دافع وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو في مذكراته التي صدرت الثلاثاء، عن السعودية بشدة في جريمة قتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، معتبرا أن علاقته الدبلوماسية مع المملكة كانت بمثابة “إعطاء الإصبع الوسطى” لوسائل الإعلام الأميركية.
وكان بومبيو قد قام بزيارة في أكتوبر 2018 إلى الرياض بعد أيام من مقتل خاشقجي، الصحافي والكاتب السعودي الذي عاش في الولايات المتحدة ونشر مقالات رأي في صحيفة واشنطن بوست تنتقد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وقال بومبيو في كتابه الذي حمل عنوان “لا تبدل رأيك مطلقا، القتال من أجل أميركا التي أحب”، وتناول فترة عمله وزيرا لخارجية الرئيس السابق دونالد ترامب “ما جعل الإعلام أكثر جنونا من نباتي في مسلخ لحوم هو علاقتنا مع السعودية”. وأضاف بومبيو إن خاشقجي “لم يكن صحافيا بل كان ناشطا”، وزعم أن الصحافي السعودي كان “على علاقة طيبة مع جماعة الإخوان المسلمين الداعمة للإرهاب”، وأضاف أن “الغضب العالمي من مقتل خاشقجي كاتب العمود في واشنطن بوست كان غير متناسب”.
وشرح بومبيو “الكثير من الضجة العالمية غير المتناسبة كانت مدفوعة بوسائل الإعلام، والتي عرضت القصة بشكل أكثر صعوبة لأن خاشقجي كان ‘صحافيا’، وللتوضيح، لم يكن خاشقجي صحافيا بمعنى الكلمة كان خاشقجي صحافيا بدرجة أنني والعديد من الشخصيات العامة الأخرى صحافيون، وننشر كتاباتنا أحيانا، لكننا نقوم أيضا بأشياء أخرى”. وأضاف “وسائل الإعلام جعلت خاشقجي، بوب وودوارد السعودي (في إشارة إلى الصحافي الأميركي الشهير الذي كشف فضيحة ووترغيت) الذي استشهد لانتقاده الشجاع للعائلة المالكة السعودية من خلال مقالات الرأي التي نشرها في صحيفة واشنطن بوست”.
وتابع “في الحقيقة، كان خاشقجي ناشطا دعم الفريق الخاسر في معركة أخيرة على العرش في المملكة العربية السعودية، ولم يكن سعيدا بنفيه”.
وذكر أن “تعبير خاشقجي العلني عن حزنه على مقتل أسامة بن لادن يظهر، على الأقل، وضعا أكثر تعقيدا بكثير مما تم الاعتراف به، لم يكن يستحق الموت، لكننا بحاجة إلى أن نكون واضحين بشأن هويته وكثير من الناس في وسائل الإعلام لم يكونوا كذلك”.
وحول تكليف ترامب له بالذهاب إلى السعودية أضاف “بطريقة ما، أعتقد أن الرئيس شعر بالحسد لأنني كنت الشخص الذي أعطى الإصبع الوسطى لواشنطن بوست ونيويورك تايمز وجبناء آخرين لا يملكون أي صلة مع الواقع”.
ولم يعارض بومبيو في كتابه مسؤولية السعودية عن الجريمة، حيث كتب “هذه المجزرة المروعة كانت شائنة وغير مقبولة ومروعة وحزينة وحقيرة وشريرة ووحشية وبالطبع غير قانونية”. وأضاف “لكن ذلك لم يكن مفاجئا، ليس بالنسبة إلي على أي حال. لقد شهدت ما يكفي في الشرق الأوسط لأدرك أن هذا النوع من القسوة كان أمرا روتينيا للغاية في هذا الجزء من العالم”.
وشدد بومبيو على أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رجل إصلاحي “سيثبت أنه أحد أهم قادة عصره، وشخصية تاريخية بحق على المسرح العالمي”.
وقال إنه بدلا من ذلك كان ينبغي التدقيق أكثر بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي انتقد السعودية بشأن الجريمة، معتبرا أن الزعيم التركي “تحول إلى مستبد إسلامي بالكامل”.
