أخبار وتقارير

السبت - 18 مارس 2023 - الساعة 01:11 ص بتوقيت اليمن ،،،

عاصم بن قنان الميسري


الهجرات الحميرية

لقد حدثت هجرات عربية عديدة لشمال إفريقيا لم يسجلها التاريخ ويقر هذا حتى بعض المؤرخين الأوروبيين كويليام لانغر، وغابرييل كامبس الذي يعيدها إلى ما قبل الألف الثامنة قبل الميلاد وبوسكويه . G.H Bousquet الذي يقول : وعلى كل حال يوجد ما يجعلنا نقتنع بأن عناصر مهمة من الحضارة البربرية وبخاصة اللغة أتت من آسيا الصغرى عن طريق منخفض مصر في شكل قبائل تنقلت في هجرات متتابعة على مدى قرون عدة في زمن قديم لم يبتّ في تحديده.

يقول الدكتور عثمان السعدى:

لقد حدثت هجرات قحطانية من جنوب الجزيرة العربية قبل آلاف السنين والذي سجله التاريخ هجرة الكنعانيين الفينيقيين في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد حضروا فأقاموا مدنا ساحلية تجارية وأخرجوا عن طريقها بني عمومتهم الأمازيغ من العصر الحجري وأدخلوهم التاريخ وأسسوا إمبراطورية قرطاج الذي يعتبر تأسيسها تزاوجا بين الكنعانيين والأمازيغ فهي إمبراطورية كنعانية أمازيغية.

فملحمة حنّا بعل العابرة لجبال الألب ساهم فيها الأمازيغ فقد كان سلاح الفرسان بجيشه أمازيغي يقوده الفارس الأمازيغي مهر بعل. وحضارة قرطاج هي مكتشفة الحروف الهجائية وناشرتها بالقرن الثامن قبل الميلاد في أوروبا فالحروف باللغات الأوروبية تسمى حتى الآن (ألف باء)

قال ويل ديورانت عن الكنعانيين الفينيقيين العروبيين ورسالتهم الحضارية بالعالم: أقاموا لهم حاميات في نقط منيعة علي ساحل البحر المتوسط أقاموها في قادز وقرطاجنة ومرسيليا ومالطة وصقلية وسردانيا وقورسقة بل وفي انكلترا البعيدة.

واحتلوا قبرص وميلوس ورودس ونقلوا الفنون والعلوم من مصر وكريت والشرق الأدني ونشروها في اليونان وافريقيا وايطاليا واسبانيا وربطوا الشرق بالغرب بشبكة من الروابط التجارية والثقافية، وشرعوا ينتشلون أوروبا من براثن الهمجية.

اللغة العربية وزيف السامية

اللغة العنصر الحي الباقي بين أيدينا

ان عنصر اللغة هو العنصر الحي الباقي بين أيدينا وهو يؤكد ما يقوله حيث يقول أحمد سوسة: إن اللغة العربية (لغة جزيرة العرب الأمّ) حافظت على نسبة كبيرة من خصائص اللغة السامية الأصلية أكثر من أية لهجة من اللهجات السامية الأخرى لأن بلاد العرب لم تخضع يوما من الأيام للأجنبي وسلطانه.

ويوضح أحمد سوسة موقفه من مصطلح سامي وسامية فيقول: إن تسمية سامية أطلقت على شعوب تزعم أنها انحدرت من صلب سام بن نوح وهو ما قمنا بتأكيدة في الجزء السابق في نقطه (بني اسرائيل من دون العرب ) ، وكان أول من أطلقها بهذا المعنى العالم النمساوي من اصل يهودي شلوتزر عام 1781 للميلاد فشاعت منذ ذلك الحين وأصبحت عند علماء الغرب علَما لهذه المجموعة من الشعوب وسرت إلى المؤرخين العرب وباحثيهم بطريق الاقتباس والتقليد، على الرغم من أن هذه التسمية لا تستند إلى واقع تاريخي أو إلى أسس علمية عنصرية صحيحة أو وجهة نظر لغوية.

لذلك يرى بعض الاختصاصيين وجوب تسمية هذه الأقوام بالأقوام العربية لتشمل كل من سكن الجزيرة العربية وهاجر منها لأن العرب والساميين شيء واحد.

