عرب وعالم

الأحد - 05 فبراير 2023 - الساعة 05:22 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


في ظل تعثر الجيش الروسي في حربه الراهنة في أوكرانيا في مواجهة المقاومة العنيفة من القوات الأوكرانية التي تدافع عن أرضها، كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الدفاع سيرجي شويغو الشهر الماضي عن خطة جديدة لإعادة هيكلة الجيش الروسي بعيدا عن نموذج الألوية والعودة إلى هيكل الفرق الكبيرة الذي كان متبعا قبل عام 2008.

وجرى الإعلان عن هذه التفاصيل في الوقت الذي يكافح فيه الجيش الروسي للحفاظ على الزخم في أوكرانيا ومع اقتراب انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العام الجاري 2023.


وعلى الرغم من أن تنفيذ هذه الإصلاحات في الجيش ليس جديدا على تاريخ الجيشين السوفييتي والروسي، تستهدف محاولات إعادة الهيكلة الجديدة هذه إنشاء جيش جديد جاهز لحماية المصالح الروسية في مواجهة الناتو، ليعكس بشكل وثيق التصور السوفييتي لتهديد حرب واسعة النطاق.

وقال الباحث خورخي ريفيرو المتخصص في الشؤون الخارجية وتحديدا أوروبا وأوراسيا لصالح مشاة البحرية الأميركية، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية إنه على الرغم من أن المقترحات الروسية ونتائجها غالبا ما تكون مختلفة تماما، سيقوم المحللون الغربيون قريبا بالتشكيك في جدوى هذه الإصلاحات وكيفية تأثيرها على وضع القوات الروسية في شرق أوروبا.

وأضاف “سيتعين على القوات المسلحة الروسية القيام باستثمارات كبيرة في رأس المال البشري وفي القوة العاملة والتدريب من أجل تزويد هذه التشكيلات الجديدة بالمعدات. وبعد الخسائر الضخمة في أوكرانيا سيكون تحقيق هذه الأهداف أمرا صعبا بالنسبة إلى الكرملين”.

وفيما يتعلق بالإصلاحات السوفييتية والروسية، قال خورخي إن بحث تاريخ إصلاحات الجيشين السوفييتي والروسي وأهداف هذه الإصلاحات ونتائجها بشكل موجز أمر أساسي لمتابعة ما يمكن أن يحدث. وأشار إلى أنه خلال أواخر العصر الستاليني كان تركيز قوة الجيش السوفييتي ينصب على قوة برية ضخمة.

وبعد الحرب العالمية الثانية، تصور السوفييت حربا عالمية ثالثة تشبه الحرب العالمية الثانية، ولكن معززة بأسلحة نووية. وشهد الجيش السوفييتي تغييرات كبيرة في أواخر الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وفي الفترة بين عامي 1968 و1987 زادت القوات البرية السوفييتية من 138 فرقة إلى 220 فرقة.

وبعد كارثة الشيشان في تسعينات القرن الماضي، اضطرت هيئة الأركان العامة الروسية إلى تشكيل وحدات مختلطة من كل المناطق العسكرية للانتصار في صراع محدود نسبيا، مما سلّط الضوء على تدهور قوتها مقارنة بماضيها السوفييتي. وفي عام 1992، بدأت وزارة الدفاع في الاتحاد الروسي في تقليص التشكيلات الروسية مع انهيار الاقتصاد الروسي.

وعلى الرغم من أن المسؤولين العسكريين وصانعي السياسة كانوا يستهدفون إعادة هيكلة الجيش الروسي المتدهور، فقد شهدت فترة التسعينات تخفيضات في عدد القوات وليس إصلاحات عسكرية حقيقية. وبين عامي 1992 و2000 تراجع عدد أفراد القوات البرية الروسية من 1.4 مليون جندي إلى 348 ألف جندي.

وفي عام 2008، ومع الأداء الضعيف للقوات البرية الروسية في جورجيا، بدأ أناتولي سيرديوكوف وزير الدفاع الروسي السابق في إجراء تخفيضات كبيرة في عدد القوات المسلحة الروسية، والعودة مجددا من نموذج الفرق إلى نموذج الألوية وتقليل حجم فيلق الضباط بنسبة 57.7 في المئة. وأسفرت إصلاحات سيرديوكوف، المعروفة باسم “إصلاحات المظهر الجديد” أيضا عن خفض حجم القوات المسلحة بمقدار 278 ألفا و500 فرد.

