كتابات وآراء


الإثنين - 17 يناير 2022 - الساعة 11:31 م

كُتب بواسطة : صالح البيضاني - ارشيف الكاتب


يمر الحوثيون بواحدة من لحظات ضعفهم المتقطعة نتيجة الضغوط العسكرية والدبلوماسية وسيل الإدانات الدولية والأممية التي يتعرضون لها بسبب تصلبهم وقراءتهم الخاطئة للتحولات الدولية، وربما نتيجة استلاب قراراهم بشكل كامل من قبل الحرس الثوري الإيراني الذي تعزز نفوذه بعد وصول الضابط الإيراني حسن إيرلو إلى صنعاء بصفته سفيرا لدى الحوثيين وخروجه المفاجئ كذلك من المشهد اليمني والحياة بأسرها.

ومن تراكم معرفي في الخطاب السياسي الحوثي، بات معلوما أن هذه الجماعة تتبادل مواقف القوة والمظلومية بشكل مثير لدوار البحر، فحينما تكون الجماعة متفوقة عسكريا تتحدث عن القوة وعن التمكين الإلهي وتتوعد العالم وخصوصا الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن هذا الخطاب الثوري والراديكالي الزائف سرعان ما يتحول عندما يتعرض الحوثيون لانتكاسات عسكرية كما حدث في شبوة والساحل الغربي ويحدث في مأرب اليوم، حيث عاد الحديث عن “المظلومية” المزعومة ليتصدر خطابات قادة الجماعة، مرادفا لاتهامات للغرب والعالم بالتآمر على الحوثيين وحصارهم.

ولا يجد قادة الجماعة الحوثية غضاضة أو حرجا في تغيير مواقفهم كالجرابات البالية، فحالة التذبذب بين شعارات القوة والضعف باتت سمة من سمات خطابهم السياسي والإعلامي الذي يمر خلال هذه الفترة بحالة حرجة وسوء تقدير في قراءة المتغيرات ورهان على غيبوبة دولية وأممية يبدو أنها لن تطول كثيرا.

وحالة الغيبوبة المتعمدة أو المرضية التي مرت بها مواقف المجتمع الدولي خلال سبع سنوات من حرب اليمن وغاب معها الضغط الحقيقي على الجماعة المتمردة والرؤى العميقة لمعالجة أسباب الأزمة، ساهمت إلى حد كبير في تعقيد حبائل الملف اليمني وتشجيع الحوثيين على المضي قدما في استغفال العالم واللعب على المتناقضات والسير في مسارين حوثيين متوازيين، أحدهما يبيع وهم السلام في المحافل الدولية وأمام السفراء والمبعوثين الأمميين والآخر وهو الوجه الحقيقي للجماعة يستمر في مشروعه المسلح الدموي لفرض سياسة أمر واقع على الأرض وإفراغ خيارات السلام من محتواها.

وبعد سبع سنوات من الحرب واستنفاد المجتمع الدولي وخصوصا واشنطن والأمم المتحدة لجهود إحلال السلام عبر مسار متعجرف يراهن فيه المبعوثان الأممي والأميركي على وضع الكثير من الجزر على طاولة المشاورات بهدف جلب الحوثي إليها، وهي الاستراتيجية التي أثبتت فشلها بعد أن أخفى العالم العصا التي كان يجب إشهارها منذ وقت مبكر في وجه الحوثيين لدفعهم إلى تلقف آخر جزرات السلام الممكنة والمتاحة بعد أن أراق المجتمع الدولي ماء وجهه وقراراته الأممية وهو يحاول استجلاب رغبة السلام الكامنة في عمق جماعة أيديولوجية لا تؤمن بمثل هذه الخيارات الرومانسية.

وعلى الرغم من السلبيات التي مر بها تعامل العالم وخصوصا الدول الفاعلة في الملف مع الحرب اليمنية خلال سبع سنوات، إلا أن العام الجديد 2022 حمل معه تحولات لافتة ولكنها بطيئة نوعا ما، وفي مقدمة تلك التحولات التي يمكن أن تساهم في حلحلة الملف اليمني، حالة الصحوة الدولية تجاه التعنّت الحوثي والتي ترافقت مع حراك عسكري وسياسي ضيّق من هامش الحركة الحوثية وحالة الاسترخاء التي كانت تتمتع بها الجماعة أو ربما رفاهية الحرب التي جعلت قادة الميليشيات يراكمون الثروة والسلطة في صنعاء بينما يزجون بأولاد اليمنيين الفقراء إلى الجبهات لتنفيذ أجندة مرتبطة بمصالح إيران في المقام الأول.

وقد انعكست التحولات السياسية والعسكرية سريعا على مزاج قادة الميليشيات الحوثية وعلى خطاباتهم السياسية، بعد أن تعرضت مقراتهم الآمنة للقصف الجوي وبعد أن تحول اندفاعهم في شبوة ومأرب إلى هزائم ميدانية موجعة على وقع إدانات غير مسبوقة تعرضت لها الجماعة الحوثية من قبل الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على خلفية تصعيدهم العسكري في مأرب واختطافهم لسفينة الشحن التجارية “روابي” في البحر الأحمر، واحتجازهم لعشرات من الموظفين في السفارة الأميركية والمنظمات التابعة للأمم المتحدة.

وكما تكشف تلك المؤشرات عن الوضع الحرج الذي يمر به المشروع الحوثي في اليمن، يمكن إضافة عامل آخر يبيّن حجم المأزق الذي تواجهه الجماعة المدعومة من إيران وهو دعوة طهران ذاتها التي كانت تتفاخر بإنجازات من أسمتهم “شيعة الشوارع” في صنعاء، إلى وقف لإطلاق النار وحوار سياسي بعد أن كانت تضع سقوط مأرب على قائمة شروطها للحديث عن السلام فقط وليس الخوض فيه.