أخبار وتقارير

السبت - 06 مايو 2023 - الساعة 07:23 ص بتوقيت اليمن ،،،

ماجد الداعري



قصة صديقي تاجر الخردة الذماري!

في أسوأ أيام حياتي الماضية، ومع قمة طفشي بالحياة.. قادتني أقداري في عدن، إلى التعرف ذات يوم، على أول وآخر تاجر خردوات عرفته في حياتي، بعد أن التقيته فجأة في ساحة استقبال أحد الفنادق التي كان ينزل فيها وكنت أنا ألجأ إليها هربا من طفشي وبعض ملاحقات عسكر قيران وجنود آمن مركزي السقاف يومها، الذين لا يعرفون لي ذنبا ولا خطرا عليهم.. ولا انا عرف بالضبط ماذا كانوا يريدون مني يومها كذلك، كوني كنت ما أزال حينها في البدايات الأولى لحياتي الصحفية، بعد تخرجي من الصحافة والاعلام بجامعة عدن عام ٢٠٠٦-٢٠٠٧م
ومع كل مشاعر القلق والطفش والرفض لاي كائن ينحدر شمالا، تعرفت على ذلك الذماري اللطيف الذي يدعى محمد علي الذماري ليغير الكثير من قناعاتي المغلوطة يومها عن كل من ينتمي إلى الشمال المحتل لجنوبنا الحبيب، وشاء القدر أن تتعزز علاقتنا كثيرا بفترة قصيرة جدا، ولم أكن اعرف انه تاجر خردة، حتى اصر يوما على أن يعزمني معه للغداء والقات وبعدها طلب مني أن أذهب معه لعقد صفقة جديدة لشراء خردوات من إحدى المؤسسات أو الجهات الحكومية أو الخاصة التي توجد لديها احواش تحوي مخلفات سواء حديد أو معادن كسيارات معطلة أو بقايا أسلحة ومدرعات عسكرية وأدوات ومقاعد أو بقايا معدات حديدية أو غير ذلك من مواد الخردة..
وفعلا وجدنا أصحاب المؤسسة ينتظرونه بفارغ الصبر، كون اغلب تلك الجهات تحاول اساسا التخلص من تلك الخردوات ومستعدة أن تدفع مقابل ذلك، كون تجارة الخردوات لم تكن معروفة بشكل واسع بعدن.. ولذلك يوافقون له على سعر رمزي، وهو شخص قنوع جدا ويهمه أن يوفر متطلبات الاكل والشرب والفندق والقات وبالتالي كان يقتنع بأقل مايمكن لتاجر أن يقبل به.

وهكذا كانت تستمر تجارته وصفقاته مع الخردوات بخسارة إجمالية بالنسبة لتاجر مفرغ نفسه للعمل وتجارة الخردوات..
شخصيا كنت غير مقتنع البتة، أن الشخص هذا تاجر فعلا، وإنما رجل أمني يعمل تحت ستار تجارة الخردوات.. ولكني مع كل يوم اجلس معه اناقض نفسي وانا أجده شخصا كريما نبيلا ملتزما بصلاته ومتصدقا على من يمد يده اليه ولا يستطيع الاكل وحيدا لو يضطر إلى أن يعزم عمال الفندق أو المطعم ليأكلوا معه..
المهم قلت لنفسي أكثر من مرة وانا افكر بالتخلص منه وصداقته:
ماذا يريد مني هذا الشخص وهو لا يستفيد مني غير خسارة الاكل والقات الذي يصر على أن يدفعه لي كلما وجدني، وانا شخص بطبعي لا أقبل أن أكون عالة على أي مخلوق ابدا أو استغل كرم وطيبة اي انسان..لكني سرعان ما أعود لاقنع نفسي بأن الرجل طيب وفيه من القناعة والجوادة أو قلة الحيلة ما تستدعي أن أكون معه عند عقد بعض صفقاته ليحسن أرباحه..