وحاولت أنقرة ابتزاز الرياض ومساومتها بقضية خاشقجي. ووظّف النظام التركي تغطية وسائل الإعلام الناطقة بالعربية في شنّ حرب علاقات عامة على السعودية، حيث وجهها لتحقيق غايات سياسية بحتة، أبعدت الإعلام عن قيم المصداقية والحياد التي من المفترض أنه يرتكز عليها بمختلف تغطياته الإعلامية. وقد نجح التكتيك في إبقاء الاهتمام الدولي منصبا على قضية خاشقجي قبل أن تصبح القضية كارتا محروقا وينفض اهتمام العالم من حولها.
ووقع سجال كلامي بين فريد رايان المدير التنفيذي لصحيفة واشنطن بوست الأميركية وبومبيو بسبب الانتقادات التي وجهها بومبيو.
وعلق رايان، في بيان على تويتر، على انتقادات بومبيو بوصفه بأنه “ينشر الأكاذيب الدنيئة لمحاولة بيع المزيد من نسخ كتابه”، وقال إنه “لأمر مروع ومحبط أن نرى كتاب بومبيو يحرف بشكل شائن حياة وعمل كاتب العمود في واشنطن بوست خاشقجي، كما خلصت وكالة الاستخبارات المركزية التي أدارها بومبيو ذات مرة إلى أن جمال قُتل بوحشية بأمر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”.
وأضاف أن الصحافي الراحل “كانت جريمته الوحيدة هي فضح الفساد والقمع بين من هم في السلطة، وهو العمل الذي يقوم به الصحافيون الجيدون في جميع أنحاء العالم كل يوم، وكرس نفسه لقيم حرية التعبير والصحافة الحرة والتزم بأعلى المعايير المهنية”.
وتابع رايان “لهذا التفاني، دفع الثمن، إنه لأمر مخز أن ينشر بومبيو الأكاذيب الدنيئة لإهانة حياة الرجل الشجاع والتزامه بالمبادئ التي يعتز بها الأميركيون كحيلة لبيع الكتب”.
وفي المقابل، رد بومبيو، عبر حسابه على تويتر “الأميركيون أكثر أمانا لأننا لم نطلق على السعودية دولة منبوذة، لم أترك وسائل الإعلام تتنمر علي أبدا، وبسبب شخص ما يعمل بدوام جزئي في واشنطن بوست لا يجعل حياته أكثر أهمية من جيشنا الذي يخدم في أماكن خطرة ليحمينا جميعا، لم أنس ذلك أبدا”.
ويذكر أن صحيفة واشنطن بوست شنت هجمات متتالية ضد السعودية، وطالت هجماتها مسؤولين وسياسيين أميركيين احتفظوا بعلاقات طيبة مع المملكة، وحاولت الصحيفة بشتى الطرق التأثير على السياسة الأميركية دون مراعاة أهداف واشنطن وحاجتها لحلفاء ذوي ثقل في المنطقة.
وعلى مدى ثمانية عقود، تمتعت الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة مع السعودية، لكن في السنوات الأربع الأخيرة وجهت واشنطن بوست جهودها لمهاجمة السعودية وأي تقارب أميركي معها رغم أن هذا التقارب بات لمصلحة الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، بعد الحرب الروسية – الأوكرانية.
ويقول جيمس بي بينكرتون، الذي عمل كمساعد للسياسة الداخلية في البيت الأبيض للرئيسين رونالد ريغان وجورج دبليو بوش، في مقال نشره موقع “ذا ناشيونال انترست”، “إن صحيفة واشنطن بوست حملت ضغينة ضد السعودية وفي الواقع كان للصحيفة تأثير كبير على السياسة الأميركية، في حين أنه لا ينبغي أن يقود سفينة دولتنا الصحافيون، إذ تتطلب المصلحة الوطنية منظورا أكبر، بما في ذلك الاعتبار الواجب للأدوات التقليدية لفن الحكم”.
ويذكر أن كتاب بومبيو الجديد يأتي في وقت يفكر فيه في الترشح للبيت الأبيض. وقال بومبيو إن خوض الانتخابات الرئاسية من قبل الرئيس السابق ترامب في عام 2024 لن يثنيه عن الترشح.