزامنا مع قيام دوائر أميركية نافذة بحثّ بريطانيا وفرنسا على الدخول على خط الامتعاض من قرار أوبك ، في مسعى لإظهار السعودية كأنها تقف في صف روسيا في الحرب على أوكرانيا وتساعدها من خلال فرض أسعار نفط مرتفعة وتأمين عائدات كبيرة تمكنها من مجابهة تكاليف الحرب.
ويشتغل اللوبي الغربي المعادي للسعودية، والآخذ في التوسع، على فكرة أن خطوات أوبك الأخيرة هي قرارات سياسية، وهو ما من شأنه أن يحول السعودية في نظر الأوروبيين، على وجه الخصوص، إلى شريك في الأزمات التي يعيشونها بسبب الحرب في أوكرانيا، وهو ما حدا بوزارة الخارجية السعودية إلى إصدار بيان نفت فيه هذه التأويلات واعتبرت أن دواعي قرار أوبك اقتصادية وليست سياسية.
لكن المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي قال الخميس إن بلاده “قدمت إلى السعودية تحليلا يظهر أنه لا يوجد في السوق أساس لخفض إنتاج النفط”، مضيفا أن دولا أخرى في أوبك أبلغت الولايات المتحدة سرا بأنها “شعرت بأنها مضطرة إلى دعم توجّه السعودية”.
ويأتي الرد الأميركي على بيان الخارجية السعودية في سياق مسعى لتثبيت تهمة تسييس قرار أوبك ما يسهّل على واشنطن خطوات استهداف الرياض كونها الطرف القوي في التحالف النفطي إلى جانب روسيا. ويمكن أن يكون هذا التمشي أرضية لاستهداف التعاملات الاقتصادية مع السعودية واتهام المتعاملين معها بأنهم جزء من لوبي يشتغل لفائدتها، ما يجعلهم قبلة للضغوط والاستهداف السياسي والإعلامي مثلما هو الأمر مع وزير المالية البريطاني الحالي.
ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية ما قالت إنه وثائق حصلت عليها لاجتماعات عقدها كوارتنغ في يناير الماضي، حين زار السعودية خلال رحلة استغرقت يومين في إطار مهامه الوزارية، وإنه عقد اجتماعات غير معلنة مع الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، التي تعدّ أكبر منتج للنفط في العالم، ومع الرئيس التنفيذي لشركة سابك، وهي رابع أكبر شركة بتروكيماويات في العالم، ومع رئيس مجموعة الفنار المتخصصة في تصنيع وتجارة المنتجات الكهربائية الإنشائية.
وقالت الصحيفة إن تقارير وزارة الأعمال والطاقة والإستراتيجية الصناعية المصممة لهدف الشفافية لم تتضمن أيّ إشارة إلى الاجتماعات خلال الفترة التي كان فيها كوارتنغ في السعودية عندما نُشرت في الأصل.
وأضافت أنه بالرغم من أن الإعلان عن الاجتماعات مع شخصيات حكومية أجنبية غير ضروري إلا أن اللقاءات مع رجال الأعمال التنفيذيين يجب أن تُذكر. وقال متحدث باسم الحكومة إنه كان هناك “إشراف إداري”.