ولذلك بدأت افكر معه بضرورة تحسين شروط تفاوضه مع أصحاب الأحواش والمؤسسات وملاك بضاعة الخردوات، وكان فعلا يرتاح ويدع لي امر التفاوض حتى يخرج بفائدة مستحقة على اعتبار اننا نجمع الخردوات ونصدرها للخارج والفائدة قليلة جدا معنا ولا بد من مراعاتنا بالسعر، بينما الحقيقة أن صاحب ميزان خردوات بالشيخ كان يسعر له الطن بأقل من تكلفة إيجار حمولته اليه
وهكذا كان صديقي يخرج خسرانا من كل صفقاته حتى بعد أن حسنت له شروط التفاوض لوجه الله، وكي لا أشعر بوخزة ضمير تلاحقني وانا اأكل واشرب معه من حلاله في كثير من تلك الأيام الاقسى في حياتي من كل النواحي، بينما هو يصرف مبتسما مسرورا من قلبه وبكرم حاتمي لم أجد له مثيلا ذماريا حتى اليوم وكأنه كاسب من كل صفقة ويحقق أرباحا بالملايين وهو كثيرا ما اضطر لطلب الإنقاذ من اهله بحوالات مالية مستعجلة.
ودارت الايام وأصبحت ازوره إلى غرفة إقامته حتى جاء يوما طقما عسكريا إلى الفندق الذي يسكن فيه وكنت ضيفا عنده في غرفته نتقاسم حبة قات عمري محترم وتفاجأ وهو عائد من الخارج بالعسكر يسألون عن اسمي وصفتي كصحفي
فعاد إلى الغرفة مسرعا وطلب مني إغلاق الغرفة بالمفتاح وعدم الرد، اذا ما طرق أحدا الباب دون أن يخبرني أن هناك عسكر بالاستقبال يسألون عني
ومن حسن الصدفة اقنعهم الشباب باستقبال الفندق، بعدم وجود نزيل لديهم باسمي، وهم ولم يكونوا مصرين على تفتيش الفندق باعتباري شخص غير مطلوب اساسا ولا معمم عليه أمنيا، ولا حتى العسكر يعرفون هويتي وملامحي جيدا، خاصة بعد أن تمكنت من الافلات منهم ببساطة، ذات مساء، حينما فوجئت بهم يقتحمون احد احواش الأراضي بالخور ويسألوني عن شخصي وبكل ثقة أخبرتهم أن ماجد غادر قبل قليل من المكان وذهب ليتعشا بمطعم الثقافة ويمكن يكون الآن مازال داخل المطعم.. وفعلا تحركوا من أمامي بكل قناعة أنني صادق معهم وانا اضحك والله يومها من شدة ثقتي بنفسي وبراءة عقلياتهم وكيف نجوت منهم بهذه البساطة.
عاد صديقي التاجر الذماري من خارج الفندق ومعه العشاء وقال لي بقصة العسكر وأنهم جاءوا على متن طقم عسكري يسألون عني وانه مستغرب عما يريدونه مني وانا صحفي مسكين حالي وحال نفسي..
ثم طلب مني مرة أخرى أن انتهى من الكتابة على أول جهاز لابتوب أخذته يومها بالاعارة من الصهير الدكتور عبدالفتاح احمد سفيان وكان منطلق دخولي عالم الصحافة، وقال:هي قوم للعشاء قبل أن يبرد.
ثم قال ببراءة: ياجني لا عاد تكون جالس جنبي وانت الله اعلم ايش جدك ينكتب على الدولة بهذا الكمبيوتر ويعلم الله لافين بترسل..وعتودف بي معك..
توقفت وانا اضحك نحوه واحاول اطمنه أن الأمور طيبة وأن العسكر يشبهون باسمي فقط ولا يعرفون من انا ولا ماذا يريدون مني.
فقال مباشرة: لكنهم حددوا وقالوا الصحفي صاحب الحراك ماجد الداعري
قلت له: اقلك افهم يابن على غلطانين بالاسم والله ماهم دارين ايش ذنبي أو خطري عليهم ولا عارفين من انا
والمهم خلينا ببكره ايش من صفقة معنا.
فقال :مابالله صفقة مربحة وكبيرة والله.
قلت ايش هي بالضبط
قال: هنجرين حديد قرب المطار من أيام بريطانيا.. العمود الواحد بيقع طن لحاله وانت احسب هنجرين ٤٠ ×٤٠
قلت له الله يستر من هذه البيعة..
فقال لي بإصرار: لا صدقني هذه الصفقة اللي عتربحنا
قلت له خير.. خلاص الصبح موعدنا وتصبح على خير وعدت إلى ادراجي ونمت يومين بعدها
ولم اصحوا الا وقد صاحبي قد قطع سعر يصل إلى مليوني ريال قيمة الهنجرين
وقد استأجر ماطور التقطيع وعمال ربابور حمول لنقل المقطع للميزان.