ويتفق مع أحمد سوسة العالم الفرنسي بيير روسيه Pierre Rossi في كتابه (وطن إيزيس تاريخ العرب الصحيح) فيقول: إن التسمية السامية خالية من كل معنى لدرجة أن (الموسوعة الإسلامية) نفسها ـ التي نسبت العرب للساميين ـ لم تفرد لكلمة سامية مادة في فهرس موادها إن كلمة سامية لا أثر لها في المعجم اليوناني ولا في المعجم اللاتيني لو أن اليونان لم يتكون في الثقافة العربية لما ظهر البتة أرسطو إلى الوجود إن اليونان لم يكن سوى شرفة أو ملحق للبناء العربي بالشرق إن روما أسست في بوتقة الثقافة العربية لا بد أن نحدد العروبة كثقافة وحيدة للشرق.

العالم اللغوي الجزائري عبد الرحمن بن عطية في كتابه الأخير بالفرنسية، المعنون بـ العرب والهندو أوروبيون : هل تكلم الهندو أوروبيون العربية في الأصل والصادر في الجزائر سنة 2008 يثبت فيه من خلال المؤرخين الأوروبيين والنقوش المكتشفة بأوروبا بأن اوروبا قبل غزو القبائل الهندو أوروبية في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، كانت تتكلم اللغات العروبية (أي السامية وفقا للمصطلح الغير العلمي).

فقد انتشرت اللهجات العروبية ابتداء من الأكادية، فالبابلية فالكنعانية وغيرها. ويذكر: “أن لاروس الكبير الموسوعي يضع النقوش الفينيقية ابتداء من الألف الثالثة ق.م

ويحدد أن نقوش النصوص الهوريغليفية البابلية تحمل تواريخ بين 2100 و 1600 ق. م المحفوظة على حجارة أو برونز بحروف توحي بالهوريغليفية المصرية وأخرى بالأبجدية الفينيقية وبينهما تشابه كبيرر جدا" .

ويذكر بن عطية أن وادي الهندوس يضم شعوبا تحمل اسم (عربيتا) كما تحمل شعوبا بالبنجاب بباكستان اسم (عربي) مثلما أورد المؤرخ L.de la Vall�e-Poussin الذي يؤكد أن هذه الشعوب ليست هندو أوروبية.

ويقول بن عطية بأن اللغة العروبية الأمازيغية لشعوب المغرب العربي كانت منتشرة بالقوقاز وإيبيريا ويسميها اللغة البربرية الإبيرية ويقول : ومن الغريب أنه عندما كنت طالبا بجامعة القاهرة سمعت أرمنية تقول لرفيقتها (أوقور) فسألتها ما معناها فقالت : تعالى ونفس الكلمة بنفس النطق تعني بالأمازيغية اذهب.

ولقد وجد نقش كنعاني فينيقي في البرازيل في ( بارايبا ) سنة 1874 م ويذكر المؤرخون بأنه كتب في القرن السادس قبل الميلاد وقد تمكن العالم السوري المتخصص في الخطوط العروبية أي العربية القديمة الأستاذ الدكتور بهجت قبيسي من قراءة للنقش وتحويله إلى حرف الجزم العربي الذي يسمية بالعدناني.

في اروقة علوم الجينوم للحمض النووي فحدث ولاحرج عن مئات الاكتشافات التي تتبث تطابق الجين البشري للمغرب العربي مع سكان العرب في جنوب الجزيرة والذي سنخصص له جانب خاص ، بالمقابل اتجه جزء كبير من الحميريون بمختلف قبائلهم ( صنهاجة و ال محرم و المهرة و التبو و الطوراق ووالازواء والنجرانيون والعفر وتمزيغت وغيرها ) نحو شرق و شمال افريقيا على دفعات و موجات هجرة كثيرة .

ويبدو ان معظم من هاجر الى هناك كان من E haplogroup القديمة مثل EM35. EM215. و قليل من السلالة J1 haplogroup ايضا وهذا سنخصص له باب خاص بالجينات العربية .

ميثلوجيا الفينيق

لقد ترك هؤلاء المهاجرون على طول خط الهجرة من اليمن الى شرق و شمال افريقيا علامات و شواهد كثيرة لغوية و دينية و جغرافية واثرية. مما يدل بقوة و صحة الروايات التاريخية التي تواترت عن اصول البربر الحميرية وما يلفت الانتباه هنا هو منطقة المهرة وظفار ( عمان) و حضرموت حيث يبلغ التشابة اللغوي والابجدي مع الفينقييون الذي ينحذر منهم شعوب البربر بمستوى عالي من التقارب الجيني واللغوي والعقائدي حتى اليوم .

