كتابات وآراء


الجمعة - 16 ديسمبر 2022 - الساعة 07:14 م

كُتب بواسطة : د. عارف محمد الحسني - ارشيف الكاتب



انعدم من بيوتِنا رشِف قلصُ شاي بالحليبِ كان كالمِكْيالُ العظيمَ ؛ باقي عندنا شاي أسود فقير ؛ ومنا لا يزال يرشُفه من حُبِه لهُ في مقهىً بعيد ؛ بكوب قد تقَزم عاكِساً فقرةُ الشديد.

– انعدم السمك من موائدِ غَذائَنا ؛ المُغذي الباقي الوحيد ، وأصبح نشمُ رائِحتهُ من مطبخِ جارنا السعيد أو من مطعمٍ قريب لدارنا في سوقنا القديم أو نشُم رائحته من أصابعِنا عند تقليبه عند بائع السمك العنيد ، ولن تستطيع شراءه من ثمنه المُفزِع الكبير

- انعدم أكل لحمٍ من خِرافٍ أو دجاجٌ فأصبح من الذِكرَ البعيد ؛ فأصابت أجسادَنا هُزالاً ، وفقر دمٍ شديد ، وشحوب لِجلدٍ كان لامِعا أنيق ، وفقد بصرٌ

- كان حديد ، ونسينا طعمُها وطريقة طبخُها من زمنٍ بعيد

– أنعدم بيض دجاجنا المحلي الآتي من إبٍ أو ذمارٌ ذو الحِجم الكبير ، وصار بيض فرخ حمام لا يسُدَ جوع أحدنا إن تناوله في فطور أو عشاءٍ بحضور ضيف صديق – فيُصيبُ الواحِد منا حرجٌ إن طبخ حبة بيض لوجبة تناولها من وقت طويل

– انعدمت تحليةً كانت تُؤخذ بعد وجبة غذاء الظهر في الزمنِ الجميل كقِطعة حلوى ، وكوب قهوةٌ محوج وزيادة بالحليب أو فقش من حبحبٍ أو شمام باردٌ عسلي لذيذ أو حبة موز خضراء رطبة حالية كالزبيبِ أو كوب عصير ليم حامض مُحلى وبه ثلج كثير أو قلص سكريم أبو روتي من جوار محطة التواهي القديم أو كأس شاي به زهْرُ قُرُنفُلٌ أو هيل أو أوراق نعناع منعش لذيذ

– انعدم زُبد بقرٍ مُبخراً بعود أثلٍ أو سدرٍ قليل مكبا ، وبحبَ الحُلبة المُحمص اللذيذ لِتكسِبهُ طعما لا يفارق ذلك اليوم السعيد على وجه طبق فولنا الغالي الحبيب ، وخبزا ناديا كشعر عذراء رطب كالحرير

- انعدم من بيوتنا شراء لِبس ثوبٌ جديد في عيدِ فطرٍ أو عيداً كبير أو عند مُناسبة لخطوبةٍ أو لفرحِ جارٍ قريب أو عند الذهاب لحفلِ تخرجُ لطالبٍ نجيب أو عند زيارة لأهلٍ لحضورِ حفل زفاف في قريةٍ أو محافظةٌ قريب

– أنعدم القدرة على شراءِ نعلٍ فهو بالثمنِ الكبير للذهابِ به في فسحةٍ في شارعِ حينا القديم

– أنعدم شراء لوحة تُعلق في جدارِ بيتنا الحزين لتدخل فرحاً غادر عن أسرتي من ضعفِ راتبي الحقير

- أنعدم شراء قارورة عطرٍ فواحةً فأصبح سعرهُ ربع راتب موظف بسيط ؛ لِيُهديه خطيبا لخطيب أو في عيد زواج مثلَكم مر عليه عامٌ جديد أو في مناسبةِ صديق لصديق أو هدية من ابنةٍ تذكُر لأباها فِعْلٌ جميل

– انعدم إدخال كيس فاكِهة عند صلة رِحْمٍ لأبٍ أو أمٍ قعيد لأن ثمنه كبير ، والله لا يُحب المُسْرفين

– أنعدم من احتفالات عُرسِنا غداء رزٌ مصنوع بلحمِ كبش سمين

– انعدمت صَدَقاتُنا من مالٍ أو فضيلة خُبْزٌ إلا من تسبيحُ ، وتحميدٌ ، وتكبيرٌ كثير

- انعدم التفكير منا أن نُكمل حج بيت الله بعد أن أصبح مُعْجِزاً لغنيٍ قبل فقير ، وأصبحنا نُخاطِب النفس إن الله غفور رحيم

– انعدم أصلاح عطبٌ أصاب أدوات منزلٌ كانت لها أثر ، وذِكْرٌ عجيب كبطارية أبو ماء أسيت أو خلاط مطبخٌ أُصيب بعطبٍ مُمِيت

– أنعدم ترميم بيتاً من طلاءٍ أو ستائِر أو فرشٌ جديد أو أصاب جدار بيت راحتنا تسرُبُ ماءً أصابه بخللٍ خطير

- انعدم تسليحُ طفل جديد لعلمٍ فيحتاج الواحد منهم 50.000 ألف ريال بين حقيبة وحذاء ودفاتر وثوب أبيض قشيب ، وإن كانوا اثنان فلهما 100.000 ألف أو يزيدُ ؛ انعدمت عُجالة طفلٌ صغير لمدرسةٍ أو بعد العصرُ القصير ، فأصبحت من الأثر البعيد لأنها أعجزت دخل أبٌ من الدخلِ الصغير

- انعدمت وجبة الفُسْحة لأطفالنا كانت تُصنع من رغيفٍ به زبده ، وجُبنه كرافت لذيذ ، أو وجبة من حلاوة طحينية مُطعمة بالفستق الأخضر اللذيذ ، والبعض الآخر منا حبة بيض كبير ، وحبات زيتون أسود مغذي لذيذ ؛ أو حبة بيض مطبوخة برأس بصلٍ كبير ملفوفة بورق أبيض نظيف خوفاً من الحبرِ الأسود الخطير

– انعدم ثؤاج كبشٌ أو ثقاء ماعِزٌ من منزلٍ مواطن ذو راتب عنيد ، وله أطفال كثير لم يطْعموا اللحم من عُمرٍ طويل في عيدِ فطرٍ أو عيدٌ كبير

- أنعدم من حياتِنا مجاملةُ أخٌ صديق أو جارُ حبابً لطيف عند إقامة حفل عرسٍ لأبنه الأكبر في حفلٍ علنٍ بهيج إلا بالشيء اليسير الذي يحتقره عند تقديمه بلا ظرف كبير

- انعدم الحبُ من قلوبِنا بالرغم من أن "الحب موهوب من ربي ؛ الحب زادي وُهو شربي - أيوب طارش" نظرا للتأنيبِ الكثير من النصفِ الآخرُ لحياتِنا - لم نرى مِنكم يومٌ سعيد طوال هذا العمر المديد لا فيها هديه ، ولا ثوب نومٍ جديد ، ولا لوحة ماكياج عجيب ، ولا مبلغ شهري لنشتري به شيء لأنفسنا جديد ، ولا خُلوة عشاء في مطعمٍ راقي أنيق .

أنعدم كل شيء عجيب كنا نظن بوجودكم معنا بأن نحلُم بعهدٍ جديد – فتبخر الحُلم منا وصُرنا في عُمق الأرض البعيد " كجبِ إخوة يوسِف الذي دُفِن ، ولم يمُت فمن يخرجنا من الجُبِّ المُميت " ؟؟؟ .

د. عارف محمد أحمد علي