عرب وعالم

الأحد - 26 مارس 2023 - الساعة 07:30 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


يبدو أن الضربات المتبادلة بين النظام المصري والأزهر سوف تتخلى عن طريقتها غير المباشرة وقد تخرج إلى العلن في بعض القضايا الخلافية التي كانت لا تفسد للود قضية سابقا، لكنها الآن يمكن أن تأخذ منحى تصعيديا غير مألوف كثيرا.

ووضع الأزهر الحكومة المصرية في ورطة مع الأقباط عقب إعلان موقفه في قضية الطفل شنودة الذي صار مسلما بعد أن انتزع من والديه المسيحيين بالتبني، حيث أقر الأزهر مشروعية إسقاط الديانة الإسلامية عن الطفل والعودة إلى المسيحية.

وعكس موقف الأزهر المساند للأقباط في هذه القضية إلى أي درجة يريد إرسال إشارات سياسية إلى الحكومة بأنه يستطيع مناكفتها وتأجيج الشارع ضدها في أي وقت، ومهما حاولت السلطة تهميش دوره أو إقصاءه عن المشهد سيظل ممسكا ببعض خيوط حل الأزمات، ولا توجد هيئة دينية في البلاد قادرة على أن تحل مكانه.

وظهر توقيت حسم الأزهر لديانة الطفل شنودة مثيرا للشك لأنه جاء بعد إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي إلغاء الطلاق الشفهي واستبداله بالموثق الذي يعارضه الأزهر.

وقال مركز الأزهر للفتوى الأربعاء ردا على ديانة الطفل الذي عثر عليه داخل إحدى الكنائس: "ورد سؤال إلى مركز الأزهر العالمي للفتوى للاستفسار عن ديانة الطفل الذي عثر عليه داخل إحدى الكنائس.

والجواب:
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.

وبعد؛ فإن هذه المسألة ذهب فيها العلماء إلى آراء متعددة، والذي يميل إليه الأزهر من بين هذه الآراء هو ما ذهب إليه فريق من السادة الحنفية، وهو أن الطفل اللقيط إذا وجد في كنيسة وكان الواجد غير مسلم فهو على دين من وجده.

وهذا ما نص عليه السادة الحنفية في كتبهم: "وإن وجد في قرية من قرى أهل الذمة أو في بيعة أو كنيسة كان ذميًّا " وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميا رواية واحدة ". [الهداية في شرح بداية المبتدي 2/ 415]".

وتم انتزاع الطفل من أسرة مسيحية تبنته وأودعته وزارة التضامن الاجتماعي منذ سبتمبر الماضي إحدى دور رعاية الأيتام، وتمت تسميته “يوسف” باعتبار أن “شنودة” يوحي بأنه مسيحي بحجة أنه فاقد الأهلية وبلا أسرة ولم يُستدل على أبويه الحقيقيين، ما جعله مسلما بالفطرة.

وأثار موقف الأزهر بإباحة إسقاط الديانة الإسلامية عن الطفل شنودة ردود فعل قبطية غاضبة من الحكومة على اعتبار أنها تعاملت بشكل غير إنساني مع القضية، وأوهمت الجميع بأن الأزهر يرفض استمرار شنودة قبطيا ثم ظهر فجأة بفتوى إيجابية.

ولا تزال هناك معضلة تواجه المسيحيين المصريين الراغبين في التبني، رغم أن ديانتهم لا تحرّم ذلك، بعدما اضطرّ القانون الموحد للأحوال الشخصية للمسيحيين في تسعينات القرن الماضي إلى إلغاء التبني استجابة لرغبة الدولة التي ترفض تشريعاتها الإسلامية مبدأ التبني باعتباره مخالفا للدين الرسمي في البلاد.

ويوحي المشهد الراهن بأن الأزهر قرر مبارزة الحكومة بنفس الطريقة التي تتعامل بها معه، فهي تتحرك لإبعاده عن القضايا الجدلية الملامسة للدين، مثل الطلاق، وهو يريد إثبات النفوذ والقدرة على الحل أو التعقيد.

ولم تطلب أي جهة رسمية من الأزهر استطلاع موقفه، سواء وزارة الداخلية كجهة مسؤولة عن الأحوال المدنية واسم وديانة الأشخاص، ولا محكمة القضاء الإداري التي نظرت في قضية الطفل شنودة وحكمت برفض دعوى التبني، ولا وزارة التضامن الاجتماعي التي قررت إيداع الصغير بدار رعاية اجتماعية، ما كرس تهميش الأزهر في قضية يفترض أنها أصبحت حديث الرأي العام ومرتبطة بصميم النواحي الشرعية.

