منوعات

الأحد - 26 مارس 2023 - الساعة 09:44 ص بتوقيت اليمن ،،،

وكالات


بدأت مبكرا دراسات التراث، وقد انقسم الدارسون إلى قسمين، واحد ينتصر للتقليد فيحاول إثبات قوة الماضي وضرورته لاستئناف النهضة والتقدم، أو بعث الأمة والحضارة، والآخر ينادي بضرورة القطع مع الماضي باعتباره تراثا، فقد قدرته على الاستمرار مع ظهور العلوم وتطورها، وعجز التراث عن مسايرة الحاضر والتطلع إلى المستقبل.

هكذا اتجه كل منهما إلى إثبات دعواه، إما بالكشف عن عمق تراثه وما يحتويه من قيم ومعارف لها صلاحية مطلقة، أو أنه فاقد لهذه الصلاحية، مما جعل الحوار يتخذ شكل جدال، عنيف في لغته، متحامل في دعواه.

وعندما اشتدت المعارك، ظهرت توجهات جديدة، أكثر وضوحا، فساهمت في نقد الدين أو الفكر الديني، بما هو جوهر هذا التراث وروحه الحيوي، بل هناك من اعتبره عائقا أمام التطور، بما يحتويه من تبعية للقدامى، والاكتفاء باجتهاداتهم التي تعتبر أعمق ما وصل إليه الفكر الإسلامي، تشريعا ومعتقدا وبطولة وإقداما.

لكن الملاحظ أن التراث فيه ما هو ديني وما هو غير ديني، كما أن الدين فيه ديانات، مرتبطة بالوحي كاليهودية والنصرانية والإسلام، وفيه حكمية، لا غيب فيها، بل تحترم المعتقد وتعتبره أساسا، المهم فيه ما يقدمه للمعتقد به، حقيقة وأخلاقا، وهناك ديانات أخرى، حكمتها الوحيدة هي احترام الطبيعة البشرية، القائمة على جدلية الخضوع والتمرد.

 ومع تطور الفكر ظهرت اكتشافات جديدة، في الحفريات وعلوم الثقافات وحتى الديانات وحفرياتها، بل ظهر تاريخ الدين، وخصوصا ديانات الوحي، بما عثر عليه من صحف حول الكتب المقدسة، بحيث تم العثور على كتابات للتوراة والأناجيل، مكتوبة بغير لغتها، أي باليونانية وهي أقدم مما اعتبر أصلية، ويبدو أن القرآن نفسه قد لا ينجو من هذه الاكتشافات رغم شح المصادر الكتابية وعدم العثور في شبه الجزيرة على ما يدل على تلك المراحل، باستثناء كتب التفسير والتي ظهرت في القرن السابع الميلادي، أي بعد الهجرة بما يزيد عن قرن.

 لكن المثير، أن عبارات متشابهة في كتابات الوحي وجدت، وهو أمر طبيعي مادام مصدر الوحي واحدا، لكن ذلك يدفع إلى طرح أسئلة، حتما هي مؤشر على اكتشافات جديدة، ينبغي التعامل معها بجدية، من دون تعصب دوغمائي يدعي الحقيقة لنفسه من منطلق الفقه أو اللاهوت وليس التاريخ والبحث الأركيولوجي.

 لكن كل ذلك مثير للفضول بما يدفع إليه من إعادة التفكير في الكثير من القضايا، التي اعتبرت معرفتها نهائية، ختم عليها بمفاتيح القداسة، فحرم الاقتراب منها دفعا للشبهات، والحقيقة أن العقل البشري، وعقول المعتقدين، تتطور، وما كان مقنعا لها بالأمس، قد يغدو مثيرا للسخرية، بل الشفقة، مع التنبيه إلى وجود من لا تعنيهم الحقيقة، بل هم مكتفون بما يقدرون على إدراكه.

 لكن السلطة تستعين بهم لتقفل المفتوح، وتهدد المتطاول من أهل العلم ومحركي فضول المعرفة، من هنا كانت ضرورة دراسة الوحي بوضع تمييز بينه وبين القرآن من جهة، واستحضار تميزه عن التفسير من جهة أخرى، وضرورة الوعي بالحاجة إلى إصلاح ديني إسلامي، يقرب أولا بين المذاهب ويردم الهوة بين ديانات الوحي لتحاور ذاتها وبعضها، وتعمل على احترام كل ما هو روحي، سواء كان وحيا مصرحا به، أو تأملا في روح العالم المفترض حبا ورعاية لإنسانية تحتاج إلى توحيد نفسها بالحب وحفظ وجودها بالتفهم بدل التحامل والتحريض.