فذهبت اليه مباشرة وقد كان زعلان من غيبتي ويحسبني زعلت من آخر لقاء بيننا وحديثه المتخوف مو عملي كصحفي
فقلت خلينا بالاهم:بكم اشتريت
قال:رخيص.. وسعر عرطة
قلت هامسا باذنه بكم
فقال فرحا منتشيا: باثنين مليون ..
دقيت على راسي وقلت له ايش تقول.. طبعا يومها عاد المليون مليون لا يملكه الا التجار بجد وصاحبي تاجر عاد راس ماله كله مايوصل مليون!
فقلت له طيب .. وكم إيجار الماطور والعمال باليوم والبابور الحمول.. قال عادنا ما سديت معهم..
قلت له تمام اطلب منهم يوقفوا الآن قبل ما تتورط أكثر .
فرد غاضبا: لا مالك جيت تعطل الصفقة.. ارجوك خلينا نطلب الله وقد الفائدة لنا مع بغض مثلما اتفقنا..
قلت له: ايش من فائدة يابن على.. والله ما تقدر تطلع قيمة الماطور اللحام والعمال وإيجار البابور الحمول، انت مجنون حرام ماعاد معك عقل.
اطرق على راسه وو ينظر إلي بعمق وقال :ايش تقول واصاحبي وكيف حسبتها ارجوك لا عاد تخوفني.
قلت له تعال نتفاهم أولا مع صاحب الماطور والعمال والقلاب وكم لهم مستحقات إلى الان؟
فذهبنا وسألنا صاحب الماطور اللحام الذي قد قطع الحوش الأول ويقترب من تقطيع النصف الآخر من الحوش الثاني
وقلنا له:كم حسابك إلى الآن ياخبير
فرفع النظارة السوداء من عينيه وهو يتصبب غرقا من شدة الحر. وقال مش وقتكم خلونا نكمل وبعدين نتحاسب
قال بن علي خلاص تمام خليه يكمل..
قلت له ياخي وقف ارجوك مافي حساب الا بعد معرفة كم لك علشان نشوف حسابنا وايش لنا وايش علينا.. فتوقف وذهب ليفتح دفتر الحساب وجمع ساعات العمل وما استهلكها من كراتين اللحام واعمدة التقطيع وبعدها جاءنا بورقة مكتوب عليها
مليون و٤٣٢ الف ريال خلافا لقيمة إيجار العمال وبابور الحمول التابعة له
وحينها كاد صديقي الذماري أن يموت قهرا من شر نكبة البيعة التي وقع فيها وقال للرجل طيب أجمل ماتبقى من مستحقات
فقال امهلوني احسب..
قلنا له احسب براحتك.. المهم خارجنا
وبعد دقائق جاءنا بالورقة الثانية وفيها إجمالي المستحقات البالغة أكثر من مليون وثمانمائة الف، بينما نصف حديد الحوش الأول لم يحمل بعد إلى الميزان ولا تكفي قيمته إيجار نقله إلى ميزان البلاش .
أخذنا الورقة النهائبة وذهبنا لصاحب الميزان الأعور وانا اعرف ان الحساب لديه مستحيل ان يصل حتى الي نصف مليون لأن تسعيرته شبه مجانا.
وفعلا كانت بحدود الاربعمائة ألف.. وبالتالي فالفارق كبير وكان عليا التفكير بكل الطرق لمخارجة صاحبي الاخجف بأي طريقة كانت ونسيان مهمتي كصحفي تماما في هذا التوقيت.. فسألته عن ملكية الأحواش ومع من اتفق على البيعة.. واعتقد كانتا لهيئة النقل البري
فذهبت إليهم بمفردي وكأني أحقق في مصير تلك الأحواش واطلب اعلان مناقصة بيعها المفترض.. وفعلا وجدت مدير المؤسسة شخص كبير بالسن ومتفهم جدا.. فقال ياولدي هذه عبارة عن خردوات انتهى عمرها الافتراضي ونحن عرضناها مجانا لمن يريد أن يخارجنا منها كي نستفيد من الحوش.. وهنا أطرقت سمعي جيدا..
وقلت له: طيب بكم بعتوها يا استاذ
فقال : اقولك مابعناها وإنما قلنا لمن يريدها يأتى ويتحمل نفقات تقطيعها ونقلها وممكن نتقاسم الخسائر معه لو اضطرينا وقال الشباب انهم وجدوا امس تاجر ذماري وافق على هذا العرض وقلنا لهم على بركة الله.