والمتعارف عليه أن هيئة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية تختار للطفل مجهول النسب اسما ثلاثيا وتنسبه إلى الدين الإسلامي، سواء تم العثور عليه في مسجد أو أمام كنيسة أو شارع، ويكون الاسم والديانة وفقا لأحكام الشريعة التي يمثلها الأزهر.

وألقى الأزهر الكرة في ملعب الحكومة وتركها في مواجهة مع الأقباط الذين أصبحوا على قناعة بأن الأزمة من البداية إلى النهاية مرتبطة بتشدد دوائر سياسية داخل النظام بتطبيق إسلامية الدولة دون اعتبارات إنسانية أو معرفة رأي الأزهر، كأنها تخشى مواجهة سلفيين يرفضون التبني ويضعون أمام تطبيقه جملة من الخطوط الحمراء.

وترى أصوات منفتحة أن توسع الحكومة في الكفالة والأسر البديلة للأطفال مجهولي النسب محاولة غير مباشرة لتمرير التبني بشكل هادئ لإقناع الأزهر والمجتمع بالقضية لتهيئة الأرض مستقبلا، لكن الأزهر تدخل وعقّد المشهد وأربك الخطة.

وقال الباحث والمفكر القبطي كمال زاخر لـ”العرب” إن موقف الأزهر من قضية الطفل شنودة إيجابي، لكنه جاء متأخرا لحسابات سياسية كثيرة، فهو يخشى السلفيين والشارع، وكان يرغب أن ينتظر الجميع موقفه باعتباره صاحب الكلمة العليا، وهذا لا يصح في دولة مدنية يفترض أن تكون كل قراراتها السياسية بعيدة عن الدين.

وأضاف أن الأزهر لا يرغب في وصول مصر إلى تجربة تونس من حيث فصل الدين عن الدولة ويكون نتاج ذلك تطبيق التبنّي، ويريد أن يدير الأمور الدينية عبر مواءمات سياسية، بما يوسع نفوذه ويجعله دائما قوة لا يستهان بها.

وفتح موقف الأزهر تجاه قضية الطفل شنودة الباب لبروز احتقان طائفي بين مسلمين ومسيحيين على شبكات التواصل الاجتماعي، وتعالت أصوات مطالبة بعودة الطفل إلى المسيحية طالما أن الأزهر أباح ذلك مقابل أصوات تروج لمجاملة الأزهر للكنيسة على حساب الدين، وإلا ما كان مرصد الفتوى استند إلى رأي واحد (الحنابلة) عند الفقهاء في حسم القضية.

وبدا الأزهر أكثر انفتاحا وعقلانية عند معالجة قضية طائفية شائكة، لكن ذلك مقصود، ويريد منه توصيل رسالة عن توجهاته وأفكاره التي يتهم بسببها طوال الوقت بأنها رجعية ومتشددة، ومن هنا حاول ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.

فقد أضفى عدم مشروعية على التحرك الحكومي لنقل طفل من الديانة المسيحية إلى الإسلامية وحرمانه من أبويه، والنتيجة أن ظهرت دوائر في السلطة كأنها متطرفة أكثر من الأزهر، وخطورة أن هذا التحرك من جانب الأزهر أنه يقود إلى تأجيج الاحتقان الطائفي لأن الملف ليس مدعاة لمكاسب سياسية من أي طرف.

وأراد الأزهر تحصين علاقته بالكنيسة وقياداتها في ذروة الخلاف مع النظام السياسي، وهذا في حد ذاته مكسب مهم له، لأن نفوذ الأزهر يتعاظم عندما تكون لديه قواعد شعبية عند أصحاب الديانات الأخرى، وهذا ما ظهرت ملامحه في أزمة الطفل شنودة.

والمكسب الأهم للأزهر في مواجهة السلطة أنه أظهر التراث القديم المتهم بالتشدد بصورة مغايرة غير التي تروج لها دوائر رسمية، ما يعكس إلى أي درجة سعى الأزهر لتوظيف أزمة الطفل القبطي لتبييض صورته ومناكفة الحكومة في ملف الأقباط.

وبغض النظر عن دوافع وتوقيت تدخل الأزهر، لكن استناده إلى رأي فقهي عقلاني من التراث ورفض آراء أخرى متطرفة لحل الأزمة يعكس لأيّ درجة تعاني المؤسسة الدينية من أزمة فكرية، ويبرهن أن الأزهر في بعض القضايا الشائكة لديه بدائل مناسبة للجميع ويختار أحيانا الأكثر تطرفا، في ما يعني أنه يميل إلى توظيف التراث لتحقيق أهداف سياسية، حسب ظروف المرحلة ومستوى العلاقة مع النظام الحاكم.