أخبار وتقارير

السبت - 09 ديسمبر 2023 - الساعة 11:47 ص بتوقيت اليمن ،،،

عاصم بن قنان الميسري


يقول الدكتور/ مصطفى محمود إن أسلوب خطبة الجمعة التقليدي لم يعد يُجدي في الدعوة في عصر تيسرت فيه السبل و الأدوات ، و تعددت المغريات التي تسابق رجل الدين إلى قلوب الشباب . .

و أعداء الدين أصبحوا حيتاناً بأسنان ذريّة و عقول إلكترونية و علينا أن نحاربهم بأسلحتهم .. و علينا قبل كل شيء أن نتعلم السباحة في مياههم و لا نسجن الدين في درقة سلحفائية تنادي من على منبر مهجور و في يدها سيف خشبيّ بل إن خطبة الجمعة ذاتها عليها أن تتزود بكل ما قلناه من علوم العصر و حيله و أساليبه لتستطيع أن تناقشه و تقوده . . و بمثل ما يتكلم خطيب الجامع من ميكروفون . . عليه بالمثل أن يتكلم مستخدماً كل ما يهبه العصر من معارف و علوم و دهاء .

في قصة ذي القرنين التي جاءت مفصلة في أواخر سورة الكهف، نجد عناصر التنمية الأساسية واردة بصيغ مختلفة، وهي من أفضل النماذج التي تلج بنا إلى هذا الموضوع. فمن ذلك أن ذا القرنين لما بلغ (بين السدين) (الكهف: 93) أي بين الجبلين، وجد قوما (لا يكادون يفقهون قولاً) (الكهف: 93) وهو الذي مكن الله تعالى له، وآتاه من كل شيء سببا.

وهنا نلاحظ التقابل بين قوم ينتمون إلى مجتمع غير نام، ورجل عظيم جاء من محيط نام، فالقوم متصفون بصفات الضعف والوهن، والتخلف والجهل، ولم يقدروا على رد يأجوج ومأجوج الذين تسلطوا عليهم وأفسدوا أرضهم. أما ذو القرنين فقد بلغ ذروة التنميـة، فمكن الله تعالى له في الأرض، وآتاه من كل شيء سببا، أي سلطانا وطيد الدعائم ، ويسر له أسباب الحكم والفتح، وأسباب البناء والعمران، وأسباب السلطان والمتاع... وسائر ما من شأن البشر أن يمكنوا فيه في هذه الحياة.

(ثم أتبع سببا) (الكهف: 85) أي سخر ما وهب له من النعم في خدمة غايته وهدفه، ولم يضيع ذلك هباء. ومن المؤكد في علم الإدارة أن توجيه الطاقة وضبط الغاية وتحديد الأهداف هي أهم مراحل التخطيط والتخطيط الاستراتيجي، من أجل تنمية مستدامة وشاملة.

والملفت للنظر أن هؤلاء القوم كانوا يملكون المال، والدليل على ذلك قولهم (فهل نجعل لك خرجا) (الكهف: 94)، وكانوا يملكون اليد العاملة، لذلك أمرهم ذو القرنين بقوله (فأعينوني بقوة) (الكهف: 95)، ثم قال لهم أوان بناء السد (اتوني زبر الحديد) (الكهف: 96، ثم قال (انفخوا) (الكهف: 96، ثم قال (اتوني أفرغ عليه قطرا) (الكهف: 96) حاول ان يؤسس النواه المستدامه لهم غير أنهم يفتقرون إلى أهم أسباب التنمية على الإطلاق؛ يفتقرون إلى تمكين الله تعالى وإلى العلم والتكنولوجيا والتخطيط وإلى وضوح الغاية والأهداف.

وقراءة أولية لواقع المسلمين اليوم، وتخلفهم عن سلم الحضارة، وواقع الغرب وتمكنه، تجعلنا نفهم هذه الآيات فهما عميقا، وتجلي لنا المنهج القرآني في بناء تنمية شاملة، أساسها الإنسان الكفء والفعال، حتى وإن كان غير مالك للمادة والوسائل.

وهذا ما نقرؤه في المقارنة التي عقدها ذو القرنين بين رأس المال المعبر عنه بالخرج وبين التمكين، فقال: (ما مكني فيه ربي خير) (الكهف:95). فرغم اختيار بعض المفسرين أن هذا التمكين يقصد به المال واليسار إلا أن الصواب -والله أعلم- في توجيه معنى التمكين هو تقديمه للروح الإيمانية، والقدرة العلمية، وكذا التمكين التكنولوجي.

إذن، فالإنسان بكل أبعاده هو محور التنمية في هذه الآيات.

#جمعتكم_تمكين_وعزة
ابو عصمي الميسري