مجتمع مدني

الجمعة - 16 فبراير 2024 - الساعة 02:43 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن حرة / كلمات فكرام مقبل تحليل / البرفيسور أ. د. عبد الله عبدالله


في لحج أرض الخضيرة
ياريت عهدي يعود
الحسن فيها تربّى
سليل عهد الجدود
الورد زاهر وفاتش
بإذن رب الوجود
محلاك ياورد احمر
يا لون كل الورود

ألوان حلوة جميلة
ويانعات الخدود
ذيك الغصون الطويلة
الفارعة ياعنود
وورد أصفر وأبيض
يفوح عنبر وعود
وعاد وقت النشيرة
يهب منه برود

الفل وسط المطيرة
والماء وسط السدود
الطير حوله يغني
وبارزات النهود
سمعتُ قمري يغرد
يشدو بلحن الخلود
ألحان حلوة جميلة
بها الحمائم تجود

معزوفة الحب تشدو
تسمو بروح الوجود
تميل معها الغمامه
أيضا وصوت الرعود
الياسمينة تباهي
أزهار حيط الكرود
وفي رياض الحسيني
تلك البواسق شهود

لا زال ينبض فوادي
بالحب رغم الحسود
يالحج أنتي ملاذي
يا أماه أنتي الوجود
أنتي الحلى و الحلاوة
يا طيبة يا ودود
أم المساكين أنتي
خيرٌ وكرمٌ وجود

لحج لا زالت ولادّة للمبدعين، هي منجم الإبداع والتألق الأدبي لا سيما الشعر وإن سامها من سامها بسوء النسيان وأذاق مبدعيها مرارة الحرمان من إيصال إبداعاتهم إلی الأفق.
ومن الشعراء المبدعين الذين لم يجدوا فرصة الظهور فرصة إشاعة إبداعهم لضيق أفق من ينشر الإبداع.
هذا المبدع المتألق هو الشاعر فكرام لبجر القطيبي،
التقيته في لحج قبل أشهر فأسمعني أبيات من قصيدةٍ له علی عجل فألفيتها أبيات رائعة، فأكبرته وأعظمتُ شعره، فقلتُ لۡه: لماذا لا تُنشره؟ فسكت دلالة علی قلة الحيلة، ثم أخبرني أنّ عنده شعر غزلي رائع ينشره علی صفحته فلم أجد فرصةً لدخول صفحته حتی راسلني أمس بقصيدة خفيفة الظل طيبة الأصل، ألفاظها جزلة سهلة يسيرة، ألفاظ مستأنسة، تحكي جنائن الحسيني وزراعة الرمادة.
مكونة من مقاطع، ينتقل فيها القارئ بيسر وطلاقة كأنّه علی بساط ريح مزخرف بكل ألوان الجمال، ينقله من مقطع إلی مقطع ليُمتِّع سمعه وبصره بأبياتها وكلماتها،
عنونها ب (ٖأم المساكين) تتكون من خمسة مقاطع ، ٖأبيات مقاطعها في المتوسط تتكون من ثمانية أبيات.
سنقتصر بتوفيق الله عز وجل علی تحليل المقطعين الأول والثاني، تناول المقطع الأول
توطئة عن تاريخ لحج العتيق متمنيًا عودة ذاك العهد فيقول في مقطعها الأول:
في لحج أرض الخضيرة
ياريت عهدي يعود
الحسن فيها تربّى
سليل عهد الجدود
الورد زاهر وفاتش
بإذن رب الوجود
محلاك ياورد احمر
يا لون كل الورود
ففي مطلع المقطع الأول يقول شاعرنا فكرام
لحج أرض الخضيرة
يا ريت عهدي بها يعود

هكذا صار أبناء لحج يندبون ما وصل إليه حالهم وحال موطنهم المعشوقة لحج، فهم يتألمون حسرة علی زمن مضی فيه العيش الحلی وصف القمندان ذاك الزمان ببيت أجمل فيه كل جميل فقال:
نسيم البرود نسنس علی الروضة وقع يوم مشهود

ثم يكمل شاعرنا فكرام لبجر المقطع الٖأول بأن يشير إلی ٖأنّ لحج منشأ الحسن، فيها تربی، وهي من رعته وسقته من مائها السلسبيل، وهو حسن أصيل أصالته موغلة في التاريخ، فيقول:
الحسن فيها تربی
سليل عهد الجدود

ما أبدعها من صورة، فلحج أم المساكين، وهي أم الحسن ووصيفته، وهو حسن له أصول، وليس حُسن مجتث أو مقطوع النسب، ثم يتطرق الشاعر فكرام إلی وصف ما حبا الله الكريم لحج من أنواع الورود، وقد فتش وزانت ألوانه الوجود بفضل رب الوجود الواحد الأحد المعبود رب كل جميل ومبدعه فيقول:
الورد فاتش وزاهر
بإذن رب الوجود

