كتابات وآراء


الأحد - 18 سبتمبر 2022 - الساعة 01:43 ص

كُتب بواسطة : محمد الثريا - ارشيف الكاتب



كانت زيارة خاطفة آنذاك تلبية لدعوة صديق قديم كان يتولى منصبا قياديا، أتذكر حينها مشهد الارتباك الذي أبداه أحد الجلوس اثناء دخولي المجلس، اذ لم يتوقع كلانا تلك الصدفة، شخصيا بديت مستغربا من رؤية ذلك التاجر المعروف متكئا بجانب صديقي القيادي ويتوسطان عددا من الشخصيات العسكرية.

..لم تمر بضع دقائق حتى خرج ذلك التاجر وعلامات الارباك لازالت واضحة على محياه..صراحة دفعني الفضول هنا لسؤال صديقي عن سبب وجود الرجل! وعلى مضض أجاب : يجمعنا عمل ومصالح لن تفهمها!!

..ودعت صديقي يومها والدهشة لم تفارق ملمحي،تؤرقني التساؤلات عن نوع تلك العلاقة والمصالح المشتركة التي قد تجمع عمالقة المال بالعسكر وحتى الساسة.

وفي الحقيقة ان جهابذة السياسة وأباطرة المال يرتبطان بحبل سري واحد اما بالنسبة للحضور العسكري بينهما فهو بمثابة الاكسجين اللازم لبقاءهما أحياء ..ولربما فهم هذه العلاقة العميقة جيدا هو ما سيفسر لنا السر وراء صراعات وحروب المنطقة اللامنتهية.
وهنا ساحاول الحديث عن مثال حي يشرح بعضا من الغموض وراء استمرار دوامة العنف في اليمن!

ـ لطالما شكلت حقبة "صالح " مشروعا مغريا لجذب الكثير من شركات النفط والطاقة العالمية كما شكلت ايضا مرتعا جيدا لتنامي إستثماراتها والتي كانت في معظمها استثمارات مجحفة وغير مشروعة..

أتى العام2011م، ومعه أتت المظاهرات الشعبية والاضطرابات الامنية التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا لنظام " صالح "ذلك النظام السياسي الذي طالما شكل بدوره سياجا منيعا يحفظ تحالف المصالح المشتركة لرموزه مع تلك الشركات العالمية.

..بطبيعة الحال لن تقف إمبراطوريات السلطة والثروة تلك متفرجة هكذا، اذ سيتحتم عليها هنا جر تلك المظاهرات والانتفاضات الى مربع العنف ودوامة الاقتتال اللامنتهية توفيرا للوقت اللازم والمطلوب لصنع تحالفات مرحلية تتماهى مع الواقع السياسي القائم وتمهيدا لتحالفات اخرى تؤسس لواقع سياسي جديد.

ـ يبدو ان خمسة أعوام من الحرب العبثية لم تكفي بعد لميلاد تحالف ظل جديد او حتى لإعادة انتاج تحالف الظل ذاك، فعلى الرغم من بروز واقع أمني جديد تمثل بسلطة الحوثيين شمالا، وواقع أخر مشابه تمثل او كاد بسلطة الانتقالي، الا ان تلك الشركات وعلى مايبدو ليست راغبة حتى هذه اللحظة بتغيير الحرس القديم لديها قبل إكتمال القناعة التامة بشركاء محليين جدد يضمنون مصالحها واستثماراتها عبر تحالف مماثل وبذات الوتيرة ايضا.

دون ذلك ستقف بالتأكيد تلك الشركات العملاقة وعبر أذرعها السياسية المؤثرة والممتدة في دوائر صنع القرار العالمية معطلة لاي مشروع سياسي لا يضمن اهدافها ومصالحها هذا البلد او ذاك.

..حتى الساعة لازلنا نسمع أنباء عن حوار جدة بين الشرعية اليمنية والانتقالي الجنوبي، وأخرى بين مسؤولين أمريكيين وشخصيات حوثية، وهنا سيبدو الامر في ظاهره بحثا عن حلول سياسية تنتهي معها تداعيات الازمة اليمنية، لكن قطعا لا يقف الامر عند هذه النقطة فحسب، ثمة حاجة ملحة ان لم تكن شرطا أساسيا في إنجاح تلك الحوارات والحلول! وهي إستيفاء الضمانات الكاملة لمصالح تلك الشركات ودولها حينئذا فقط يمكن الحديث عن بوادر إنفراج للازمة القائمة اليوم ..

.. التسريبات الاخيرة مثلا والتي تتحدث عن تسليم الانتقالي ثلاثة محافظات هي عدن ولحج والضالع وإجزاء من أبين،فيما ستحتفظ الشرعية بمحافظات النفط مقابل تخليها عن قيادات الاصلاح التابعة لشرعية هادي،هذه التسريبات ان صحت وهي بالمناسبة لا تبتعد كثيرا عن فكرة الاقاليم ومخرجات الحوار، فانه يمكن اعتبارها هنا مؤشرا أوليا يؤكد تأجيل إعتماد تحالف ظل جديد والإكتفاء بالتحالف القديم عبر إنعاش شخوصه سياسيا، والحديث هنا عن إعادة انتاج حزب المؤتمر وتمكين قياداته من مفاصل الاقتصاد والمال، ولعل تعيين القيادي المؤتمري حافظ معياد كان مقدمة ذلك، ناهيك عن تصريحات الخزانة الاميريكية قبل أمس حول تجديد ثقتها بالبنك المركزي وهو أمر غاب طيلة الفترة الماضية .

# تحدثت قبل مدة! عن أهم عاملين لنجاح اي مكون سياسي طامح للسلطة، وهما : فرض السيطرة على الارض، والقدرة على إقناع المجتمع الدولي وركائزه بإمكانياتك كشريك قوي وحقيقي يستحق الثقة ويضمن مصالح الجميع، وفيما يبدو ان الفترة الاخيرة الماضية قد أكدت قدرة العامل الثاني على قلب موازين ما صنعه العامل الاول ..لذا يمكن القول ان المعركة الحقيقية قد بدأت لتوها في أروقة جدة .

..تظل أدبيات النضال وشعارات الثورة أهدافا سامية وملهمة لكنها في الاخير لا تصنع واقعا ملموسا ان لم تتكلل بانتصار سياسي على الطاولة وأخر في الظل حيث المصالح المتجردة من اماني الشعوب ...وفي عالم مادي تحكمه تحالفات ظل لا تتحدث الا بلغة المصالح والمال تبقى احاديث الساسة مجرد موشحات جميلة للإستماع فقط .