وعندما بدأ الهجوم الروسي على جورجيا، كان 80 في المئة من أسلحة الجيش الروسي ترجع إلى العصر السوفييتي. وكانت إصلاحات سيرديوكوف تهدف إلى تقليص حجم الجيش لضمان الاستثمار المناسب في برامج التسلح الروسية. وتحول خورخي في تقريره إلى إصلاحات بوتين قائلا إن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا لم تحقق نتائجها المرجوة بالنسبة إلى الكرملين.

وبعد هجوم شمالي كارثي صوب كييف من بيلاروسيا، حولت روسيا أهداف عملياتها إلى هجوم على دونباس في أواخر مارس الماضي. وفي تحول واضح في إدراك التهديد ولتوسيع القدرة القتالية الشاملة للقوات المسلحة الروسية، كشف بوتين عن خطة لزيادة حجم الجيش بنسبة 30 في المئة، والتي سترفع تعداد الجيش الروسي إلى 1.5 مليون فرد، فضلا عن 300 ألف فرد متعاقد.

وبشكل إجمالي، ستزيد خطة بوتين حجم القوات البرية بمقدار 22 فرقة وتضم فرقتين جديدتين في القوات الجوية الروسية، لتصل القوات الجوية إلى حجمها أثناء العصر السوفييتي.

وقد تم بالفعل تشكيل إحدى فرق القوات الجوية، وهي فرقة الحرس الجوي الهجومي 104، على خلفية لواء الحرس الجوي الهجومي الـ31 السابق، وتعمل الفرقة الجديدة حاليا في إقليم زابوريجيا أوبلاست. وأخيرا، سيتم تشكيل خمس فرق مشاة بحرية من خمسة ألوية مشاة بحرية موجودة حاليا.

ووفقا لشويغو سيتم تشكيل فرقتين للمشاة الراكبة في الأراضي المحتلة في خيرسون وزابوريجيا. كما تعيد الخطة الجديدة أيضا إنشاء منطقتي موسكو ولينينغراد العسكريتين، مقابل حلف الناتو، بدلا من المنطقة العسكرية الغربية الحالية، والتي ربما كانت إخفاقاتها خلال العملية العسكرية الخاصة قد ساهمت في سقوطها. وسلط شويغو الضوء أيضا على إنشاء فيلق عسكري في كاريليا، مقابل الحدود الفنلندية مع روسيا، وألوية وأفواج دعم طيران والتي ستدعم جيوش الأسلحة المشتركة.

وعلى عكس إصلاحات سيرديوكوف عام 2008، والتي ضحت فيها روسيا بعدد القوات من أجل الاستثمار في تطوير الأسلحة، تظهر الإصلاحات الجديدة زيادة كبيرة في عدد القوات مع الاستثمار في الوقت نفسه في أسلحة جديدة وتزويد القوات الحالية بمعدات جديدة وأيضا بفرق جديدة.

وقد وفرت خطة سيرديوكوف جيشا روسيا قادرا على مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية وبعيدا عن حرب واسعة النطاق في السهل الأوروبي أو الصين. وقد أدت هذه التشكيلات بشكل جيد، أكد إمكاناتها القتالية في عام 2014 وفي سوريا.

وأضاف خورخي في تقريره بالقول إنه على الرغم من ذلك، لم يأت الاختيار الحقيقي إلا في العام الماضي، عندما غزت روسيا أوكرانيا. وبهذه الخطوة، أوضحت روسيا أن التهديد الأوّلي تحول من عمليات قتالية محدودة النطاق، واعتبرت الإرهاب هو التهديد الرئيسي لها، إلى صراع واسع النطاق، عاد فيه الناتو مجددا ليكون هو الخطر الرئيسي. إلا أن روسيا ليست الاتحاد السوفييتي وهناك عوائق عديد تمنع وزارة الدفاع الروسية من تنفيذ هذه الإصلاحات بنجاح، على الأقل بالطريقة التي يتصورها الكرملين.

إن قدرة روسيا على استخدام كل الوسائل المتاحة لإدارة هذه التشكيلات سوف يسفر على الأرجح عن توفير عناصر كافية. ولكن المشكلة تكمن في أنه ستكون هناك معاناة في تحديث الأنظمة القائمة وشراء الجديدة، مما سيؤدي إلى إنشاء جيش سيكون أقل من حيث العتاد مقارنة بقوات الناتو.