عشر سنوات أمضتها أم أدهم عقلة في الأردن بين العيش داخل مخيم الزعتري للاجئين السوريين وخارجه، تجربة متعددة الجوانب مرت عليها خلال شريط حياة اللجوء، هذه الأحاسيس والتجارب التي لاحقتها أيضاً، لاحقت أغلب الأمهات السوريات اللواتي تركت الأزمة السورية عليهن أثراً لا يمكن وصفه، فالأم السورية اللاجئة يقع على كاهلها مهمات صعبة لم تكن بحسبانها قبل ذلك.
تقول أم أدهم: �رغم الصعاب وحجم الفقد الذي نعيشه، إلا أننا استطعنا كأمهات تحدي الظروف الشائكة على كافة المستويات، والأم السورية هي شعلة أمل وعطاء، فهنالك أمهات في المخيم استطعن تسطير قصص من النجاح والكفاح حتى صمدت العائلة في وجه كل العراقيل، ومع الوقت تحسن الوضع تدريجياً�.
أم أدهم، ذات الـ50 عاماً، هي من السيدات العاملات في الزعتري، حيث تعمل مدرسة للغة العربية وتعيل أسرتها التي يبلغ عددها 6 أشخاص، توجهت للأردن منذ عام 2012 تاركة خلفها منزلها وأسرتها في محافظة درعا، تروي لنا: �الأمهات في المخيم لديهن هموم مشتركة، تتجسد في الوضع المادي غير ثابت للأسرة ومهمة إدارة الإمكانيات المتوفرة، أيضاً التفكير بالأبناء وبمستقبلهم وبتعليمهم، وفي خيار الزواج، إن رغب أحدهم الزواج فإنه يتطلب توفير مبلغ يقارب 6 آلاف دينار أردني (8450 دولار) وهو مبلغ كبير، وهنالك قلق يرافق الأم دوماً، وهو توجه الابن لفكرة الهجرة، وهي فكرة توازي بنظرها رحلة الموت، في حين أن الابن يأمل بأن يكون فاتحة طريق جديد له�.
أصعب المهام
وتبين أن �في المخيم أمهات يعملن في أصعب المهام، كالعمل في المزارع مقابل دينار واحد للساعة، والخروج فجراً مقابل تأمين لقمة عيش الأسرة، وخصوصاً إذا كان الأطفال صغاراً والزوج متوفياً ولا يوجد لها معيل، فلا خيارات أمامها سوى أن تكون الأب والأم في ذات الوقت حتى تطمئن عليهم، وأنها أدت رسالتها كما يجب، وهنالك أمهات نجحن في تأسيس مشاريع صغيرة، فالأمهات شريكات أساسيات في إدارة الأسرة�.
بوصلة الأسرة
في المقابل لا تنكر الثلاثينية شيرين الحراكي، أن مهمة الأم في ظل ظروف اللجوء هي من أصعب المهام، وخصوصاً إن بقيت تقارن بين الماضي والحاضر فإن نفسيتها تتأثر بلا شك، ومن هنا فإن الخروج من فترة الماضي وتقدير ما هو متاح يمكن الأم من التطلع للمستقبل بشكل أفضل، فالأم كما تصفها فهي �بوصلة الأسرة�.
تشرح الحراكي، وهي مدربة وعضو في الفريق المحوري بمشروع الدليل الميداني للتثقيف النفسي، ولديها ثلاثة أطفال، أن الأمهات في المخيم، مع الوقت، تحسنت أمورهن وأصبح هنالك خبرة في التعامل مع الظروف والتقلبات المختلفة، ومنذ استبدال الخيمة إلى كرفانة في عام 2015 فالأسر بدأت بترتيب أمورها والتكيف مع البيئة المحيطة.
تشكل الحراكي نموذجاً ناجحاً في إدارة أسرتها، حيث تعمل وتعيل أسرتها وحيدة، فزوجها بقي في سوريا، ولجأت هي وأطفالها إلى الأردن واصطحبت معها أبناء أخ زوجها، ويبلغ عددهم ثلاثة أطفال لتباشر في رعايتهم بعد وفاة والدتهم، ولم تقف عاجزة أمام ظروفها، بل أخذت بالانخراط بالدورات المختلفة، ومع الوقت أصبحت مدربة كرة قدم، ومن ثم اتجهت إلى التثقيف النفسي انطلاقاً من إيمانها بأهميته في مساندة من يحتاجون له، وتختم بالقول �رسالتي إلى كل أمهات العالم، إن الأم هي الوحيدة القادرة على البناء وسط الأزمات، فهي مصدر أمن الأسرة الحقيقي، فكل عام ونساء الأرض بألف خير�.