كتابات وآراء


الإثنين - 28 نوفمبر 2022 - الساعة 01:22 ص

كُتب بواسطة : ياسين سعيد نعمان - ارشيف الكاتب



وقف أستاذ الأدب العربي في ثانوية خور مكسر بعدن عام ١٩٦٥ يشرح لنا درساً في البلاغة عن التشبيه ، والكناية ، والتورية ، والاستعارة والاستعارة المكنيّة ..
فأورد لنا في التشبيه مثالين ،

الاول :
"كأننا والماء من حولنا /
قوم جلوس حولهم ماء "

والثاني :
"كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليل تهاوت كواكبه"

ثم شرح الفرق بين التشبيهين بأن الأول يشبّه الشيءَ بذاته ، وهو لا يعكس أي معنى من معاني البلاغة ؛ في حين أن الثاني تشبيه يتضمن معظم عناصر البلاغة مثل الاستعارة والكناية ، والتورية .. وهو ما يجعل الشعر العربي ذا قيمة في حياة العرب حينما يتعلق الأمر بإكساب المادة قيمة وجدانية ، "مثار النقع" وهو ما يتخلف من سنابك الخيل عند عدوها ، "أسيافنا ليل تهاوت كواكبه" ، يصف حالة الفزع التي تملكت القوم عند الغارة .

ثم انتقل إلى الأمثلة التي يتداولها العرب وكانت تجسد انماطاً من سلوكهم .
" إستٌ في الماء ، وأنف في السماء" .

وتوقف حائراً ، وقال : كيف أشرحها لكم . هذه من أهم ما ذهب إليه العرب في تلخيص مكثف لجانب من سلوكهم . ويقصد بها : كأن يصاب المرء بعثرة تشتد معها حاجته لمساعدة غيره ، وحينما تزول الحاجة يعود إلى سلوكه القديم في التعالي حتى على من ساعد في سد عثرته .

ثم قال : هذا السلوك هو جزء من ثقافة العرب انتقلت عندهم من جيل إلى جيل .. ولكي أؤكد لكم ذلك ، هذا اليوم الصباح أعطيت للمراسل الذي يعمل في إدارة المدرسة خمسة شلن كان طلبها مني قبل فترة . أريد واحد منكم يروح يسأله عن المساعدة ، ويشوف كيف با يكون جوابه .

تبرع زميلنا صالح عبد الله حسين وراح يسأل المراسل :

-هاه اليوم الاستاذ عبد الوهاب ( بوّنَك) يعني أعطاك فلوس .

عاد إلينا صالح ، وكان الرد الذي حمله :

-إيوه أعطانا ، إيش من حق أبوه !!

ثم قال الاستاذ :
هذا هو التفسير العملي لهذا المَثل الذي قال به العرب منذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة ولا يزال يجسد جانباً من سلوكهم حتى اليوم : "إست في الماء وأنف في السماء".