كتابات وآراء


السبت - 14 مايو 2022 - الساعة 02:51 ص

كُتب بواسطة : خيرالله خيرالله - ارشيف الكاتب


يبدو واضحا أنّ هناك نيات حوثيّة مبيّتة تهدّد استمرار الهدنة اليمنية التي تم التوصّل إليها في سلطنة عُمان في الثاني من نيسان – أبريل الماضي. يعبّر عن هذه النيّات، التي لا تبشّر بالخير، وجود حملة حوثيّة (جماعة أنصارالله) على هانس غروندبرغ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن.

في الأصل تم الاتفاق على هدنة تستمر شهرين. هل الشهران كافيان كي يقتنع الحوثيون (جماعة أنصارالله) بأن ليس لديهم أي مشروع سياسي وحضاري قابل للحياة في اليمن… أم أن إيران التي تقف وراءهم وتحرّكهم ما زالت مصرّة على استخدامهم ورقة إقليمية في لعبة ابتزاز دول الخليج العربي؟

قبل وصول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى عدن حيث اجتمع بأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، على رأسهم رئيس المجلس رشاد العليمي، ذهب مسؤولون حوثيون إلى تذكير غروندبرغ بما حصل مع المبعوث الأممي السابق الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي تعرّض موكبه في صنعاء لإطلاق النار. كان ذلك في مثل هذه الأيّام من العام 2017، بُعيْد وصول ولد الشيخ أحمد إلى مطار صنعاء لمقابلة مسؤولين حوثيين وآخرين من مساعدي الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي كان لا يزال حيّا يرزق ومقيما في العاصمة اليمنيّة.

وقتذاك أراد الحوثيون توجيه رسالة واضحة إلى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. فحوى الرسالة أنّهم غير راضين عنه من جهة وأن عليه التعامل معهم بصفة كونهم السلطة الشرعيّة في صنعاء من جهة أخرى.

في الواقع كانت لدى الحوثيين نقطة مهمّة تصبّ في مصلحتهم، وذلك عندما وقعوا “اتفاق السلم والشراكة” مع “الشرعيّة” اليمنيّة ممثّلة بالرئيس السابق عبدربّه منصور هادي. وقّع عبدربّه الاتفاق مع الحوثيين في صنعاء بمباركة الأمم المتحدة مباشرة بعد وضع هؤلاء يدهم على العاصمة في الحادي والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. المؤسف أن توقيع “اتفاق السلم والشراكة” تمّ بحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر ومباركته. ما لبث بنعمر أن خرج من موقعه ليخلفه إسماعيل ولد الشيخ أحمد.

بعد فترة قصيرة من ممارسة “جماعة أنصارالله” الترهيب على إسماعيل ولد الشيخ أحمد فهمت الأمم المتحدة الرسالة فاستبدلته بالبريطاني مارتن غريفيث الذي راعى الحوثيين وتعامل معهم على قدم المساواة مع “الشرعيّة”. يؤكّد ذلك التوصل إلى اتفاق ستوكهولم أواخر العام 2018، وهو اتفاق استفاد الحوثيون منه إلى أبعد الحدود بتكريسه لسيطرتهم على ميناء الحديدة على البحر الأحمر. كذلك أوقف الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة أي هجوم على الميناء ذي الموقع الاستراتيجي المهمّ.

خلاصة كلّ التجارب التي مرّ بها اليمن منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء، قبل ثماني سنوات ثمّ اغتيالهم علي عبدالله صالح بغية تصفية حسابات قديمة معه وبمجرّد محاولته في مرحلة معيّنة إيجاد توازن معهم، أنّ ليس في الإمكان التعاطي معهم بطريقة عقلانيّة. بكلام أوضح، يستحيل التفاوض مع “جماعة انصارالله” التي ليست سوى أداة إيرانيّة في ظلّ توازن القوى القائم حاليا. في النهاية لم يقبل الحوثيون هدنة الشهرين، التي بدأت مطلع شهر رمضان، إلّا بعد سلسلة الهزائم العسكريّة التي تلقوها عن طريق قوات العمالقة التي أخرجتهم من محافظة شبوة في كانون الثاني – يناير الماضي.

