كتابات وآراء


الإثنين - 18 أبريل 2022 - الساعة 03:10 م

كُتب بواسطة : صالح أبو عوذل - ارشيف الكاتب



في ظهيرة ذات يوم من ايام أغسطس، العام 2017م، قدت سيارتي صوب عاصمة محافظة أبين زنجبار الحبيبة، لزيارة صديقي.

عند الحاجز الأمني "معبر العلم"، طلب مني أحد الجنود ان كان بالإمكان "أخذ رجل في العقد السابع من عمره في طريقي".

رحبت بالأمر وطلبت منه الصعود، وحين جلس بجواري، سلمت عليه، كيف حالك يا حاج؟.

أجاب :"الحمدلله يا ابني، جزاك الله خير، شعني من الصباح وانا ادور سيارة اروح أبين وتقطعت بي السبل، الشكوى لغير الله مذلة".

سألت خير ايه معك؟.. كنت أتوقع انه ذهب عدن للعلاج.

قال يا ابني ذهبت إلى البريد قبل ثلاثة أيام عشان "راتب المناضلين"، ولكنهم يكذبوا علينا.

مع ان الراتب الذي دفع لهم كل ثلاثة أشهر 12 ألف ريال يمني بواقعة 4 الف كل شهر، الا انهم ظلوا لسنوات لا يحصلون عليه، والبعض منهم قضى نحبه وهو ينتظر راتبه امام مكاتب البريد المغلقة في عدن.

طبعا راتب مناضلي الثورة في الجنوب لا يساوي خمسة في المائة من راتب المناضل في اليمن (الشمال).

وهذا المبلغ هو اعانة تدفع كل ثلاثة أشهر لمن شاركوا في النضال ضد الوجود البريطاني في عدن، ومنهم من شارك مساندا للانقلاب على نظام المملكة المتوكلية في صنعاء، استجابة لدعوة الزعيم العربي جمال عبدالناصر.

حاولت اخرجه من حالة القهر الذي هو فيها، وسألته :"كيف كان النضال في ايامكم؟.

ضحك، كنا مجانيين نجري بعد خطابات عبدالناصر واننا با نقيم دولة عربية واحدة، وكان لا شعار معنا الا النضال من اجل الوحدة العربية، وكنا نتخيل ان عبدالناصر سيظل يحكم الوطن العربي مدى الحياة، كنا نحب عبدالناصر أكثر من أولادنا، إذاعة صوت العرب يا ابني كانت تحمسنا فوق حماسنا، تركنا بقرنا واغنامنا ونوقنا وطيننا (الأرض الزراعية)، وذهبنا نبحث عن الوحدة العربية؟

وبعدين ايه حصلنا؟...

قال :"والله يا بوك مش عارف ايه كان تفكيرنا حينها، بس عبدالناصر كان صادقاً، كنا نشعر بصدقه ونضاله لرفع راية العرب وان يصبحوا أمة قوية، لكن المشكلة كانت في اليمن (الشمال)، خسرت مصر جيشها وتبدد حملة الوحدة العربية، خسرت مصر جيشها بفعل الخيانات، شاركنا في فك الحصار عن صنعاء، وكلنا مقاتلين الى جانب الجيش المصري، لكن اليمنيين (الشمال)، ما كان لديهم جدية في قتال الامامة بل كانوا يسرقون السلاح وتعرضت القوات المصرية العربية للخيانة كثيرا، ولكن في النهاية انتصرت الثورة، رغم الخيانة.

قال :"تدري يا ابني ايه اللي كان يزعلنا كثيرا، ان شيوخ القبائل الموالين للجمهورية كانوا يستلموا دعم من جمال عبدالناصر ومن السعودية".

ثم قال :" اكيد سمعت مقولة في الليل مع الامامة والنهار مع الجمهورية، هيا شعهم كانوا في النهار مع الجمهورية ضد الرجعية في الليل مع الرجعية، بس تردي يا ابني عبدالناصر كان يعرف الخيانة، وخيانة مؤلمة وادرك ان الجمهورية التي أقيمت ليست تلك التي يريدها او يدرها حتى أهل اليمن انفسهم، كل من كانوا مع الامامة رجعوا جمهورية وحكموا اليمن باسم الجمهورية، والامامة تجري فيهم مجرى الدم.

