كتابات وآراء


الإثنين - 10 يناير 2022 - الساعة 01:17 ص

كُتب بواسطة : صالح البيضاني - ارشيف الكاتب


أكدت الانتصارات السريعة التي حققتها قوات العمالقة الجنوبية في محافظة شبوة على العديد من الأمور المتصلة بطبيعة الحرب اليمنية وعناصرها وبعض خفايا تعقيداتها التي لم تكن خافية على من يعرفون بعض خلفيات الملف اليمني.

وأولى تلك الحقائق التي كشفت عنها انتصارات العمالقة هي زيف الدعاية التي روج لها الحوثيون عن كونهم ميليشيات عقائدية لا تهزم، وهي الأكذوبة التي ترسخت شعبيا وحتى سياسيا عبر سلسلة طويلة من الانتصارات غير المستحقة التي حققها الحوثيون خلال السنوات السبع الماضية على خصومهم.

والأسباب الحقيقية التي تقف خلف تلك الانتصارات غير المستحقة للحوثيين مرتبطة إلى حد كبير بالحقيقة الثانية التي تبعثها انتصارات العمالقة في شبوة وتحريرهم مديرياتها الثلاث في وقت قياسي وقصير، وتلك الحقيقة مفادها أن الحوثيين لم يحققوا أي انتصار لقوتهم التي لا تقهر واستبسالهم وشجاعتهم كما يعتقد البعض، ولكن لأنهم استغلوا حتى التخاذل والارتباك والفساد وسوء الإدارة لدى الطرف الآخر، وهي عوامل الضعف التي لم تكن موجودة لدى ألوية العمالقة الجنوبية التي تحولت شعبيا إلى أسطورة في هزيمة وقهر أسطورة الميليشيات الحوثية التي لا تهزم.

وعوضا عن الحقيقتين المباشرتين اللتين تحققتا من خلال انتصارات العمالقة بدءا من الساحل الغربي وصولا إلى الساحل الشرقي لليمن، تبرز الكثير من الحقائق الأخرى التي يأخذ بعضها طابعا تاريخيا وعقائديا وهي تلك المرتبطة بجغرافيا اليمن المذهبية والثقافية، والتي تعززت بعوامل أخرى صنعها ضعف وارتباك خصوم الحوثي الذي عمل على إخفاء ضعفه خلف أخطاء مناوئيه ونسج أسطورته التي تمزقت أمام أول اختبار حقيقي للقوة.

ولكن لنكون منصفين، ينبغي أن نقول إن ميليشيات الحوثي تتكئ على تراث من الصراعات وتتقوى بشعارات عقائدية وأيديولوجية منحتها نوعا من الرغبة في الاندفاع والتضحية، ولكن تلك العوامل كان ينبغي أن تتلاشى أمام معطيات القوة على الأرض التي وفرها التحالف العربي لمقاتلين من ذات النسيج الاجتماعي الذين لا تنقصهم الرغبة في قتال الحوثيين، ولا تعوزهم الأسباب والدوافع لذلك، ومن أبرزها رداء العنصرية والسلالية والمذهبية الذي يرتديه الحوثي ويجعل منه مبررا ليردي به خصومه ويذلهم وينال منهم.

غير أن الوقائع على الأرض طوال سبع سنوات تؤكد أن ذلك الدعم الجوي واللوجستي والسياسي والدبلوماسي والإعلامي الذي وفره التحالف العربي بقيادة السعودية ومشاركة دولة الإمارات للمناوئين للحوثي، أو لبعضهم، لم يكن فاعلا في ردع الحوثيين الذين يتلقون كذلك دعما إيرانيا في المقابل، لكنه لا يوازي شيئا مقارنة بدعم التحالف للشرعية اليمنية.

وهنا يبرز التساؤل التقليدي، لماذا انتصر الحوثيون طوال السنوات السبع الماضية وانتزعوا مناطق محررة في شمال اليمن، في حين تراجعت فاعلية قوات الشرعية؟ والإجابة الأكثر عملية وواقعية للرد على هذا التساؤل الملح، جاءت خاطفة عن طريق قوات العمالقة الجنوبية التي استطاعت خلال بضعة أيام فقط استعادة ثلاث مديريات شاسعة في محافظة شبوة مستفيدة من دعم التحالف الجوي واللوجستي، ولكنها قبل ذلك تمكنت من توظيف هذا الدعم بشكل مثالي ونزيه وفعال مدفوعة بخلفية ثقافية وأيديولوجية معادية لأيديولوجية الحوثيين، على خلاف بعض القوى المحسوبة على الشرعية والتي ما تزال تضع وجوها للمقارنة بين التحالف والحوثيين من جهة، والحوثيين والانتقالي من جهة أخرى، في تعبير فاضح عن غياب الحافز الثقافي والتاريخي في هزيمة هذا المشروع الإيراني الذي عبدت التناقضات له الطريق ودفعت به عجلة الفساد والحسابات السياسية بعيدا في جوف اليمن المظلم.