منذ بدأت الهدنة والحوثيون يعيدون تنظيم صفوفهم بهدف استعادة المبادرة خصوصا أنّهم يعرفون أن قوات العمالقة، وهي في معظمها جنوبيّة، لا تنوي التوغّل في أي محافظة شمالية، بما في ذلك مأرب. اكتفت هذه القوات بفكّ الحصار عن مدينة مأرب التي كانت “جماعة أنصارالله” تخطّط لاقتحامها بغية توجيه ضربة قاضية إلى “الشرعيّة” السابقة، على الرغم من قنوات التفاوض السرّية معها.

هناك الآن “شرعيّة” جديدة في اليمن، على رأسها رشاد العليمي الذي تحيط به شخصيات يمتلك معظمها وزنا في اليمن. العليمي شخص عاقل، كما أنّه رجل حوار يفهم في السياسة ويمتلك علاقات جيّدة مع معظم القوى الفاعلة على الأرض. يفترض أن يكون هناك إدراك لدى الرئيس اليمني الجديد نفسه ولدى القوى المحيطة به، أكانت يمنيّة أو إقليميّة، أن الحوثيين عبر تحذيرهم الموجّه إلى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وهو أقرب إلى التهديد، إنّما يستهدفون “الشرعيّة” الجديدة أوّلا وأخيرا. ليس معروفا أي طريق سيختار الحوثيون ومن خلفهم إيران؛ طريق الانتقال من الخدمة إلى حوار سياسي… أم طريق إعداد أنفسهم لحروب عبثيّة جديدة؟

الحوثيون في طريق مسدود عسكريا وسياسيا. يدفع اليمنيون غاليا ثمن هذا الانسداد. ولكن ماذا عن “الشرعيّة” الجديدة؟ هل في استطاعتها قلب الطاولة في اليمن؟ مثل هذا التطور ممكن شرط تحقيق شرطين؛ أوّلهما السيطرة على المناطق التي تتحكّم بها هذه “الشرعيّة” الجديدة. هذا يعني توفير الطمأنينة والأمن للناس الموجودين في هذه المناطق. أمّا الشرط الثاني فيتمثّل في القدرة على تغيير ميزان القوى عسكريا. مثل هذا التغيير، في حال حصوله، هو اللغة الوحيدة التي تفهمها “جماعة أنصارالله” التي عليها الاقتناع بأنّ الهدنة الحالية يجب أن تمهّد لحوار سياسي وليس لحرب أخرى.

هل تستطيع “الشرعيّة” الجديدة صنع فارق يؤدي إلى اقتناع الحوثيين بأنّ كلفة الحرب ستكون كبيرة جدا عليهم؟

سيتوقف الكثير على ما إذا كان يمكنها إحداث هذا التغيير المطلوب في ميزان القوى عسكريا. عندئذ يمكن الكلام عن مرحلة جديدة في اليمن لا تعود فيها “جماعة أنصارالله” قادرة على تهديد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بغية ابتزازه. على العكس من ذلك ستقنع الجماعة، في ظلّ تغيير حقيقي في ميزان القوى، بأن في استطاعتها أن تكون جزءا من مشروع سياسي جديد لليمن، مشروع يأخذ في الاعتبار أن ثمّة حاجة إلى صيغة مختلفة للبلد تكون أقرب ما يكون إلى الفيدرالية.

في كلّ الأحوال، تبدو الهدنة في اليمن مهدّدة وتبدو الحاجة أكثر من أي وقت إلى تغليب لغة العقل من منطلق أنّ الحوثيين يستطيعون أن يكونوا جزءا من حلّ، لكنّهم لا يستطيعون بناء دولة خاصة بهم في الشمال اليمني عاصمتها صنعاء.