ويذكر الدكتور الباحث التاريخي المعروف عبدالله سعيد باحاج حول علاقة الفينيقيين بحضرموت حيث أردف قائلاً : و هناك مؤشرات قوية تدل على الأثر الحضرمي اليماني في الفينيقيين و التي أشرنا إليها في دراسة بعنوان ( مؤثرات حضرمية في الحضارة الفينيقية : شواهد تاريخية و أثرية ) ونشرت هذه الدراسة في دورية آفاق عام 2005 م الصادرة عن إتحاد الكتاب بالمكلا و كذلك في الكتاب الذي أصدرناه بالمكلا عام 2009 م تحت عنوان ( هجرة الحضارمة في العصور الغابرة : عصور ما قبل الإسلام ) و من هذه المؤشرات الدالة على الأثر الحضرمي في الفينيقيين ما يلي : -

1 ) إن الفينيقيين قدموا أصلاً من جنوب و شرق الجزيرة العربية و خاصة من صور عُمان و من ثم البحرين و حيث كانت العلاقات البحرية بين البحرين وحضرموت قائمة منذ زمن بعيد .

2 ) تشابه نمط العمران في كل من حضرموت القديمة و فينيقيا كما تقول بعض الدراسات و منها دراسة الباحثة الأركيلوجية الفرنسية مادلين هو رس ميادان بعنوان ( تاريخ قرطاج ) الصادرة في بيروت عام 1981م .

3 ) تشابه الأسلوب الهادي و السلمي للحضارمة و الفينيقيين في المعاملات التجارية و النشاط الملاحي .

4 ) عدم إستخدام سياسة التطهير العرقي لكل من الفينيقيين و الحضارمة في إقامة مستوطناتهم في المناطق التي يصلون إليها .

5 ) أدى حرص الفينيقيين في تكرار مسميات مستوطناتهم في كل من البحرين و بلاد الشام و شمال إفريقيا و جنوب إسبانيا إلى معرفة مدى علاقتهم بحضرموت من خلال تسمية إحدى مستوطناتهم الهامة باسم ( حضرموت ) و هي اليوم مدينة سوسة ثالثة أكبر المدن التونسية من حيث الحجم السكاني بعد كل من تونس العاصمة وصفاقس .

6 ) يقول بعض الباحثين و منهم الدكتور العلامة الآثري المرحوم بإذن الله تعالى د. محمد عبد القادر بافقية في كتابه ( تاريخ اليمن القديم ) إن الحضارمة كانوا يضعون رسماً للعين في قبورهم و هو كذلك ما يضعه الفينيقيين في قبورهم و هذا تطابق ليس وليد الصدفة بل يذهب بالأصل الواحد و خاصة للفينيقيين لمنطقة حضرموت خاصة و جنوب الجزيرة العربية عامة .

و رغم ذلك تظل الحاجة ملحة لإستكمال الدراسات و الأبحاث في هذا الصدد لمعرفة و تأكيد العلاقة بين حضرموت و الفينيقيين .

الجزء الأول من البحث

الجزء الثاني من البحث

الجزء الثالث من البحث

الجزء الرابع من البحث


المصادر :

1 - تاريخ سوريا الحضاري القديم تصحيح و تحرير : د. أحمد داوود .
2 - نظرية التكوين الفينيقية و آثارها في حضارة الإغريق ترجمة و تعليق يوسف الحوراني .
3 - كتاب " صور حاضرة فينيقيا " معن عرب , دار المشرق , بيروت .
4 - تاريخ هيرودوت الشهير , الكتاب الأول ص 63 .
5 - تاريخ هيرودوت الشهير الكتاب الثاني ص 123 .
6 - أوفيد " التحولات " المترجم إلى العربية تحت إسم " مسخ الكائنات " .
7 - نونوس , الأدونيسيات .
8 - أعمال لقيان السميساطي المفكر السوري الساخر في القرن الثاني الميلادي .
9 - القاموس الكلداني للمطران يعقوب أوجين منا .
10 - تاريخ هيرودوتس الشهير , ترجمة حبيبي أفندي بسترس مطبعة القديس جورجيوس , بيروت 1886-1887
11 - The Cambridge Anliet History, Volume 3,P7,138 .
12 - Moscati, Histoire et Civilization des peoples Semitiqe Payot, Paris .
13 - C.Celemen, die Puenikich, Religion Philo uon

ابو عصمي الميسري