كتابات وآراء


الإثنين - 05 ديسمبر 2022 - الساعة 12:54 ص

كُتب بواسطة : صالح أبو عوذل - ارشيف الكاتب



في العام 2020، التقيت به، على هامش تدشين مخيم طبي لعلاج مرضى "كورونا" بالعاصمة عدن، قال لي منتشياً "أنا ضابط في أمن الدولة السابق وعضو لجنة مركزية في الحزب الاشتراكي اليمني، وشاهد على كل ما تعرضت له عدن".

قاطعته "ولكن لماذا لا يرى البعض ما تعرضت له العاصمة بعد 1994م، حين نالت جحافل الغزو اليمنية من كل شيء جميل".

قال "لي تعرف أن حرب 1994م، حصلت وأنا عمري 30 سنة، وأنا حاليا في منتصف الستينات من عمري وشاهد على كل شيء، تعرف معنى شاهد على كل شيء".

بالقرب مننا كان يجلس في الشمس رجل تقريبا في منتصف أو أواخر السبعينات، اعتقد أنه أتى برفقة حفيدته التي تبحث عن تعاقد في المركز الطبي المؤقت.

كان يستمع إلى الرجل ويضحك، دخل الأستاذ "فهد مشبق" يفتتح المركز الطبي، في حين ذهبتُ صوب الرجل العجوز وسلمت عليه، قال لي تعرف أني أعرف هذا الأخ من عام 1985، جاء إلى عدن قبل أشهر من أحداث يناير1986م، يضحك "ولا كان ضابط ولا أم الجن"..

قلت له "يبدو أنه زناط اصقله"؟.

قال لي الصحيح "هو كان يشتغل (....) بس ما كان ضابط ولا أي شيء لأنه أتى من (....) وهو طفل صغير.. لكم أن تتخيلوا أن هذا الطفل الصغير الذي أصبح اليوم ستيني ونيف من السنوات، يمتلك عمارة كاملة في العاصمة عدن، لم يضع فيها "طوبة واحدة"، فقط حصل عليها "بشخطة قلم"، لأنه كان "يسبك الشاهي تمام".

قال لي الحاج "تعرف أنه عقب الاستقلال الوطني في الجنوب، وعقب الإطاحة بالرئيس سالمين وإعـ.ـدامه دون محاكمة، نفذ مشروع قانون التأميم، حيث قام اليمنيون بإسكان أكثر من مائة ألف مواطن يمني في أكثر من خمسة عشر ألف منزل وشقة ووحدة سكنية، في عدن وحدها، فما بالك بالمدن الجنوبية الأخرى حتى المهرة شرقاً.

"مشروع التأميم هو المشروع التدميري الأول الذي سلب عدن من أهلها تماماً وأجبر الجاليات على الهجرة في بلدان الشتات بحثا عن مساكن.. لك أن تتخيل أن سلطة تسلب مساكن لأهلها لإسكان "أخرين"، ولك أن تتخيل أن "المشهد يتكرر مرة أخرى"، وفي قلب العاصمة عدن.

في الماضي كان شعار "الرفاق اليمنيون"، أنهم يريدون "إقامة التجربة الاشتراكية في صنعاء، هربوا إلى العاصمة الجنوبية أفواجاً "بشعار "الطريق إلى صنعاء يمر عبر عقبة عدن".

ولك أن تتخيل "أن أبرز هؤلاء "كان عاملا في المصافي فيتر بيب" والشغل مش عيب كما يقولون، لم يتلق أي تعليم حكومي أو رسمي على الإطلاق، لكن بعد فترة وجيزة، كان وزيرا للثقافة والإرشاد".

لك أن تتخيل أن هذا الذي أصبح وزيرا للإرشاد، كان اشتراكياً ماركسياً للنخاع.. ثم يأتي من يسأل ما رأيك في القوام يا دكتور"؟.

اسقط الحوثيــون اليمن (الجار) (مدينة، وقرية، وشارع)، ولم يتبق إلا شارع في تعز وأخر في مأرب، ثم ماذا حصل؟، عملية هروب جديدة صوب عدن... ثم لك أن تسأل ما رأيك في الشراكة يا فندم؟.

دافع الجنوب عن مصيره حين كانت عدن تستقبل الهجمات الإرهابية الانتقامية لدورها في معركة إقليمية أجبرت على خوضها بعد أن كانت قد تلقت هزيمة قاسية في صيف العام 1994م، من قبل أخوتنا اليمنيين، كان شعار تلك الحرب "محاربة الكفاار"، لم تكن الحرب عسكرية فقط، أي لم يتم السيطرة على عدن بقية المحافظات، بالقبضة العسكرية كما يفعل أي احتلال، بل ذهب سلطة الاحتلال إلى ما هو أبشع من أي احتلال عسكري في أي مكان في المعمورة، بل كان أشبه بما تفعله تنظيمات "الدولة الإسلامية والنصرة وانصار الشريعة" في العراق وسوريا وغيرها، من تدمير الأضرحة والمعالم الدينية القديمة، فقد عمد نظام المحتل في عدن إلى تدمير مساجد العاصمة التاريخية..

لك أن تتخيل "أن مسجداً عتيقا في عدن تم تدميره كلياً.. نعم أنه مسجد أبان في كريتر، تقول بعض المصادر " من أقدم مساجد العالم"... انظروا كيف أصبح اليوم؟، كل المساجد التأريخية تدمرت واعيد بنائها على نمط معماري جديد "لا علاقة لعدن به لا من قريب ولا من بعيد".. ثم تسأل لماذا قال مفتي الديار اليمنية عبدالمجيد الزنداني أن حرب صيف 1994م، كانت حرب إسلامية ضد مرتدين عن الدين"، كيف يكون لقوله هذه معنى، في ظل وجود معالم إسلامية عتيقة، كان لزاماً أن يتم تدميرها وطمسها مثل ما تم طمس الكثير من المعالم التأريخية وتغيير أسماء الشوارع والجولات.. ثم تسأل نفسك لماذا كل هذا التدمير في عدن، لماذا لم يجر أي عملية هدم لمساجد تأريخية في مدن قديمة كصنعاء مثلاً.. على غرار إعادة الترميم والتوسعة؟.

لك أن تتخيل أن "العاصمة"، التي دفعت فاتورة كبيرة في الحرب والسلم والحراك، وتعرضت لأبشع أنواع الحروب "الاقتصادية والمعيشية"، يأتي مشروع شراكة "بإخراج سعودي"، على توجيه طعنة غادرة لأبناء عدن، بمنح "وزارة التعليم العالي لإخواني متطرف عقائدي فاسد جهوي، عمد منذ اللحظة على تسلمه حقيبة الوزارتين "التعليم العالي والبحث العليمي والتدريب المهني والفني"، على إقصاء أبناء عدن وإغلاق مكاتبهم وطردهم من مبنى الوزارة في المنصورة، وأستبدلهم بآخرين من "جماعته الحزبية والجهوية"، وكأن عدن ليس فيها كفاءات..

لكن السؤال ماذا بعد كل هذه الفضائح والفظائع.. ماذا بعد.. الكرة في ملعب المجلس الانتقالي الجنوبي، أما وينتصر لعدن وأهلها أولاً، مالم فالقضايا تتراكم وسيأتي اليوم الذي يتم اجتثاث كل هذه الأمراض المزمنة التي أصابت جسد عدن وشوهت وجهها الجميل، وستأتي اليوم الذي يتم فيه التخلص من كل الرواسب اليمنية وإلى الأبد..

#صالح_أبوعوذل