كتابات وآراء


السبت - 08 يناير 2022 - الساعة 01:32 ص

كُتب بواسطة : علي الصراف - ارشيف الكاتب


حزب الله في لبنان لم يتغير. ولا تغيرت أجندته. وحسن نصرالله هو نفسه حسن نصرالله. وذات يوم، كان الكل على شراكة معه، من ميشال عون وأنت صاعد، من دون أن تستثني سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة.

السعودية نفسها كانت على تعايش معه. فما الذي استجد لكي يتحول توجيه الانتقادات الجماعي إلى حزب الله إلى سلعة رائجة في سوق السياسة اللبنانية؟

الحقيقة هي أن المعادلات العريضة بدأت تختلف.

هناك حاجة إلى إعادة ترتيب الصفوف استعدادا لانتخابات مايو المقبل. وحزب الله، يبدو المنبوذ الكبير. وهو يهاجم السعودية بوقاحة أشد، لأنه يدرك أن التحالفات السابقة، التي وفرت له أن يمتطي ظهور الجميع، لم تعد يسيرة مثلما كانت.

الانهيار القائم في لبنان، يتحمل حزب الله القسط الأوفر من المسؤولية عنه. ومع انكشاف البلد على إفلاس اقتصادي وشيك، فإن دفع البلاد إلى إفلاس قضائي بالسعي إلى عرقلة التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، وآخر سياسي بتعطيل عمل حكومة “الإنقاذ”، وثالث في العلاقات مع السعودية، ورابع أمني يهدد بانفجار نزاع جديد مع إسرائيل، وخامس مع الأمم المتحدة بالاعتداءات على قواتها في جنوب لبنان، يضع حزب الله في موضع المتعري الذي لم يعد من اللائق أن يلتقط معه أي أحد صورة “سيلفي”.

حتى جبران باسيل بدأ يتنصل منه ويوجه له الانتقادات.

كل ذلك طبعا لحسابات، بعضها انتخابي وبعضها شخصي. إلا أن “النبي المسلح” لم يُصبح “نبيا منبوذا” إلا لأنه اختار أن يرمي أوراق التوت عن عوراته. ولكن، برغم ذلك، لا يمكن القول إنه “نبي أعزل”، إذ ما يزال لديه من يمكن أن يلتقط معه تلك الصورة، مثل الشريك الطبيعي في الفضيحة “حركة أمل” بقيادة نبيه بري، ومثل تيار المردة بقيادة سليمان فرنجية في الصف المسيحي. إلا أن هذين الشريكين، أقل قدرة من أن يوفرا الغلبة المطلوبة، ولا الإنقاذ المنتظر.

كل الآخرين يستطيعون أن يروا أن حزب الله، تجاوز على كل صيغ التعايش، بأن كشف عن هيمنة لم تبق سترا يمكن التستر به.

الحريري جرب أن يتواطأ مع الفكرة القائلة “إن حزب الله قوة سياسية لا يمكن تجاوزها”، كما يفعل الآن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وكما فعل سواهما على طول الخط، إلا أن الحزب بدا وكأنه هو الذي صعد فوق السطح ليصدح بأذان يقول إنه هو القوة التي لا قوة سواها، وإنه ما من قرار يُتخذ ما لم يكن قراره.

السياسة في لبنان لا تقوم على قبح من هذا النوع. لأن التسويات والتوريات، أصل من أصولها.

وعندما اختار نصرالله أن يتحدث بقبح عن السعودية، فلأنه كان يستخدم مرآته مع قبيح الوضع الذي انتهت إليه هيمنته على صناعة القرار في لبنان.

ولكن هناك ما يتغير تحت السطح.

إيران إبراهيم رئيسي أكثر فصاحة في القبح من إيران حسن روحاني، حتى ولو لم تكن هناك إلا إيران واحدة في الأصل. إلا أن نزع الأقنعة أصبح هو اللغة المتداولة، لجملة أسباب.

الوضع في العراق واليمن لم يعد يمضي إلى ما تهوى إيران. وهو وضع يزيد حاجة إيران ووكلائها إلى نزع الأقنعة، إلا أن ذات اليد تبدو أقصر الآن مما يمكن أن ينقذ لها أدوارا متراجعة.

