ارتدى العشرات من شباب قرية جبع الواقعة في الضفة الغربية الأقنعة وحملوا بنادق عليها صور رفاقهم القتلى حين زاروا ملعب مدرسة خلال الأسبوع الماضي، وقدّموا جماعة جبع المسلحة الجديدة وكرّموا مؤسسها ومسلحا آخر قُتلا الشهر الماضي في مداهمة للجيش الإسرائيلي.
وقال يوسف حسني حمور، البالغ من العمر 28 عاما وهو صديق مقرب من مؤسس المجموعة الراحل عزالدين حمامرة، “لا أريد أن أبكيَ والديّ. لكنني مستعد للموت شهيدا”.
وتنتشر مشاهد مماثلة في أنحاء الضفة الغربية، من مخيم جنين للاجئين الشمالي إلى مدينة الخليل الجنوبية. وتحمل مجموعات صغيرة، تشمل الشباب الفلسطينيين المحبطين، الأسلحة في تحدّ للاحتلال الإسرائيلي المفتوح والقادة السياسيين الفلسطينيين.
ويحتقر هؤلاء أصحاب السلطة في فلسطين باعتبارهم متعاونين مع إسرائيل.
ولا تظهر هذه الجماعات أيديولوجية واضحة لتنوع انتماءات شبابها، وتعمل بشكل مستقل عن سلاسل القيادة التقليدية حتى لو تلقت دعما من الجماعات المسلحة التقليدية.
وسعت إسرائيل في غاراتها شبه اليومية واعتقالاتها على مدار العام الماضي إلى سحق الميليشيات الوليدة، مما ضاعف عدد القتلى وأشعل الاضطرابات التي لم تشهدها منذ ما يقرب من عقدين.
وبينما تصر إسرائيل على أن الغارات المتصاعدة تهدف إلى منع الهجمات المستقبلية، يؤكّد الفلسطينيون أن العنف المكثف ساعد على تحريك مَن كانوا أصغر مِن أن يتذكروا الحملة الإسرائيلية الوحشية على الانتفاضة الفلسطينية الثانية قبل عقدين من الزمن، حيث كانت رادعا للفلسطينيين الأكبر سنا الذين أرادوا تجنّب تكرار سيناريو الدماء.
ونشأ هذا الجيل الجديد في وضع حرج وفريد من نوعه؛ في منطقة مزقها الاقتتال الداخلي والحواجز ونقاط التفتيش.
وقُتل أكثر من 60 فلسطينيا في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ بداية السنة الحالية بعد أن تولت السلطة حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
وقُتل حوالي نصفهم في المواجهات مع إسرائيل، وفقا لإحصاءات أسوشيتد برس. كما شمل القتل رماة الحجارة والمارة غير المتورطين في أعمال العنف.
وقُتل 15 إسرائيليا على الأقل خلال هجمات فلسطينية في ذلك الوقت، من بينهم إسرائيليان بالرصاص في بلدة حوارة جنوب جبع.
وأضرم المستوطنون النيران في العشرات من المباني ردا على ذلك، مما أدى إلى مقتل فلسطيني واحد.
وقال عضو المجلس المحلي في جبع جمال خليلي “كأن الحكومة الجديدة حررت أيدي الجنود والمستوطنين الذين قالوا الآن إنهم يستطيعون فعل ما يريدون”.
وتجمع أطفال في حفل التأبين الأخير حول المسلحين وعلى جباههم عصابات سوداء، وبدوا متلهفين لإلقاء نظرة على أبطالهم.
وأضاف خليلي مشيرا إليهم أن “النتيجة هي ما تراه هنا”.
وفي مدينة نابلس الشمالية تسببت غارة عسكرية إسرائيلية الأسبوع الماضي في تبادل لإطلاق النار مع نشطاء فلسطينيين مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص. واستهدفت الغارة عرين الأسود، وهي من أبرز الجماعات المسلحة الناشئة.
ويزعم مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن الجيش قد شل حركة الجماعة التي يوجد مقرها في نابلس خلال الأشهر القليلة الماضية، مما أسفر عن مقتل معظم أعضائها الرئيسيين أو اعتقالهم. لكنهم يعترفون بتواصل وجود مسلحيها، الذين يجوبون البلدة القديمة في نابلس ويبثون مقاطع فيديو عبر تطبيق تيليغرام تحمل رسالة المقاومة البطولية وتشجع على تنفيذ هجمات جديدة في جميع أنحاء المنطقة.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشته تقييما استخباراتيا، إن “عرين الأسود بدأت تتحول إلى فكرة نراها في كل مكان”.
ويطلق المسلحون النار بدلا من إلقاء الحجارة أو “القنابل الحارقة”، باستخدام أم – 16 التي غالبا ما تُهرّب من الأردن أو تُسرق من القواعد العسكرية الإسرائيلية.
وقال المسؤول إن الجيش يراقب مجموعة جبع وغيرها في مدن جنين ونابلس وطولكرم الشمالية. لكنه أقر بأن المؤسسة العسكرية تواجه صعوبة في جمع المعلومات الاستخباراتية عن الجماعات المسلحة الصغيرة.
وتدير الحكومة الفلسطينية أجزاء من الضفة الغربية، وتتعامل مع الجيش الإسرائيلي لدرء منافسيها المحليين، وخاصة جماعة حماس المسلحة التي تدير قطاع غزة.
وترفض قوات الأمن الفلسطينية التدخل ضد الميليشيات الناشئة مع تزايد اعتبار شباب فلسطين السلطة الفلسطينية ذراعا لقوات الأمن الإسرائيلية وليست أساسا لدولة مستقبلية.
ونادرا ما تغامر القوات الفلسطينية الآن بالدخول إلى معاقل المسلحين مثل البلدة القديمة في نابلس ومخيم جنين للاجئين، وفقا للسكان والجيش الإسرائيلي.
وقال المسلّحون في جبع إن قوات الأمن الفلسطينية لم تهاجمهم. وقال السكان إن الجماعة المسلّحة التي تأسست في سبتمبر الماضي نمت بسرعة إلى ما بين 40 و50 عنصرا.
ووصف حمور القادة الفلسطينيين بالفاسدين البعيدين عن المواطنين العاديين. لكنه قال إن “أهدافنا أكبر بكثير من خلق مشاكل مع السلطة الفلسطينية”.
ويقول الخبراء إن السلطة الفلسطينية لا تستطيع المخاطرة بإشعال التوترات من خلال اعتقال مقاتلين يحظون بإعجاب واسع في الوقت الذي تتراجع فيه شعبيتها.
وقالت المحللة الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية تهاني مصطفى إن السلطة الفلسطينية “تمر بأزمة شرعية؛ حيث أن هناك انفصالا كبيرا بين النخب في القمة والمجموعات على الأرض”.
ويعترف المسؤولون الفلسطينيون بأن سلطتهم تتراجع.
وقال مسؤول استخباراتي فلسطيني لوكالة أسوشيتد برس، شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له التحدث إلى المراسلين، “نخشى أن تؤدي أفعالنا ضد هذه الجماعات إلى رد فعل في الشارع”.