ولجمال الورد لم يتأخّر شاعرنا فكرام عن مخاطبة هذا الورد الذي فُتِن به قائلًا:
محلاك يا ورد أحمر
يا لون كل الورد
هذا اللون الأول من ألوان ورود تحتفي بها لحج (أم المساكين)، ثم أبان الشاعر أنّ الٖأحمر في الورود سيد ألوان الورورد.
وينتقل بنا الشاعر إلی المقطع الثاني:
ألوان حلوة جميلة
ويانعات الخدود
ذيك الغصون الطويلة
الفارعة ياعنود
وورد أصفر وأبيض
يفوح عنبر وعود
وعاد وقت النشيرة
يهب منه برود

في تسلسل مبدع خلّاب؛ ليكمل لنا أنواع الورود، و ما أحلی هذا التنقل وهذا ما يطلق عليه في علم اللغة النصي ولسانيات الخطاب بالتماسك النصي سواء بين مطلع القصيدة الذي بدأه شاعرنا الرائع بذكر أصل لكل هذه الورود ألا وهو الخضرة التي تشمل كل ما نبت علی الأرض من جميل ونافع للإنسان مفيد فقال:
في لحج أرضي الخضيرة
يا ريت عهدي يعود

ثم انتقل من العام إلی الخاص، فأنهی المقطع الأول بذكر الورد الأحمر وهو لون كل الورود.
وزاد تماسك النص ما جاء في المقطع الثاني إذا بدأ يُفصل ألوان الورود الأخری،
وفي هذا المقطع صورة واضحة و بديعة لما كانت عليه لحج من جمال يتمثل في خضرتها وجمال جنائنها، فاسمع مقطع القصيدة الثاني:
ألوان حلوة جميلة

تماسك نصي أخر يغلق
بستان الورود ليعود من جديد في تفصيله فيقول:
ألوان حلوة جميلة
ويانعات الخدود
ذيك الغصون الطويلة
الفارعة يا عنود
في هذه المقطع استعارات رائعة جعل من الورود فتيات حسنوات جميلات فوصف أوراق الورود بأنّهنّ خدود يانعة، أي لا زالت تحتفظ بمائها ونضارتها، ثم انتقل إلی وصف غصونها بالطول والطول الفارع، وهي صفة تغنّی بها الشعراء الجاهليون صفة لشعر المرأة.
فجعل عنود وصف لتلك الورود وهو وصف لمرأة عاندت وتدلعت بحسنها
علی من رام وصلها
و يختم المقطع بتفصيل ألوان الورود فيقول:
ورود أصفر وأبيض
يفوح عنبر وعود

فالورد لا يقتصر جماله فقط علی جمال اللون بل يتعداه إلی الرائحة التي تفوح بأنواع الروائح الطيبة وخص منها العنبر والعود رمزًا للرائحة المحبوبة، ولشهرتهما في حياة أبناء الخضيرة
ولتغني الشعراء بها في شعرهم،
ثم انتقل وعلی جناح السرعة بأسلوب بلاغي رائع، فطار بنا إلی وضع من أوضاع ورد خاص له وقت تفوح فيها رائحة تملأ مكان وجوده ويقصد به فل النشيرة،
وهو مصطلح مشهور
في لحج الخضيرة
حتی يومنا هذا و تسميته بالنشيرة أنّه يأتي بعد قيلولة الظهيرة أو بعد العصر فيقول شاعرنا فكرام:
وعاد وقت النشيرة
يهب منه برود

يا حلاوة علی التعبير الراقي
وتأمل كلمة ( وعاد) وإن كانت مشبوهة في فصاحتها لكنّ موقعها أعطی المقطع: برمته حسن وجمال تأمل:
وعاد فيه فضيلة أخری لهذا النوع من الورد (الفل) أنّه بعد النشيرة يهب منه برود
تصوير بديع و لا أروع اقتصر علی إحدی صفة هذا الذي يهب أنُه برود.
والبرود كناية عن نسيم بارد طيبة الملمس والرائحة.
ما فعلت يا فكرام بمشاعرنا حركّتها لتلامس ذاك البرود نسمة ناعمة وصوت مأنوس ورائحة زكية،
(برود) لفظة حالية وقد أوردها القمندان في قصيدته (أسيل الخدود)
إذ يقول:
نسيم البرود نسنس علی الروضة وقع يوم مشهود
نكتفي في هذه الحلقة بتحليل مقطعين علی أن نواصل ما تزخر به القصيدة من أبيات حمّلة بالصور البلاغية والكنايات والاستعارات لاحقًا إن يسّر الله لنا ذلك.