وهنا قاطعته وقلت له: لكنهم ياشيخ كعفوا هذا الذماري مبلغ أربعة ملايين والآن الراجل مغربق ويتصارع مع أصحاب الماطور والعمال وما قدر يسدد بقيمة الحديد المباع حتى قيمة الناطور اللحام لحاله.. فقام منتفضا.. وقال لي :طيب أين هو هذا الذماري المسكين ومن اللي باع له الأحواش بفلوس اساسا.. ذهبت لصديقي بن علي ووجدته يجري مكالمات مع إخوانه وقبيلته بذمار ليغيروا عليه بالدعم الإنقاذي العاجل كونه دخل في مشروع كبير ولكنه لم يتوفق بأمر الله وخسر والآن مهدد بالسجن
وحينها سحبت سماعة هاتف الفندق من اذنه واعدتها وقلت له اتفرجت يابن على البس الكوت والزنة وهيا بنا إلى مدير مؤسسة الخردوات
وهنا اعتقد بن علي اننا اواصل مسلسل الضحك عليه من امس وقال بصوت يكسر القلب لانه عزيز كريم: ياخي بالله ارجوك لا عاد تزيدها وتضحك علي ارجوك ياماجد خلاص جسما بالله جدها اول واخر مرة اشتري فيها حوش حديد بحياتي.
فقلت له : اقلك بجد والله هيا رحنا.. وهنا عصب راسه ولبس الكوت وقال على بركة الله حتى لو اني مش مقتنع لكن بعدك ماعاد في خسارة أكبر من اللي قدنا فيها.
وفعلا أخذته للمدير وسمع منه رأى براءته وطلب منه تحديد من باع له.. فقال له بطيبة ما توقعتها منه
خلاص يامدير ارجوك لا عاد تفتح مشكلة مع احد من الموظفين لانه بالأخير ماضربني على يدي لاشتري بهذا السعر ويمكن كان يعتقد مثلي اني قد اربح من وراء البيعة هذه..
وفعلا تفهم المديد لطلبه وطلب منه الحساب وكم باع وكم خسر وكم تبقي من الحوش، فحكى له القصة والتفاصيل وطلب منه أن يكمل ماتبقى من تقطيع الحوش ونقله ومن ثم يأتيه بالحساب الإجمالي عند الانتهاء من المهمة، بينما كان صاحبي بن علي يلح بأنه لم يعد يريد أن يرى الحوش مرة أخرى ويتمنى أن يخارجه حتى من نصف الخسارة
وكان المدير يضحك من وقعة الرجل وغلطة حساباته.. لكنه أعطاه وعد رجال بأن لا يخرج من الحوش الا رابحا.. وهو يقول له بكل قناعة :يامدير والله ماعاد اشتي اي ربح خارجني من نص خسارتي وجزاك الله كل الخير..
لكنه طمنه وطلب منه إكمال المهمة وبعدها عدنا اليه بالفعل بكشف الحساب وقيمة مابعناه بكل أمانة وصدق لأن الصدق منجا
وبدون أي مبايعة أو فحس وجه المدير إلى مسؤوله المالي بصرف فارق الخسارة المقدرة بخمسمائة الف تقريبا مع ٢٠٠ الف أتعاب، ليخرج صديقي الذماري وهو حاملا المبلغ وكأنه ولد او عاد إلى الحياة من جديد وأصر على منحي نصف مبلغ الربح لكني ويعلم الله رفضت كل الرفض ولم أقبل باللقاء به الا بعدها بعدة سنوات وانا اعمل بصنعاء حينما جاءني فجأة إلى العمل وأصر على أن يعزمني إلى بيته الإيجار بشارع الخمسين وهناك تغدينا وتناولنا القات معا وفتحنا الذكريات وكنت احسبه حتى حينها مخبرا أمنيا لكن ابن ناس وغير مقتنع بالعمل لصالح الدولة كونها غير عادلة وكان علي أن اصارحه بالأمر فضحك من أعماق قلبه وهو يتذكر خوفه علي من عسكر قيران حينما أغلق علي باب غرفته وطلب مني أن لا ارد على أي شخص يطرق الباب باعتباره صاحب الغرفة وخارج الفندق.
وللأمانة وجدته شخصا نبيلا كريما يسخر الله له رزقه بهذه البساطة والبراءة في تعاملاته بسجيته مع الآخرين
فلك الرزق الحلال وطول العمر ياصديقي الذماري العزيز محمد علي.