عرب وعالم

الثلاثاء - 25 يناير 2022 - الساعة 03:18 ص بتوقيت اليمن ،،،

وكالات

اعتبرت أوساط سياسية لبنانية أن قرار سعد الحريري تعليق نشاطه السياسي، سواء بشكل مؤقت أو دائم، هو نهاية منطقية وغير مأسوف عليها لرجل سياسة عرف بتقلب مواقفه وارتباكها، إضافة إلى عجزه عن القيام بالمهمة الكبرى، وهي الوقوف في وجه حزب الله.

وأشارت هذه الأوساط اللبنانية إلى أن الحريري استبق الهروب النهائي من المشهد السياسي الذي أعلن عنه الاثنين بمراحل من العزلة الاختيارية، ما كشف أنه أقل من أن يكون لاعبا يتم الرهان عليه للعب أدوار مؤثرة في لبنان، سواء في حماية السنة والدفاع عن دورهم أو في مواجهة حزب الله وتحالفاته الداخلية والخارجية التي ترهن البلد لإيران.

وبعد نهاية دور سياسي بدأ منذ اغتيال والده رفيق الحريري في 2005 بدا زعيم تيار المستقبل يبحث لنفسه عن أعذار وعن شماعة يعلق عليها الفشل، مثل قوله إنه “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني”، وهو أمر كان يعرفه منذ البداية وهو الوضع نفسه الذي قاد إلى اغتيال والده.

وأعلن الحريري (51 عاما) في خطاب مقتضب ألقاه من دائرته في وسط بيروت “تعليق عملي بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل (الذي يترأسه) لاتخاذ الخطوة نفسها”.

وأكد كذلك “عدم الترشّح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسمه”.

وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من الانتكاسات التي مني بها الحريري ماليًّا وسياسيا في السنوات القليلة الماضية، خاصة ما تعلق بخسارته لثقة السعودية، وفي ظل أزمة سياسية واقتصادية ومالية حادة تشلّ لبنان منذ عامين.

وقال الحريري في خطابه الاثنين “لا شكّ أن منع الحرب الأهلية فرض علي تسويات”، مضيفا “هذا كان سبب كل خطوة اتخذتها، كما كان سبب خسارتي لثروتي الشخصية وبعض صداقاتي الخارجية والكثير من تحالفاتي الوطنية وبعض الرفاق وحتى الإخوة”.

ويعتقد مراقبون لبنانيون أن الحريري يبحث عن أعذار لتبرير انسحابه، خاصة أنه هو من اختار التحالف مع حزب الله والرئيس اللبناني ميشال عون، وقدم غطاء شرعيا لتحالف مناهض لمصالح سنة لبنان والدول الداعمة له.

وفي الانتخابات الأخيرة عام 2018 التي كرّست نفوذ حزب الله تراجع حجم كتلة الحريري النيابية بنحو الثلث، وأرجع البعض انخفاض شعبيته إلى تنازلات سياسية قدمها معللاً إياها بدافع الحفاظ على السلم الأهلي.

وشكل توتر العلاقة بين الحريري والسعودية منعطفا في مسيرته السياسية؛ ففي الرابع من نوفمبر 2017 أعلن استقالته من رئاسة الحكومة من الرياض، قائلا إنه يريد إحداث “صدمة” تفتح الأعين على دور حزب الله السلبي وانعكاساته على لبنان بسبب تدخله في النزاعات الإقليمية بدعم من إيران، في خطوة شكلت صدمة للبنانيين.

وظل الحريري في السعودية إثر إعلان الاستقالة لأيام وسط حديث عن احتجازه. ثم عاد إلى لبنان بعد تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع المسؤولين السعوديين. كما تراجع الحريري عن استقالته.

وبالإضافة إلى الخسائر السياسية التي تسبب فيها الحريري لنفسه لاقى الكثير من الخسائر الشخصية والمالية، حيث كان وراء أزمة شركة البناء “سعودي أوجيه” المثقلة بالديون والتي قامت بصرف موظفيها الـ56 ألفا أو توقفت عن دفع رواتبهم.

وفي سبتمبر 2019 أعلن الحريري تعليق العمل في تلفزيون “المستقبل” الذي يملكه بعد أكثر من ربع قرن على إطلاقه. ثم توقفت صحيفة “المستقبل” التي أسسها والده عن الصدور ورقيّا مطلع 2019، بعد عشرين عاما من بدء صدورها.

وكانت مجلة “فوربز” تقدّر ثروة سعد الحريري بـ1.5 مليار دولار، لكنّه خسر الكثير خلال السنوات الماضية. وقال عام 2020 “لم يعد لديّ ولا أي مليار، بل أقل بكثير”.

وقطعت مجموعة من أنصار الحريري مساء الاثنين عددا من الطرقات في العاصمة بيروت، احتجاجاً على قراره تعليق نشاطه السياسي وعزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة.

وعمد أنصار الحريري إلى قطع طريق قصقص في بيروت بالإطارات المشتعلة وحاويات النفايات، وسط انتشار للقوى الأمنية.

وأعرب المحتجون عن استنكارهم لقرار الحريري تعليق عمله في السياسة، ووصفوه بأنه رجل الاعتدال وأنه يرفض الدم والفتنة.

وأعلنوا أنهم سوف يقاطعون الانتخابات النيابية إذا لم يترشح لها، وطالبوه بالتراجع عن قراره.

ويأتي قرار زعيم تيار المستقبل قبل أشهر من الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في مايو المقبل، والتي ينظر كثيرون إليها على أنها فرصة لإحداث تغيير، ولو ضئيل. إلا أن تداعيات الأزمة الاقتصادية وانفجار الرابع من أغسطس 2020 الذي دمر جزءا كبيرا من بيروت وقتل أكثر من مئتي شخص ساهما في إحباط اللبنانيين تدريجيّا. واليوم يعيش نحو ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر، وهاجر الآلاف من اللبنانيين البلد، وتركز غالبية اللبنانيين على تأمين حاجاتها الأساسية ولا تهتم بالسياسة.

وتقول مديرة مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط مهى يحيى إن عزوف الحريري قد “يمهّد لمقاطعة سنيّة للانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة التي من المرجح أن تؤجل”.

وترى أن هذا الأمر “سيشكل تأكيداً للفراغ في القيادة السياسية السنية خصوصاً إذا تبنى سياسيون سنة آخرون قرار سعد الحريري”، دون أن تستبعد لجوء قوى سياسية رئيسية في البلاد إلى المطالبة بعد هذا القرار بتأجيل الانتخابات.