عودة ميليشيات إيران إلى التصعيد مع بقايا الوجود الأميركي في العراق، بل وتهديد القواعد الأميركية في سوريا، يعني أن طهران ترى أن نفوذها في العراق لم يعد يسمح لها بأن تكون هي المفاوض الرئيسي على مستقبله. كما لم تعد هي حارس الفرص والامتيازات فيه.

هزيمة ميليشياتها في انتخابات أكتوبر، صنعت فتقا لا يمكن رتقه في قدرة الولي الفقيه على تسيير الأمور في العراق كما كان يفعل من خلال حكومات عملائه المباشرين.

الحرب في اليمن تنقلب على الحوثي، ليس لأن السعودية تخلت عن أوهام الرهان على الإخوان في اليمن الذين اتضح أنهم مجرد مطايا تواطؤ مع الحوثي، بل لأن السعودية تخلت عن التردد في خوض المعركة، كما تخلت عن فكرة البحث عن تسوية لا تفرضها الوقائع الميدانية.

إيران ترى الآن أن وكيلها اليمني يتكبد خسائر جسيمة ويخسر السيطرة على مناطق واسعة، من دون أن تقدر على إسعافه. ولو أنها جربت أن تشن عدوانا جديدا على السعودية، مع تعثر مفاوضات جنيف بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، فإن العاقبة التي أُرجئت من قبل، لن تُرجأ مرة ثانية من دون ثمن باهظ.

الأرض تميد في سوريا أيضا. فالنصر العسكري على المعارضة المسلحة، أسفر عن هزيمة اقتصادية، من دون أن يوفر نصرا سياسيا، ما يزال من المطلوب التفاوض بشأنه.

ساهمت إيران بمستوى دمار هناك ما يزال يتطلب 400 مليار دولار لإعادة إعماره، ولكنها لا تملك ما تقدمه لحليفها الذي نصرته على جثث نصف مليون إنسان و12 مليون مهجر، فبقيت مثل البوم تنعق على تلة الخراب. حتى أنها لا تملك ما تدافع به عن قواتها حيال الضربات الإسرائيلية.

الرياض كما العواصم الخليجية الأخرى، تقول إن الأزمة مع لبنان ليست أزمة تصريحات يدلي بها مسؤولون أتفه من أن يُلتفت إليهم، بمن فيهم نصرالله نفسه، ولكنها تتعلق بهيمنة حزب الله على صنع القرار في لبنان.

الوجه المرئي، هو أن السعودية لن تعود لتقدم دعما للبنان، ما بقي هذا البلد أسيرا للأجندة الإيرانية. حتى أنها لن تدعم طرفا سياسيا ما يزال يؤمن بنظرية “إن حزب الله قوة سياسية لا يمكن تجاوزها”.

السعودية قررت أن تتجاوز، وتريد للبنان أن يتجاوز أيضا. إعادة ترتيب الخرائط الداخلية، على أساس التجاوز، أصبح هو المعيار الأول الذي يمكن أن يرأب الصدع في العلاقات بين لبنان ودول الخليج.

أما الوجه غير المرئي، فهو أنه إذا كان لبنان يأمل بحزمة إنقاذ تأتيه من صندوق النقد الدولي، فالحقيقة هي أن للسعودية كلمة في الصندوق لا تقل وزنا عن كلمة فرنسا. وإذا ما توافقت هاتان الكلمتان مع الولايات المتحدة، فإن مطالب الإصلاح، القائمة على أساس تجاوز هيمنة حزب الله، هي ما سيكون شرطا لصندوق النقد الدولي أيضا.

حسن نصرالله يمكنه أن يكون قبيحا، على قدر ما يشاء، ولكنه يرى الهزيمة ماثلة أمامه. لم تعد لديه مطايا يركب على ظهورهم.

كل مطاياه السابقون يتعففون الآن عن حمل بضاعته. وهم إذ يمكن أن يردوا عليه، فلأنه لم يترك قبيحا إلا وفعله، حتى بات يهدد لبنان بأن يُصبح جثة لا تجد من يدفنها.