ظل يحكي لي ذكريات كثير من الحرب، وحصار السبعين يوما، وكيف كان الجنوبيين يقاتلون للدفاع عن اليمن، وان الكثير من شهداء الثورة لا أحد يعرف عنهم أي شيء اليوم، وانا قدامك الان لا حول لي ولا قوة.

حكى لي قصص عدم تعاون المواطنيين مع الثوار الجمهوريين، وان جحافل القبائل اذا عثروا على أي جريح يخلصوا عليه عشان يأخذوا سلاحه.

قلت له ان هذه الروايات أول مرة اسمع بها، لكن تبدو حقيقية.

سكت ولم يعلق على الأمر، ثم قال "مرحلة وانتهت لكن الخيانة لا تنتسي يا ابني، والحروب دائما تولد احقاد يتوارثها الأجيال ولا تصدق ان احد يمكن ينسى ماتعرض لهم ، والزيود يعتقدون انهم يثأرون لهزيمتهم وبا يظلوا يقاتلون مدى الحياة لأنهم يشعرون بمرارة الهزيمة، هزيمة الامامة.

فوق جسر الصين على مدخل العاصمة الأبينية، قاطعت حديثه :"كيف كانت زنجبار زمان".

ضحك، ثم قال "قبل ان انزل بيتي شعه قدام، ولكن ما باتعبك توصلني باسير على رجولي عادهن يشليني، بس بحكي لك قصة ربما يعرفها الكثير من جيلنا.

خفضت سرعة السيارة، هات يا عمي؟

أيام الثورة في صنعاء، كانوا اليمنيين (الشمال) يفرون من الامام صوب الجنوب وكانوا ينتشرون في عدن باسم الجبهة والمقاومة، وكانوا يقولوا لنا انهم فقط هربوا عشان يرجعوا يقاتلوا الامامة معنا، بس عشان نحن كنا مش هبلان، ولكن كانت القومية العربية عدنا (تقط امسمار)، قلنا لهم أهلها وسهلا البلاد بلادكم، ونحن با نروح نحارب صنعاء وبا نطرد الامامة وبا نقيم الجمهورية وبعدين با ترجعوا بلادكم، وفعلا، هزمنا الامامة وأقمنا الجمهورية وروحنا بلادنا منا الشهيد والجريح والمكسور.

"روحنا واطياننا تعكر فيها امنود"، هيا هنا وقف يا ابني هذا بيتي الذي قدامك بابه خشب، اتفضل معي با نشرب لنا صيني قهوة وقدني با كمل لك القصة.

قلت له "كمل لي القصة وبعدين با فكر انزل معك اشرب صيني قهوة".

قال لي طيب جنب تمام، انت سألتني كيف كانت زنجبار، كانت جنة خضراء، حدائق الشهداء كانت من أفضل الحدائق، سواها بر علي احمد "يقصد محمد علي أحمد محافظ أبين حينها".

والبعض يعتقد ان أبين دمرت بفعل حرب 1994م، او بفعل حرب 2011، أبين دمرت فعليا في حرب 1986؟..

قلت له كيف؟.

"مش قلت لك اننا كنا نروح اليمن نقاتل الامامة وأصحاب الامامة المقاومة يفروا باتجاه الجنوب، هي حين قرحت الحرب بين علي ناصر وعبدالفتاح إسماعيل في عدن، تعرضت زنجبار لأبشع أنواع النهب، أصحاب المقاومة نهبوا كل شيء في زنجبار وعدن، نهبوا كل شيء حتى المنازل.

قلت له "يا حاج تريد تقول لي ان اللي سرق هم اليمنيون الشماليون؟.

قال لي "اذا ما انت مصدق كلامي اسأل أي احد من اهلك قل له من نهب محلات الذهب في زنجبار، شوف يا ابني انا على اخر عمري، بس هذه المعلومة التي أقول لك هي بالفعل صحيحة، من دمر عدن وأبين هم من كانوا يفرون نحو بلادنا من الامامة ونحن نروح نقاتل بدلا عنهم وكان ما في احد بهذه الأرض شجعان الا نحن (يضحك)".

هيا ما ذلحين نزلنا، شعه عيب تجي الى قدام بيتي وما تنزل تشرب صيني قهوة.
أخبرته اني على عجلة من أمري وبرجع عدن، مضى نحو منزله وهو يدعو الله لي، ثم واصلت طريقي صوب وجهتي..
وبس.

#صالح_أبوعوذل