منوعات

السبت - 16 أغسطس 2025 - الساعة 11:04 ص بتوقيت اليمن ،،،

بلال غلام حسين


لطالما ارتبطت عدن، المدينة الساحلية العريقة، بعاداتها الأصيلة التي حملت معها عبق التاريخ وأصالة المكان, ومن بين هذه العادات ما يتعلق بالمشروب الأكثر ارتباطاً بالحياة اليومية وهو الشاهي ..

لم يكن مجرد مشروب يروى به الكيف والمزاج، بل كان طقساً اجتماعياً وروحاً تسري في تفاصيل الحياة العدنية .. ومنذ أن تواجد الهنود في عدن قبل دخول الاستعمار البريطاني، حملوا معهم طرقهم الخاصة في إعداد الشاهي، فامتزجت الثقافات وتكونت نكهة عدنية خالصة لا تُنسى.

عرف العدنيون طريقة مميزة في إعداد الشاهي، ورثوها من الثقافة الهندية المتجذرة في المدينة منذ قرون .. كانت الطريقة التقليدية تعتمد على استخدام ما يُعرف بـ"السِجري"، وهو نوع من أدوات الطهو الذي يعمل بالفحم، ولكنه مصنوع من الحديد، وقد انتشر استخدامه قبل ظهور "الشولة أبو بمب" وأنواع المواقد الحديثة الأخرى، وكان يُعد الشاهي عليه ببطء وعلى نار هادئة تمنحه نكهته الفريدة.

ومن أشهر أنواع الشاي الذي كان يُحضر بهذه الطريقة هو "الشاهي الملبن"، الذي لا يُعتبر مجرد شراب بل طقس تقليدي عريق، تبدأ عملية إعداده بغلي الماء المُقطر والمعروف بـ"مي بمبا" على نار المربخ، ثم يُضاف إليه اللبن الطازج، الذي كانت توفره بعض المقاهي من زرايب أبقارها الخاصة، لا سيما المتواجدة في منطقة "حافة القطيع"، وكان اللبن يُوزع صباحاً باستخدام حافظات معدنية تُسمى "الهِندة".

يُغلى الشاهي السيلاني الورق، الذي كان يستورده "عصب والا" مع اللبن حتى يتجانس المزيج، ثم يُضاف إليه "حوايج الشاهي"، وهي مكونات تقليدية تُطحن معاً، وتشمل الهيل، الجوز، القرنفل، القرفة، وتُترك لتغلي حتى تفوح رائحتها الزكية.

وكان الشاهي المطبوخ على نار المربخ يُعتبر الأفضل و ذو مزاج خاص، ويحتاج إلى مهارة وخبرة لضبط الوقت وكمية المكونات .. وكان "شاهي عصب والا" من أجود أنواع الشاي المستخدم في عدن، وهو ما يؤكد على حرص الأهالي على جودته .. ومن أنواع الشاهي الذي يرغب به الزبائن: الشاهي الجروو، العُصملي، الرزين، المليان، دبل نص، وغيرها من المسميات التي جاءت لاحقاً.

أما عن المقاهي العدنية، فقد كانت مركزاً اجتماعياً هاماً، وكانت تقدم إلى جانب الشاي "قهوة قشر مع التمر"، ويُشرب كلاهما في "قلاصات تسمى الحيسي" المصنوعة من الفخار .. ومع دخول البريطانيين وتطور نمط الحياة، بدأ استخدام "القلص" و"السيسر" الزجاجي في تقديم الشاي.

ومن أشهر المقاهي العدنية القديمة مقهاية زكو، مقهاية كشر، مقهاية الحاج شوكة الصومالي، مقهاية فارع، مقهاية الحاج حسن غُبري، ومقهاية الحاج عثمان وعبدان، وغيرها من المقاهي الشهيرة في عدن .. ثم جاءت مرحلة الستينات والسبعينات التي شهدت افتتاح مقاهي جديدة مثل مقهاية سيلان، مقهاية الشعب (المعروفة اليوم بـ"سكران")، وغيرها، والتي كانت تبيع كذلك قهوة القشر مع التمر قديماً.

لكن مع مرور الزمن، بدأت تلك الطقوس العريقة تختفي شيئاً فشيئاً، لتحل محلها طرق حديثة افتقرت إلى الروح والنكهة، كغلي الشاي على المواقد الغازية، أو حتى تقديمه في أكياس النايلون أو "قصع اللبن"، وهي عادات دخيلة علينا وهكذا، فقد الشاهي العدني شيئاً من عبقه القديم، ومعه ضاعت طقوس كانت جزءاً من ذاكرة المدينة وتراثها الشعبي.

بلال غلام حسين
١٥ أغسطس ٢٠٢٥م